• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

عظمة «لا إله إلا الله»

د. عائض القرني

عظمة «لا إله إلا الله»
«لا إله إلا الله» هي أصدق العبارات، وأجمل الكلمات، وأفضل الحديث، وأجل الحسنات، إذا قال العبد في الأرض لا إله إلا الله، قال الله في السماء: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، هي فطرة الله التي فطر الناس عليها وميثاقه الذي أخذه من الناس، ودعوة رسله التي بعثوا بها، ومنطوق كتبه التي أنزلها، من أجلها قام سوق الجنة وسوق النار، وبسببها مد الصراط، وتطايرت الصحف، ووضع الميزان، وسل سيف الملة، ورفع علم الجهاد، وسقطت جماجم الأبطال، وطارت أرواح الشهداء، ولذ طعم الموت، وأمهرت المنايا نفوس المقاتلين. لا إله إلا الله تزن السماوات والأرضين فترجح، لو كانت في حلقة حديد مبهمة لفصمتها، لو دخلت صخرة ملساء لفجرتها، لهو هبطت على جبل لتصدع، ولو نزلت على صخر لتفجع، خير ما قال الأحياء، وأحسن ما ذهب به الأموات، من صدق في قولها نجا وأفلح، وسعد وأنجح، بها يعصم دمه ويُصان عرضه، ويحفظ ماله، ويهنأ عيشه، ما فهمها فرعون فدس أنفه في الطين، وما نطقها أبو جهل فوضع في القليب، وكفر بها قارون فخسف به، هي البداية والنهاية، ورأس الأمر، ورأس القضية، وقصة الحياة، وحديث العمر، لها في القلوب هيبة، وفي النفوس جلالة، تفتح بها أبواب علام الغيوب، وتغفر بها الذنوب، وتلين عند ذكرها القلوب، بها تدك حصون الأعداء، ويهد جدار البغاة، وتسحق فلول المارقين، تحاج عن صاحبها، تدافع عن قائلها، تذب عن روادها، تشفع لأنصارها، هي العروة الوثقى، والدرجة الرفيعة، والكلمة الطيِّبة، شافية كافية، جامعة مانعة، عامة كاملة. يبدأ بها الأمر وينتهي، وتفتح بها المسائل وتختتم. على صوت لا إله إلا الله، تقدم أبطال بدر يصدقون الله ما وعدوه، وعلى جلجلة لا إله إلا الله سالت دماء الشهداء في أحد لأنّهم عليها بايعوا المعصوم وعاهدوه، ولنِصرتها اغتيل يحيى، وأهدر دم زكريا، وسعرت النار للخليل، وحورب الكليم. على زجل لا إله إلا الله ضرج حمزة بدمه، وقطعت يدا جعفر، واحتز رأس مصعب، (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ) (آل عمران/ 148)، صَدَّقها أبو بكر فتوج بتاج الصدق، فلا يعرف في العالم إلا بالصديق (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (الزمر/ 33)، وكذب بها مسليمة فخطم بوسم الكذاب، فلا يعرف في الخلق إلا بالكذب (فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران/ 61). لا إله إلا الله نافية مثبتة، نافية للأنداد والأضداد والشركاء والدخلاء والطواغيت والأصنام والأوثان، مثبتة الألوهية للخالق الحق، الحي القيوم، مثبتة له العبودية والعظمة والتفرد والكمال والجمال والجلال، لا إله إلا الله تذهب الهموم، وتزيل الغموم، وتحرق الخطايا، وتكفر السيِّئات، وترضي الرب، وتغضب الشيطان. الله أكبر كل هم ينجلي **** عن قلب كل مكبر ومهللِ لا إله إلا الله وثيقة ربانية، هبط بها جبريل إلى الأرض، وحملها موسى إلى فرعون، وأعلنها محمد (ص) من على الصفا ونادت ببنودها الأنبياء، ودافع عن مثلها المصلحون، قلها إذا أصبحت ليكن يومك غرة في الأيام ونهارك سعيداً على الدوام، يسهل فيه عملك، ويكثر فيه رزقك، وقلها إذا أمسيت ليكن ليلك أمناً وأماناً، وروحاً وريحاناً، تحفظ فيه من الطوارق، وتصان فيه من الحوادث. إذا رأيت السماء المرفوعة بلا عمد، وقد مدت أجنحتها على الأرض لا يمسكها إلا الله، فقل: لا إله إلا الله. وإذا رأيت الجبال هائمة في الخيال تمد أعناقها بلا مبالاة، وتغوص في الأعماق في جبروت فقل: لا إله إلا الله. إذا أدبر الزمان، وجار السلطان، وجفاك الإخوان، فقل: لا إله إلا الله، فإذا الطمأنينة والرضى والأمن والأمان. إذا احلولك الظلام، وتغيرت الأيام، وتضاعفت الأسقام، فقل: لا إله إلا الله، فإذا النور والسعادة والأنس. إذا اشتد الخطب، وعظم الكرب، وجثم الأمر الصعب، فقل: لا إله إلا الله، فإذا الفرج والنصر والفتح. أيّها المعذبون في الأرض، المجلودون بسياط الجور، والمحبوسون في زنزانة العدوان، قولوا: لا إله إلا الله، لتذوقوا طعم الحرية، وتعرفوا معنى الإنسانية وتدركوا سر الحياة. (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ...) (الزمر/ 22). أيُّها الجائعون الباحثون عن فتات الخبز على أرصفة اليأس، المنطرحون على عتبة الحرمان، المتقلبون على جمر الأسى، قولوا: لا إله إلا الله، لتجدوا عوضاً عن الخيبة، وملاذاً آمناً من الخوف (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97). أيّها الباكون من أوجاع المصائب، الساهرون من جراح النوائب، قولوا: لا إله إلا الله. لكن لا إله إلا الله اقتحمت معاقل الزمان الآن لتلصق خدودهم بأوحال الدمار، وتخرج أتباعهم المقلدين من تحت أقبية الظلم، ومن بين أنقاض الرجس، ليسمعوا في صراحة وصرامة لا إله إلا الله. اخرجوا وانظروا إلى الأرض إذا نزل عليها الماء كيف تهتز وتنبت من كل زوج بهيج، وإذا مسها الغيث ازيّنت وأخذت زخرفها لتعلموا أن لا إله إلا الله. اخرجوا وانظروا إلى الحبة والورقة واليرقة والسناء والضياء والماء والظل والطل والنور والظلمة والحر والقر لتعلموا أن لا إله إلا الله، قال سبحانه: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) (محمد/ 19)، وقال: (لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص/ 88). وقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ) (الصافات/ 35). وقال: (حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (التوبة/ 129). وفي الحديث: "خير ما قلت أنا والنبيون قبلي يوم عرفة، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير". وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنّه قال: "مَن شهد أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله حرم الله عليه النار". وقال: "أشهد ألّا إله إلّا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة". وقال نوح لأبنائه: "عليكم بلا إله إلا الله فواالذي نفسي بيده لو كانت لا إله إلا الله في حلقة من حديد مبهمة لقصمتها لا إله إلا الله".   المصدر: كتاب (العَظَمَة)

تعليقات

  • 2022-11-23

    يوسف بن عبدالله الدارودي

    جزاكم الَّله خير الجزاء أيها الإخوة الكرام لقد كفيتم ووفيتم. يا له من مقال منعش للنفس و باعث للحياة. اشكركم جزيل الشكر.

ارسال التعليق

Top