الشيخ علي مرعي
- أسباب الطلاق وتأثيره:
- ما هي أبرز أسباب الطلاق؟
لم تجعل الشريعة سبباً محدّداً للطلاق، فإنّه يحق للزوج أن يطلّق الزوجة دون أي سبب، إلا إذا كان هناك ظلم للزوجة في هذا الطلاق، ولكن الزوج يكون مأثوماً في هذه الحالة، بسبب الظلم الذي وقع منه تجاه الزوجة.. ولذلك نلاحظ أنّ الشريعة لم تشجّع على الطلاق، إنما على الصلح بين الطرفين مهما أمكن ذلك، حيث يقول تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (النساء/ 128)، ولذلك نرى أنّه حتى لو نشزت المرأة وخرجت عن طاعة زوجها، فإنّ الشريعة تطرح حلولاً للأمر، ولا تعرض الطلاق كحلّ، حيث يقول تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) (النساء/ 34)، حتى في حال وصلت المرأة بالمعصية إلى حدّ الوقوع في الزّنا، فإنّه يحقّ للرجل أن يطلّق ولا يكون ملزماً بالطلاق، إنما بحبس المرأة في البيت ويمنعها من الخروج ومقابلة الرجال، وإن كان الحقّ ثابتاً للزوج بالطلاق في هذه الحالة.
فليس هناك في الشرع أسباب تلزم الزوج بالطلاق إلا إذا وصلت الزوج إلى كره الزوج كرهاً شديداً، وكان هذا الكره غير ناتج من سوء خلق الزوج أو تصرفاته، إنما كرهته لذاته ودون سبب، ووصلت بكرهها له إلى حدّ أنّها لا تأمن على نفسها من الوقوع في معصية الله تعالى، ولو بعدم إعطائها لزوجها حقّه في الفراش، فإنّه في هذه الحالة، إذا طلبت الزوجة الطلاق من زوجها، وثبت كرهها له وخوفها من الوقوع في المعصية، يصبح الطلاق واجباً على الزوج، وإذا رفض الزوج الطلاق في هذه الحالة، فإنّه يحقّ للمرأة أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي الذي يقوم بدوره بإلزام الزوج بالطلاق، وإذا رفض وأصرّ على رفضه، يحقّ للحاكم أن يطلّقها غيابيّاً ودون إذن الزوج.
وفي غير ذلك، لا وجوب في الطلاق، إنّما يحقّ للزوج ذلك، ولاسيما إذا كانت المرأة سيئة الخلق، أو كانت لا تعطيه حقّه، مع عدم وجود أيّ مانع عندها من ذلك، أو نشزت دون مسوّغ شرعي، أو فعلت الفاحشة من زينا أو سحاق، والأفضل أن لا يطلّق دون سبب وجيه، بل لو كان هناك سبب، لا يطلّق إلا بعد العجز عن الإصلاح بنفسه أو بمعونة من يتمكّن من الإصلاح.
هذا بحسب رأي الشرع، أمّا ما يتحقّق في الخارج من طلب النساء للطلاق، أو رغبة الرجال في الطلاق، فإنّ الأسباب التي تطالب النساء من أجلها بالطلاق، هي تدور غالباً بين أمرين أساسيّين:
1- ضيق الوضع المادي، والذي يؤدي إلى عدم قدرة الزوج على الإنفاق على الزوجة والأولاد بشكل كافٍ، أو عدم إنفاق الزوج مع قدرته على ذلك.
2- سوء أخلاق الزوج ومعاملته لزوجته، والتي تصل في كثير من الأحيان إلى الضرب المؤذي والمبرح، وغالباً ما تقتصر على الإهانات والسباب للزوجة أو لأهلها، وقد تكون هناك أسباب أخرى يطالب أحد الزوجين من أجلها بالطلاق، كتدخّل الأهل في حياتهما بشكل مزعج، أو ووجود علاقة أخرى في حياة الزوج بإنشاء علاقة مع شخص آخر، ولو كان بطريقة حلال، كما لو تزوّج الزوج من امرأة أخرى زواجاً دائماً منقطعاً، فإنّ أكثر النساء تعتبر ذلك سبباً كافياً لطلب الطلاق، لأنّها تعتبر هذا الزواج نوعاً من الخيانة الزوجية.
- انتشار ظاهرة الطلاق:
إنّ انتشار ظاهرة الطلاق واضح جدّاً في مجتمعاتنا، وقد وصلت إلى حدّ مخيف، ولا يمكننا القول بوجود إحصاءات دقيقة حول هذا الموضوع، أوّلاً لأن بعض حالات الطلاق لا يتمّ تسجيلها في المحاكم الشرعية المختصّة بذلك، إنما يقع الطلاق عند أحد العلماء خارج المحكمة، ولا يراجع الطرفان المحكمة في ذلك، وثانياً لأنّ هناك الكثير من حالات الزواج لا يتمّ تسجيلها بشكل رسمي في المحاكم الشرعية، ويقع الطلاق فلا تسجل في المحاكم. ولذلك لا يمكن إعطاء إحصاء دقيق في ذلك، ولكن لا شك في أنّ أكثر من ثلث الزيجات تنتهي بالطلاق، إما قبل الانتقال إلى البيت الزوجي، أي في فترة ما يسمّى بالخطوبة، أو بعد الانتقال إلى البيت الزوجي، بل وإنجاب الأولاد في بعض الحالات.
ارسال التعليق