• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصدقة في القرآن

أسرة البلاغ

الصدقة في القرآن
  يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة/ 271).

وقال عزّ وجلّ أيضاً: (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (التغابن/ 17-18).

قد يكون هدف المسلم حين يقدِّمُ صدقةً أن يكون قدوةً في العطاء؛ فيقتدي الناس بفعله، فيتصدقون، فيكون فعله مشجِّعاً لغيره في أداء الصدقة.

وقد يرغب المسلم أن يخفي صدقته فيقدمها دون ضجة أو إعلان. ويبالغ في إخفاء فعله بقصد أن تبقى بينه وبين ربه لا يبتغي من بذلها إلا وجه الله سبحانه وتعالى. وقد ذكر رسول الله (ص) أمثال هؤلاء الناس في حديثه: "سبعةٌ يُظلّهم الله تعالى في ظِلّة يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه.. ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنفِقُ يمينُهُ" (1423 فتح الباري، ص292/3). قال تعالى: (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة/ 271). فإظهار الصدقة بقصد تشجيع الناس أمرٌ مقبول، وإخفاؤها بقصد تحسين الصِّلة بالله تعالى أمرٌ فيه خير؛ فالبذل بقصد الشهرة وقصد المراءات يُحبط العمل ويُفقِدُ الأجر.. ومن الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف/ 103-104). (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (الفرقان/ 23).

والصدقةُ تُطفىءُ غضب الربّ. فإذا نزلق المسلم إلى ذنبٍ وشعرَ بأنه باعدَ بينه وبين ربه، فإنّ الطهور الذي يردُّ إليه نقاءَهُ ويردُّ إليه ضياءَهُ ويلفُّهُ في ستر الغفران والرضا أن يأخذَ من مالِ عزيزٍ عليه فيُنفقه للفقراء والمساكين زُلفَى يتقرَّبُ بها إلى أرحم الراحمين.

ومن أروع الأمثلة في بيان ما للعطاء والجود من أثر في الغفران والنجاة ما أوحى الله به إلى نبيّه يحيى ليعلِّمَه أُمّته: "وآمرُكُم بالصدقة. وإنّ مَثَلَ ذلك كمثل رجلٍ أسرهُ العدوُّ فأثقوا يدَهُ إلى عنقِهِ وأرادوا أن يضربوا عنقه، فقال: هل لكم أن أفدي نفسي؟ فجعل يُعطيهم القليل والكثير ليفُكَّ نفسه منهم"  (6233 صحيح ابن حبان، ص124/14).

إنّ الصدقات التي تبذلها على اختلاف أصنافها من زكاةٍ أو هبةٍ أو نفقة أو غير ذلك ذات أهميةٍ كبرى في معاش الإنسان ومَعاده، وهي في أساسها تقوّي صلة المسلم بالله سبحانه وتعالى، وتَقيه مصارع السوء..

قال رسول الله (ص): "صنائع المعروف تقي مصارع السوء وإنّ صدقة السرّ تطفىء غضب الربِّ، وإنّ صلة الرحم تزيد في العمر، وتنفي الفقر".

قال (ص): "حصِّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكُم بالصدقة، وأعدّوا للبلاء الدعاء". وما من شيءٍ أشقّ على الشيطان وأبطل لكَيْدِه وأقتلُ لوساوسه من إخراج الصدقات؛ ولذلك يقذفُ الشيطان في النفوس الوهن حتى يثبِّطها عن البذل.. قال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 268).

إنّ الإنسان عندما يقسّم راتبه أو دخله على مصارفه ومطالبه يجعلُ جزءاً، قلَّ أو كَثُرَ، للمستهلكات المعدومة. فهو يعدُّ طعامه وشرابه ودواءه من هذا الحيِّز المفقود. أما ما ينفقُهُ في سبيل الله فقط فهو الذي يبقى.

وقد يسبقُ الظنُّ إلى أنّ السخاء يُنقِصُ الثروة ويقرِّبُ من الفقر ويسلُبُ الرجلُ نعمة الطمأنينة في ظلِّ ماله الممدود وخيره المشهود؛ وهذا الظن من وساوس الشيطان التي يُلقيها في نفوس البخلاء، والحقّ أنّ الكرمَ طريق السَّعَة والسخاء سببُ النماء، وأنّ الذي يجعل يديه ممراً لعطاء الله يظلُّ مبسوطَ اليد بالنعمة مكفول اليوم والغد من رحمة الله وكرمه..

قال (ص): "ثلاثةٌ أقسم عليهنّ وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: ما نَقَصَ مالُ عبدٍ من صدقة، ولا ظُلِمَ عبدٌ مظلمةً فصبرَ عليها إلا زادَهُ الله عزّاً، ولا فتحَ عبدٌ باب مسألةٍ إلا فتحَ الله عليه باب الفقر".

إنّ بذل القليل اليوم سيأتي بالكثير غداً. وقد جعل الله العطاء الجميل قرضاً حسناً لا يرده لصاحبه مثلاً أو مثلين بل يردُّهُ أضعافاً مضاعفة..

وإذا أغرى الله العبد بالإنفاق فقد كشفَ له أن نفقتَهُ على غيره وسيلةٌ جُلّى ليتولى الله عليه الإغداقَ بالنعم من خزائنه التي يَلحقُها نَفاد..

وفي الحديث عن الله تبارك وتعالى: "قال الله عزّ وجلّ: أنفِقْ أُنفِق عليك، وقال: يَدُ الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار. وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلقَ السماء والأرضَ فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشُهُ على الماء وبيدِهِ الميزان يخفض ويرفع". قال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ/ 39).

ارسال التعليق

Top