شدّد الإسلام على ضرورة العمل الاجتماعي الذي هو جزء من منظومة تعاليمه، وينطلق هذا الأمر من موازنة الإسلام بين الجوانب العقيدية والعبادية والاجتماعية والاقتصادية... التي نظمها الإسلام وجعل لها ضوابط وتشريعات.
وانطلاقاً من ذلك فقد قال الرسول الأكرم (ص): "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم" فيؤكّد (ص) على مكانة الاهتمام بالوضع العامّ للمسلمين، وبكون هذا الأمر رئيسياً بالنسبة لمن يؤمن بالإسلام، لذا نفى (ص) الإسلام عن الشخص الذي لا يتفاعل مع قضايا الأُمّة.
ويتفرّع الكلام في الموضوع لناحيتين:
الأولى: لأنّ هناك طابعاً خاصّاً للعمل الاجتماعي في شهر رمضان، حيث الأجر المضاعف. كما ورد في كلام الرسول (ص)، خصوصاً بالنسبة لاحتضان الأيتام ومساعدة الفقراء والمساكين، والاهتمام بشؤونهم، لاسيّما وأنّ كثيراً من الناس، والميسورين وغيرهم، باتوا لا يتصدّقون، ولا يقومون بواجباتهم المالية إلّا في شهر رمضان المبارك، ممّا يجعل رمضان مناسبة لحثّ المؤمنين على القيام بهذا الواجب. وطبعاً لا يقتصر العمل الاجتماعي على الشأن الخيري فحسب، بل يتعدّاه ليشمل كلّ ما من شأنه أن يندرج تحت العنوان الذي حدّده الرسول الأكرم (ص): "الاهتمام بأمور المسلمين".
الثانية: وأمّا بالنسبة للناحية الثانية التي لابدّ من إثارتها في هذا المضمار فهي موضوع عدم حصر الأعمال، في شهر رمضان المبارك، بالأمور العبادية دون غيرها (كالصّلاة والصّوم والاعتكاف وقراءة الدّعاء...).
وقد فرّقتُ بين الناحيتين لأنّه في الأولى الكلام حول اهمية العمل الاجتماعي بشكل عامّ، وبمعزل عن أيّ شيء آخر، أمّا في الثانية فالكلام ردّ على القول الذي يعتبر أنّ شهر رمضان هو شهر عبادة وخضوع وخشوع وانقطاع عن الدنيا وشؤونها بما في ذلك بعض الأمور التي قد تعود بالنّفع العامّ على البشريّة، فأصحاب وجهة النّظر هذه يرون ضرورة الابتعاد عن الناس والاختلاء بالله، كما ويعتبرون أنّ تهذيب النفس يحتاج لهذه الخلوة بهدف التربية.
ومعتقدات بعض الفِرَق تبالغ في بعض أمورها التي تعتبرها تؤدي لتهذيب النفس، فلم يُعرف هذا الأسلوب عن الرسول (ص)، أو عن أهل البيت – عليهم السلام –، ويؤدّي هذا الأمر للتّقوقع والانزواء والانقطاع عن الناس، علماً أنّه يُستشفّ من روح الدين الإسلامي تحبيذه التواصل فيما بين المؤمنين؛ لذا نجد استحباب الصّلاة جماعة، وفي المسجد، وقد جعل الله عزّ وجلّ أجراً عظيماً لمن يُصلّي جماعة، ويزداد الأجر والثّواب كلّما ازداد عدد المصلّين.
كما حبّذت الشريعة الإسلامية الاختلاء للقيام ببعض العبادات، ولكن ليس بشكل يؤدي للانطقاع عن الناس والمجتمع، وهذا ما جاء في قوله تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) (المزمل/ 6-7)، فالإسلام يريد أن يأخذ كلّ جانب حقّه.
وأخيراً ليت المسلمين يستثمرون الشهر الفضيل في تفعيل أعمالهم الاجتماعية والخيرية.. فتكون ممزوجة مع الأعمال العبادية.. وبذلك نسير على هُدى النبيّ (ص) وعِترته (ع).
المصدر: كتاب مفاهيم رمضانية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق