• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الخطوط العامة للمجتمع الإسلامي

آمنة الهادي

الخطوط العامة للمجتمع الإسلامي

◄المجتمع الإسلامي مبني على قاعدة التوحيد وشعار التوحيد إسم الله، والمجتمع الجاهلي طافح على غرور أصنام النفس البشرية وشعارهم إسمها. وتوحيد الله يعطي المجتمع الإسلامي فضلاً من الله ورحمة شاملة ودائمة وشعار الرحمة الشاملة (الرحمن) وشعار الرحمة الدائمة (الرحيم). وهذا يعني أنّ المجتمع الإسلامي مستقر ومستمر، متكامل ودائم فهو خير ورفاه وتقدم لجميع الناس في جميع العصور.

 

·      الالتزام المبدئي:

الخط العام الذي تتفرع عنه سائر الخطوط المميزة للمجتمع الإسلامي أنّه مجتمع ملتزم بمنهج الله، وقد عبّر القرآن عن هذه الفكرة في آية: (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى) (الفتح/ 26)، فهو مجتمع مبدئي، وحين نقول مجتمع مبدئي فإننا نتصور شرطين أساسين هنا:

أ‌-       انّه لا يؤمن بالفوضى في أي حقل من حقول المجتمع، بل يؤمن بالتنظيم في كافة الأبعاد الخاصة والعامة.

ب‌-  انّه ينطلق في تنظيمه من بصائر سماوية ليست فيها تحديات قومية أو اقليمية أو عنصرية أو غيرها.. لأنّ السماء هي التي أوحت بهذه البصائر.

من هنا جاء نداء الله للناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء/ 1).

فهذا نداء إلى الناس أن يتقوا الله ليبنوا على أساسه مجتمعهم الفاضل. ومعروف إنّ هذا الخطاب للناس الواقعيين الذين يتحركون في أرض الواقع، وليس الخطاب إلى الإنسان أو البشر كصفات تجريدية، إنّ هذا الخطاب تعبير عن روح الواقعية في الرؤية الإسلامية، وبالتالي روح توجيه الحياة مباشرة ومن دون الالتفاف حولها بمسائل نظرية. والسؤال هو: لماذا قال الله "ربكم"؟

الجواب: إنّ كلمة الربّ تدل على معنى التربية فهي إذن أقرب إلى التشريع الذي يأمر الله عباده باتباعه ولذلك ترى انّ القرآن لا يكتفي بكلمة رب بل يضيف قائلاً "الذي خلقكم". ليذكرنا بأنّ الذي ربانا بعد الخلق أجدر أن يتبع الناس تشريعه ويتقونه في حياتهم.

 

·      التوحيد منطلق التشريع:

الميزة الأساسية في تشريع السماء إنطلاقه من مبدأ التوحيد والذي يعني فيما يعني الارتفاع فوق كلّ الحواجز المصطنعة بين الناس، اننا نفهم اليوم وبعد أن إكتشفنا إن أكثر الويلات التي أصابت البشرية ولا تزال تصيبها حتى اليوم آتية من هذه الحواجز "العنصريات، القوميات، الأقليميات، الطبقيات و.. و.." نحن نعرف إنّها هي العقبات الحقيقية في طريق الإنسان إلى السعادة والتقدم. ولذلك يركِّز القرآن على انّ الله خلق الناس جميعاً من نفس واحدة ويقول: (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً) (النساء/ 1).

 

·      النساء كالرجال:

وتستثير هذه الآية تساؤلاً معيناً وهو: كيف خلق الله زوج الإنسان من نفسه؟ وهل يعني هذا إنّ الإنسان الأوّل كان ذا طبيعة مزدوجة، ثمّ انفصلت طبيعة الذكر عن طبيعة الأنثى في سائر الأجيال؟ أم هل يعني هذا إنّ الله خلق آدم (ع) ثمّ انتزع من أضلعه صلصالاً وخلق منه حواء؟

يصعب تحديد الاجابة عن هذه الأسئلة، ولكن هذا التعبير يوحي بفكرة علمية تهمنا في تلاوة آيات القرآن الكريم هي انّ الذَكَر والأنثى جنس واحد، وليست الأنثى أقل شأناً من الذكر لا في الطبيعة ولا في منهج الله، وقد تكررت في آيات القرآن هذه الفكرة مثل: (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) (الروم/ 21)، وقد نسف القرآن فكرة العنصرية الجنسية التي تقول: "انّ للذكر سلطة مطلقة على الأنثى بسبب انّه من جنس أعلى والفارق بينه وبينها يشبه تماماً الفارق بين الإنسان والحيوان. لقد نسف القرآن هذه الفكرة وبيّن ان كلّ الحواجز بين الناس مصطنعة ولا رصيد لها من الحق أبداً.

 

·      الأسرة تنظيم إيجابي:

بيّن القرآن انّ فكرة التساوي بين الناس لا تعني الانفلات والفوضى، إنما يجب أن يكون داخل المجتمع تنظيم متقن، ونقبل بالحواجز بقدر أدائها لعملية التنظيم الإيجابي، فالأسرة مثلاً كإطار ينظم علاقة مجموعة بشرية بأخرى ويجعلها أكثر تعاوناً وتفاعلاً... مقبولة، بل هي ضرورة. ولكن الأسرة كإطار لضرب الأسر الثانية واشاعة العصبية والقبلية بين المجتمع مرفوض أساساً.

ولذلك أكّد القرآن على الأسرة وقال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء/ 1). أي اتقوا الله واتقوا الأرحام.

إنّ التعاون مع الأسرة يجب أن يبقى ضمن إطار منهج الله، فلا يصبح وسيلة للفساد والرشوة، وغصب الحقوق وإشاعة الفحشاء لذلك بدأ الحديث بذكر تقوى الله وجعلها ركيزة البناء الاجتماعي، ثمّ بيّن أهمية الأرحام (الأقارب) وبتعبير القرآن (تساءلون به) يعني انّ الله هو المقياس النهائي والأخير الذي يمكن أن يجعل ركيزة التعاون الاجتماعي، فإذا سأل أحد شيئاً من آخر هل فعله أم لا، كيف يستطيع إثبات ما يدعيه إن كان موافقاً للواقع أم مخالفاً له. لا طريق له إلى ذلك إلّا أن يحلف بالله ويستثير ضميره وفطرته المؤمنة بالله ويجعل من ذاته على ذاته رقيباً.

إنّ المجتمع الذي يتمتع بالإيمان، هو القادر على إيجاد تعاون حقيقي بين أبنائه على أساس من العدالة والمساواة، وإن لم يكن المجتمع مؤمناً فكل الأنظمة الموضوعة تصبح حبراً على ورق يتلاعب بها الناس كما يتلاعب الرياضيون بالكرة. ومن هنا لابدّ أن يبني المجتمع المسلم على ركيزة الإيمان والتقوى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء/ 1).

 

-         معنى الحياة..

العلاقة بين أبناء المجتمع الإسلامي ليست علاقة تراكمية. وإنما هي علاقة تفاعلية عضوية فالإسلام لا يريد أن تجتمع الناس في المسجد كجمع البرتقال في صناديقه، وإنّما يريد أن يجمعهم داخل المجتمع كما تجتمع قطرات الماء فتتحول إلى سيل عظيم. وهذا هو معنى الحياة.

الفرق بين التجمع الحي والغير الحي. هو أنّ الأخير، تفاعل أبناءه يكون بحيث يجعل كلّ واحد يضاف إلى الآخر إضافة كيفية وليس إضافة كمية.

الواحد يتشجع بالآخر، يتعاون ويتكامل معه، وهكذا تصبح الإضافة نوعية، كلّ جزء من أجزاء الإنسان وكلّ حركة من حركاته وكلّ نشاط من نشاطاته كلّ ذلك يتكامل مع الجزء المقابل عند الإنسان الآخر، وجاء في الحديث: "وأي كلمة حكم جامعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لها".►

ارسال التعليق

Top