هي تعدُّد مختلِفٌ يتكامل. فلا وحدة بلا تعدد، ولا وحدة بلا اختلاف، ولا وحدة بلا تكامُل. الجسم البشري لا ندركه إلّا بتركيبٍ متناسق متكامل لجميع أعضائه. فلا يمكن لليد، مثلاً، أن تمثل الجسمَ كلَّه. ولا يمكن أن نجعل أعضاء الجسم نسخاً بعضها عن بعض – وإلّا فلا داعي لوجودها. يجب أن يكون كلُّ عضو مختلفاً عن الآخر، لكنه منسجم معه ويعمل معه، لا ضدَّه. فلا يمكن للقلب، مثلاً، أن يعمل بلا دم، ولا للدم أن يعمل بلا شرايين، ولا للشرايين أن تعمل بلا لحم، ولا للَّحم أن يعمل بلا عظام، وهكذا. فالوحدة وتأليف القلوب من أبرز ألطاف اللّه تعالى بمخلوقاته. فقد اقتضت حكمته أن يقوّم كلّ شيء بالوحدة. فبدونها لا يقوم للشيء قائم ابتداء من المنظومة الكونيّة الواسعة وانتهاء بالطبيعة والإنسان. فالكون متحد بما فيه الأجرام والنجوم والكواكب نظمت قوانينه على أساس الوحدة والوئام والانسجام والوفاق بين جميع الفعاليات الكونية. وإذا خرج جزء منه من دائرة الوحدة يختل النظام ويؤثر على الأجزاء الأخرى. فالوحدة الكونية تُعدّ من آلاء اللّه تعالى وعظمته. المجموعة البشرية على وجه الأرض ليست بدعاً من خلق اللّه وحكمته إنما تجري عليها حكمة الباري عزّوجلّ كجريها على المنظومة الكونية الواسعة. الفارق بينهما هو أنّ الوحدة في المنظومة الكونية تكوينية بمعنى قُدّر للكون أن ينتظم على أساس الوحدة وليس له إرادة في ذلك. أمّا في المجموعة البشرية فتحقيق الوحدة من مسؤولياتها. وذلك يتم عبر الاعتصام بحبل اللّه ، قال تعالي : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) (آل عمران/ 103). وتوحيد العقيدة والقانون والرؤى والممارسات والمواقف تبعاً للتوحيد في اللّه والارتباط به. وعلى هذا الأساس دعى القرآن المؤمنين باللّه من جميع الأديان إلى كلمة سواء (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (آل عمران/ 64)، هذه الوحدة مطلوبة على مستوي الأديان المؤمنة باللّه الواحد والخالق الواهب للحياة. فالإنسانية المؤمنة باللّه الواحد الأحد لا يتكامل ولا يرتقي سلّم الكمال ولا ينال سعادتها إلاّ بالاحترام بالوحدة. فإذا خرج جزء من المجموعة الإنسانية المؤمنة من دائرة الوحدة يختل النظام ويتزعزع الأمن والسلم الإنساني. لاحظ الإسلام في موضوع الوحدة الحالة الإنسانية حيث يعطي للإنسان مكانته وكرامته بغضّ النظر عن دينه وعقيدته. حيث أشار الإمام عليّ (ع) إلى ذلك عندما قال: "النّاس إمّا أخٌ لك في الدّين، أو نظيرٌ لك في الخلقِ" حيث يروي لنا التاريخ عن غضب الإمام عليّ (ع) انتصاراً لرجل تركه المسلمون بعد أن عجز عن العمل فقال لهم إنّه خدمكم في شبابه وتتركونه في شيخوخته، فأمر أن يُعطي له من بيت المال. وإذا كانت المدرسة الغربية قد اكتشفت في هذا العصر نظرية حقوق الإنسان. فالإسلام أمّر بالحقوق الإنسانية قبل أربعة عشر قرناً. فالوحدة بين المؤمنين بالعقيدة والمسيرة الواحدة هي أكثر القضايا ضرورة. ومن السذاجة أن نتصور جماعة إسلامية معينة بأنها تستطيع أن تحقق أهداف الرسالة والأُمة بمفردها لأنّ ذلك يعني الغرور والعلو وتحقير الجهود الأخرى وقطع الطريق لمشاركة الفصائل الأخرى وتهميش دورها ومصادرة حقوقها وبالتالي خلق أجواء للتناحر الداخلي والتنافس على المواقع بدلاً من الخير والجهاد.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق