• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

بعد سن الخامسة.. هكذا يتطور طفلك اجتماعياً

بعد سن الخامسة.. هكذا يتطور طفلك اجتماعياً

كل طفل يتطور بطريقة فريدة ومعقدة، ومع أن كلّ الأطفال يتطورون عبر سلسلة خطوات ومراحل عامة متعاقبة، فمن المحتمل ألا يبدأوا هذه الخطوات بالطريقة نفسها وفي الوقت نفسه. لأن تطور الطفل يتأثر أيضاً، وإلى حد كبير، بعوامل بيئته الخاصة وبالخبرة التي يمتلكها.

إنّ الطفل في عمر خمس سنوات هو عموماً طفل سعيد مليء بالحيوية، ومحب للاكتشاف، وحلّال مشاكل متحمس، ومبدع، وحساس جدّاً نحو احتياجات ومشاعر الآخرين، ولا يجيد صعوبة أبداً في انتظار دوره وفي مشاركة الأطفال الآخرين ألعابه وكلّ ما يملك، ويقدّر كثيراً الصديق المخلص. يحب كثيراً وضع الخطط وإمضاء وقت طويل مع أنداده في بحث من يفعل هذا؟ وماذا يفعل؟ ويطرح دائماً أفكاراً خيالية لتنفيذ عمل ما، أو لإيجاد حلول للتحديات العويصة.

يبدأ الطفل في هذا العمر الاعتماد على نفسه تدريجياً ويقلل من اعتماده على دعم الآخرين وهو قوي لا يعرف الاستسلام، وسريع الخاطر. وعندما يشارك في تجارب جديدة منوعة، يطرح أسئلة تحليلية ويفكر كثيراً في اختياراته ويفضل الأنشطة الجماعية التي تضم أكثر من طفل. يتغير شكل جسده بشكل سريع، إلا أنّه لا ينمو بالسرعة نفسها، كما كان في السنوات الأربع الأولى من عمره. وهو واثق بنفسه وودود ويتوقع أن يحبه كلّ أفراد العائلة، والأصدقاء ويقدرونه وهو مستعد لخوض تجارب عديدة وتواق إلى تعلُّم مهارات جديدة. ويحب العمل واللعب ضمن مجموعات صغيرة ويركّز على مهارات يرغب بشدة في امتلاكها. يبدأ هذا الطفل أيضاً في توسيع علاقاته مع عالمه أثناء فهمه المتزايد إلى العالم المحيط به. إليك صورة لتطور طفل في عمر خمس سنوات اجتماعياً:

    

- السلوك الأخلاقي والقوانين:

إنّ التطور الأخلاقي للطفل هو دائماً محط اهتمام كلّ أم تهدف إلى تعليم طفلها التمييز بين الصواب والخطأ والتصرف على هذا الأساس. إضافة إلى نمو الطفل في مراحل الطفولة الأولى، تنمو أيضاً قدرته على التمييز بين القوانين الأخلاقية، والمعايير الاجتماعية، والخيارات الشخصية. وعندما يصبح في عمر خمس سنوات تقريباً، يكتشف الطفل أنّ القوانين الأخلاقية تهدف إلى منع التصرف "الخاطئ" الذي يمكن أن يؤذي الآخرين. والمعايير الاجتماعية هي قوانين تتعلق بالسلوك الاجتماعي الذي يحدد الصح والخطأ، إلا أن خرق هذه القوانين لا يتسبب في أذية الآخرين. مثلاً، يعرف الطفل أن ضرب شقيقه هو تصرف أخلاقي خاطئ، لانّ الضرب يؤذي شقيقه ويدفعه إلى البكاء. في المقابل، يدرك الطفل أنّ اللعب بالطين بثياب جديدة يثير بالتأكيد غضب الأُم، إلا أنه لا يؤذي أنداده ولا يقلقهم. كما يدرك الطفل في هذه السن أن خياراته الشخصية يمكن أن تختلف عن خيارات أنداده. مثلاً، يدرك أنّه إذا كان يحب المعكرونة بالجبنة والكاتشاب، فهذا لا يعني أن صديقه يجب أن يأكل المعكرونة بالطريقة نفسها.

يكون الطفل في عمر خمس سنوات قادراً على إدراك مفهوم القوانين، ويرغب في اتّباعها لإرضاء أمه في الدرجة الأولى والبالغين المحيطين به. والقوانين تسمح للطفل بأن يدرك كيف يتصرف. وهي تساعده على تحقيق التوازن بين الحصول على ما يرغب واحترام احتياجات الآخرين، كما تساعده على الشعور بالأمن والسلام. لذا، لابدّ من إشراك الطفل في وضع القوانين حتى يستطيع فهمها وتقبلها وتجنب خرقها.

    

- الأصدقاء:

إنّ الصداقة مهمة للطفل لأنّها تساعده على النمو عاطفياً واجتماعياً. في عمر الطفولة، يلتفت الطفل عند سماعه صوتاً مألوفاً لديه، ويتجاوب مع الأطفال الآخرين. عندما يصبح في سن خمس سنوات، يتعلم كيف يتفاعل مع الأطفال الآخرين، وكيف يأخذ ويعطي، وكيف يتوصل إلى تفاهم مع الآخرين وكيف يتشارك معهم ويشاركهم كلّ ما يملك. والصداقات تعلم الطفل اتخاذ القرارات وحل المشاكل. ومن خلال هذه العلاقات يختبر الطفل مشاعر الغضب والخوف والرفض والعدائية والخيانة. كما يتعلم على أن كلّ صديق وكلّ وضع اجتماعي يستدعي تصرفاً مختلفاً، وأن لكل صديق وجهة نظر مختلفة، وأن عليه أن يحترم وجهة نظر صديقه.

    

- العلاقات:

يبدأ الطفل في هذا العمر أيضاً تطوير مفهوم العلاقات بين الأشخاص، وقد يطرح أسئلة كثيرة حول من زوج من، وما معنى زوجة أب أو أخت الزوج.. إلخ. ويُظهر اهتماماً كبيراً بمعرفة العلاقة التي تربط بين أفراد عائلته الخاصة، السؤال عن علاقات عائلات أصدقائهم وعن أطفالهم الصغار أيضاً. وتصبح قضايا اجتماعية كبيرة، مثل العلاقات بين الأشخاص، الجنس، الأشخاص المختلفين في العرق والدين، أكثر وضوحاً بالنسبة إلى طفل في عمر خمس سنوات. وحتى يفهم عالمه الآخذ في التوسع، يجرب الطفل اكتشاف الحياة من خلال اللعب، والظهور بأحسن مظهر، وطرح العديد من الأسئلة عن العالم، وكيف صنع؟ ومن الذي صنعه؟ وقد تكون بعض الأسئلة محرجة أو من الصعب الرد عليها، مثل الأسئلة عن الموت والجنس، أو كيف يخلق الطفل ومن أين يأتي؟ على الأُم الإجابة عن أسئلة الطفل ببساطة وصدق من دون أن تحاول الإسهاب في الرد.

    

- العطاء والمشاركة والتعاطف:

يُظهر الطفل في عمر خمس سنوات اهتماماً أكبر برد فعل الآخرين وآرائهم. ويطور مشاعره ومفهومه عن العدالة فيصبح أكثر تعاطفاً مع أنداده فيتفاعل معهم، كما يطور مفهومه عن العالم الواسع فيبدأ في إدراك معنى المجموعة ويقدر الجيران. ومن المحتمل أن يتعلم كيف يمكن أن يكون إنساناً صالحاً يشارك الآخرين ويساعدهم في تقديم العون للمحتاج، وكيف يكون صبوراً وينتظر دوره، ويكشف عن حماسة شديدة في المشاركة في الأنشطة في الصف والملعب. والطفل في هذا العمر يصبح قادراً على تفهم سلوك ومشاعر الأطفال الآخرين، على الرغم من تصرفاته التي تدل على الأنانية أحياناً.

    

- التطور العاطفي:

تبقى العائلة مركز الكون بالنسبة إلى طفل في عمر خمس سنوات. وعلى الرغم من انّه يبدي اهتماماً باللعب مع الآخرين ويعقد صداقات معهم، لكن مشاعره العاطفية تبقى محصورة في أفراد عائلته، وخاصة الأُم الملتصق بها دائماً، لذا من المحتمل أن يقلق وينزعج عنما يبدأ في الذهاب إلى المدرسة.

في المدرسة يبدأ الطفل الاحتكاك بأطفال يحملون آراء مختلفة ويتصرفون بطرق مختلفة. ويكون من المفروض عليه أن يتلاءم مع نظام جديد بالكامل أو مع مجموعة قوانين مختلفة تماماً عن قوانين المنزل. وقد يتسبب ذلك في إرباك الطفل وفي شعوره بالضجر والتعب. لذا، على الأُم ألا تُدهش إذا أصبح طفلها دبقاً لا يفارقها، أو دكتاتوراً في تصرفاته، أو شديد الانفعال، خاصة بعد عودته من المدرسة. فالأطفال عادة يتجاوبون مع الضغوط بطرقهم الخاصة.

يصبح الطفل في عمر خمس سنوات مستقلاً أكثر وقادراً على السيطرة على تصرفاته، لا يجادل ولا يغضب كثيراً ويبدأ في فهم معنى أن يكون عادلاً وأن يتبع قوانين اللعب. ولكن على الأُم أن تتوقع احتمال أن يكون طفلها لا يزال في حاجة إلى الكثير ليصبح على مستوى المسؤولية. لذا، قد يحتال أحياناً أو ينزعج أو لا يرغب في اللعب مع أطفال آخرين. في هذه السن، يجادل الطفل كثيراً ويطرح أسئلة جادة وخطيرة، ويرغب أن يؤخذ في الاعتبار. وغالباً ما يستأذن قبل القيام بأي عمل، لأنّه يكون قد بدأ تعلم كلّ شيء عن القوانين، وكوّن فكرة عن الصواب والخطأ.

    

- التطور الجسدي:

يكون الطفل في هذا العمر واثقاً بقدراته الجسدية وقد يكون جريئاً جدّاً أو جباناً جدّاً، لذا يجب مراقبته بدقة أثناء اللعب مع أطفال آخرين. في هذا العمر يستطيع الطفل صعود وهبوط الدرج درجة درجة بسهولة، وأن يلقي كرة صغيرة ثم يلتقطها ويركلها، وأن يتسلق الأشجار، وأن يجري بسرعة، وأن يقفز فوق أشياء قليلة الارتفاع، وأن يرتدي ملابسه ويذهب إلى الحمام لوحده، إضافة إلى مهارات كثيرة أخرى.

 

- التطور اللغوي:

يكون الطفل في هذا العمر محدثاً ماهراً، يحب أن يتكلم بالتفصيل في أي موضوع مهم في نظره. ومع أنّه يستطيع التكلم بطلاقة ووضوح بشكل عام، لكنّه قد لا يستطيع لفظ بعض الأحرف بطريقة صحيحة، مثل حرف "ث" أو "ع" أو "ض". ويستطيع قول جمل طويلة مركبة، صحيحة لغوياً في جزء كبير منها. ويستمتع بأن يبدأ هو الحديث، ويستطيع انتظار دوره ليتكلم إذا كان هناك أكثر من شخص يتكلم، وهو قادر على أن يتكلم في التفاصيل عند مشاركته تجاربه الشخصية مع الآخرين.

    

- بعض النصائح المفيدة للأُم:

* يجب أن تشجع الأُم طفلها ليتمكن من امتلاك القدرة على التناغم من امتلاك القدرة على التناغم بين جسده وحس التوازن عن طريق اللعب، والقفز، والوثب، والجري. لذا على الأُم أن تعلم الطفل القفز بالحبل، الرقص الشعبي وألعاباً أخرى تساعده على التوازن.

* على الأُم أن تعلم طفلها على المشي وهو يرتدي كيساً، وأن يمارس تمارين "الانقطاع عن الحركة"، لأنّها تساعد الطفل على امتلاك القدرة الجسدية التي يحتاج إليها لممارسة أنشطة أكبر.

* أن تلعب معه ألعاباً تعلمه معرفة الاتجاهات، مثل التظاهر بأنهما يركبان سيارة أو قطاراً وأن عليهما الالتفات يميناً أو شمالاً.

* أن تساعده على تعلم استخدام المقص وذلك بالسماح له بتقطيع بعض الأوراق في حضورها.

* أن تعلم الطفل على شك حبات صغيرة داخل خيط لأن هذه العملية تساعد على تطوير العضلات الصغيرة.

* أن تزود طفلها ببعض أدوات النجارة الصغيرة، وأن تشاركه في اللعب بها.

* أن تعلم الطفل كيف يصلح ألعابه وكتبه في حال تضررت.

* أن تقرأ له الدراما ومسرحيات قصيرة وبسيطة إضافة إلى قراءة القصص. عليها أن تغير من نبرة صوتها عند القراءة بما يتناسب مع الشخصية. وقبل أن تنتهي من قراءة قصة عادية، عليها أن تتوقف قبل النهاية وتطلب من طفلها أن ينهي القصة بطريقته.

* أن تطلب من طفلها أن يروي لها قصة، وأن تكتبها وتعلقها في مكان بارز، باب الثلاجة مثلاً.

* أن تطرح عليه أسئلة حول "ماذا لو؟" مثل "ماذا لو لم يأتِ صديقك للعب معك؟" أو "ماذا لو ذهبنا إلى زيارة جدتك بدلاً من الذهاب إلى السوق؟".

* أن تشارك طفلها كتابة ملاحظات "شكر" أو بطاقات تهنئة، أو كتابة رسائل وإذا كان طفلها البالغ خمس سنوات من العمر يحب الرسائل يمكنها أن تطلب منه أن يملي عليها ما يحب أن يقول في الرسالة.

* أن تمنح طفلها الفرص ليصنف الأشياء، وأن يضعها في مجموعات، وأن يلائم بين شيئين، وأن يحصي عدد أشياء تضعها بين يديه، وأن يساعد في ترتيب مائدة الطعام، وأن يفرز جواربه وثيابه بحسب ألوانها والمادة المصنوعة منها.

* أن تعلم طفلها وضع القوانين في اللعب، وأن تشجعه على اللعب ضمن مجموعات صغيرة.

* أن تساعد طفلها على فهم مشاعره القوية وكيف يتعامل معها، وذلك بتقديم الكلمات التي يمكن أن يستخدمها في التعبير عن نفسه عندما يكون غاضباً مثلاً.

* أن تنتبه لطفلها أثناء لعبه مع أطفال آخرين، أن تعلمه كيف يسأل أو يستسمح الآخرين، كيف يقايض، وكيف يفاوض، وكيف يعتذر.

* أن تأخذ أسئلة طفلها على محمل الجد، وأن تفهم منه ماذا حصل ولماذا، أن ترد على أسئلة طفلها بكلمات يستطيع فهمها.

* أن تمدح طفلها عندما يحسن التصرف أو ينفذ عملاً ما طلبت منه القيام به، لأنّ المدح يساعد الطفل على فهم القيمة الحقيقية للعمل الذي نفذه. أن تقول له مثلاً: "إن وضع ألعابك مكانها بالترتيب ساعدني كثيراً، شكراً لك" بدلاً من القول: "لقد قمت بعمل جيِّد".

* أن تأخذ مخاوف طفلها على محمل الجد، وأن تشعره دائماً بأنّها لن تسمح لأحد بأن يؤذيه.

ارسال التعليق

Top