• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تربية الأبناء بين الدلال والقسوة والغياب

تحقيق: سعيد شلش

تربية الأبناء بين الدلال والقسوة والغياب
◄سُلطة الوالدين هي البوابة الأولى من حياة الطفل، وتتكون شخصية الطفل حسب طبيعة علاقته بتلك السلطة. كما أن طريقة تربيتنا لأولادنا، هي التي ترسم لهم خريطة حياتهم في تعاملهم معنا كآباء، أو تعاملهم مع العالم الخارجي. فالأبناء هم صناعة الآباء.   -        تأثير الأب: حول تأثير الأب في علاقته بأبنائه، كشفت دراسة قامت بها "جامعة كونيكتكيت"، ونشرتها الدورية العالمية للطب النفسي "أنّ تأثير الأب في نمو شخصية الطفل يبدو عظيماً إذا اقترب من الطفل وعايَش ما يَمرُّ به من تفاصيل حياتية صغيرة. في حين أنّ الأُم غالباً هي التي تُعايش طفلها في كل تجاربه، لأنّها تشعر في داخلها بشعور أصيل يدفعها إلى مُلازمته". وأشارت الدراسة، إلى أنّ "أقسى الصدمات التي يتعرض لها الطفل، تكون عند إحساسه بأنّه مرفوض، سواء من الأُم أو الأب"، لافتةً إلى أن "آثار ذلك الألم النفسي أقسى كثيراً من الألم الجسدي، الأمر الذي يمكن رصده، من خلال التحفيز الزائد الذي يظهر على مناطق معيّنة من المخ". عندما تصل العلاقة بين الابن وأبيه، إلى درجة أن يقول الأب: "إبني يكرهني ولا يحترمني"، فلا شك في أن هناك مشكلة. لكن، أين مكمن الخلل يا تُرى؟ هل هو في الدلال الزائد؟ أم القسوة المفرطة؟ أم في غياب الأب عن دوره، وترك الأُم لأطفالها لتربيهم الخادمة؟ أم أنّ الأمر يعكس حالة الصراع الذي يعيشه بعض الآباء عند الاختيار بين تربية أبنائهم بالطريقة نفسها التي تربّوا بها، وتربيتهم بأسلوب يتماشى مع عصر الثورة التكنولوجية، وما سبّبته من مؤثرات في جيل الأبناء؟   -        إبني يكرهني: يقولها وعلامات الحزن مرسومة على وجهه: "ابني يكرهني، ولا يحترمني، وأدرك أنني السبب ولكن ماذا أفعل؟"، كلام سمعناه شخصياً من حسين، وهو مدير عام في إحدى المؤسسات الحكومية. علماً بأن حسين رجل منفتح بطبعه، ولكن مشكلته مع ابنه البكر (13 عاماً)، مليئة بالدروس والعبر، وهذا ما جعلنا نترك له خيط الحوار، حيث يقول: "ما أصعب أن تصل العلاقة بين أب وأكبر أبنائه إلى هذه الدرجة، فابني لا يحب الجلوس معي، أطلب منه أن يعطيني كوب الماء فيرفض، أحاول إصطحابه معي إلى المسجد يتردد، وينتهي به الأمر إلى عدم الموافقة. في حين أنّه يُرحب بالخال والعم ويجلس معهما ويحترمهما ويقوم للسلام عليهما، بينما يسلم عليّ وهو جالس. وعندما أبادر إلى تقبيله يرفض، مع أنني لم أقصّر في حقه بشيء وألبّي له كل طلباته، أحدث موبايل وأفضل مدرسة، ولا سقف لطلباته المادية، ومع هذا كله فهو بعيد عني، وهو ما يُوجعني كأب". كلمات حسين دفعتنا إلى مقاطعته وسؤاله: لماذا وصلت العلاقة بينك وبين فلذة كبدك إلى هذا المنحنى الخطر؟ يجيب وعلامات الحيرة مازالت على وجهه: "بصراحة أنا عصبي بطبعي، حاولت مرات ومرات أن أقلل من عصبيتي في تعاملي معه ولكنني فشلت، والمشكلة أنني أتعامل مع أشقائه بطريقة مختلفة ولا مشاكل بيني وبينهم، ولكنه إبني الكبير وأريد أن تكون تربيته حسب فهمي أنا". ويواصل حسين شرح معاناته مع ابنه، يقول: "أصبحت درجة العناد لديه كبيرة، ويوماً بعد يوم تزداد الفجوة بيني وبينه اتّساعاً". ويضف: "لقد أصبحت أمه بمثابة حلقة الوصل الوحيدة بيني وبينه، وعلى الرغم من إدراكي أنني على خطأ، ولكنني غير قادر على التغيُّر، فقد تربيت هكذا، ولديَّ اعتقاد أنّ الإبن الأكبر يجب أن يكون قُدوة لأشقائه".   -        اُنظُر إلى شقيقتك: إلى ذلك، يسرد حسين حالة شبيهة لحالته مع ابنه، وهي تتعلق بأحد أخوال الابن، يقول: "عمي، والد زوجتي، رجل شديد الطباع وكان يتعامل مع ابنه البكر، بطريقة تعاملي مع إبني نفسه، إلا أن عمي كان متعدد العلاقات الجنسية، وابنه كان على علم بذلك. وهكذا، نشأ الولد على الطريقة نفسها وتعرف إلى فتيات وهو في سن صغيرة نسبياً، فعامله الأب بقسوة لأن سلوكه ترتب عليه تأخره الدراسي، وكان الأب كثيراً ما يقارن بينه وبين شقيقته، زوجتي، التي كانت ناجحة في الدراسة والحياة وهو فاشل". ويشير إلى أنّه "نتيجة هذا الأسلوب اتخذ الابن قراره بمغادرة المنزل والعيش في بيت مستقل والزواج بامرأة أجنبية، ولا علاقة له بأبيه الآن، بل إنّه يتصرف معه بأسلوب غير لائق إذا التقاه في مناسبة عائلية، وهذا ما يُحزن الأب الذي تجاوز السبعين من العمر، ويعيش الآن في حالة ندم، ودائماً يذكرني بما حدث معه، علماً بأنني أتظاهر بموافقتي على وجهة نظره. ولكن مع أوّل إحتكاك بيني وبين ابني أجدني أتعامل معه بالخشونة نفسها، للأسف".  

-        حوار لا ينقطع: من جهته، يقدم مساعد الراشد (متقاعد، لديه ابنتان) صورة مختلفة لتعامله مع ابنتيه عن الصورة التي قدمها حسين. ويقول مساعد: "لقد ربّيت ابنتيّ كما يقول الإسلام". ويضيف: "لقد كان لسيدنا عليّ – كرم الله وجهه – حكمة معروفة في تربية الأبناء، تقول: "سبع أمير، وسبع أسير، وسبع وزير، وبعد 21 عاماً يشق طريقه في الحياة"، أما الآن فنرى الأم تترك أولادها للخدم،، وأنّ الأب مشغول كما الأم في عمله، فمن أين تأتي الألفة بين الآباء والأمهات؟". ويتابع مساعد موضحاً: "في الماضي، كانت المرأة لا تعمل وتجلس مع أولادها تُربيهم وتُشرف عليهم، أما اليوم، فالخادمة هي التي تُعلّم لغتها وتقاليدها لأبنائها. لذا، من الطبيعي جدّاً أن يكره الأبناء الآباء، فالعاطفة غير موجودة". ويقول: "أحمد الله أنني كنت أنا وزوجتي نشرف على تربية ابنتينا بشكل مباشر، فالعلاقة بين الآباء والأبناء ينبغي أن تكون متواصلة، أما أن نغيب عن البيت ونتركهم للخدم ونقول إنهم يكرهوننا، فالخطأ يقع علينا نحن وهم الضحايا".   -        إقتراب: بدوره، ينتمي زكريا غزيل (موظف، لديه 4 أبناء) إلى المدرسة نفسها التي ينتمي إليها مساعد الراشد، ويقول زكريا: "أنا من مدرسة مختلفة عن والدي، حيث إنّه لا يمكن أن أربّي أولادي بالطريقة التي تربيت عليها، إذ إنّ الجيل الحالي مختلف في كل شيء". ويشير إلى أنّه "لو تعاملت مع ابني بطريقة تعامل والدي معي، فسيهرب مني ولن يفتح لي قلبه". ويضيف: "لقد تعلمت أنّ الأسلوب الأفضل هو الاقتراب من الأبناء والتعرف إلى أفكارهم"، لافتاً إلى أنّ "الحقيقة التي ينبغي علينا الاعتراف بها، هي أن ما كان يصلح للأمس لا يصلح لليوم. ففي الماضي، كان الأب، أو الأُم، يقسو على ابنه في التربية ولكن الابن لا يكرهه نتيجة ذلك، بل كنت تسمع الابن عندما يكبر وهو يترحَّم على تلك الأيام التي كان والده يقسو عليه فيها، وحتى يضربه. أما اليوم، فمجرد "التكشيرة" في وجه الابن تجعله يبتعد عن الأب ويجلس في غرفته كنوع من العقاب للأب".   -        حنان ولكن.. يعيش سعيد رجب (مستشار قانوني، متزوج ولديه أبناء) في حالة من الوئام مع أبنائه، وهو إذ يتحدث عنها يقول: "لقد أخذت من الإسلام ما يصلح نموذجاً في تربية الأبناء، فأنا أنظر إلى ما كان يفعله الرسول (ص)، عندما يصعد حفيده على ظهره وهو يُصلّي". ويضيف: "ففي القرآن والسنّة نجد الطريقة المثلَى في التربية السليمة، فأنا كنت أصطحب ابني معي إلى الصلاة في المسجد وهو في الثالثة من عمره، وأطلب منه الوقوف إلى جانبي وعدم الكلام، فإذا التزم أكافئه بأن أحضر له شيئاً يُحبّه، أمّا إذا تحدث بصوت عال، فأفهمه بخطئه وأشعره بأنني غير راضٍ عمّا فعل". ويُبيّن سعيد أن سياسته في التربية "تتجلّى في الحوار والجلوس مع أولادي وعدم القسوة عليهم، وهي الطريقة التي رباني بها والدي، فلا أتذكر أنّه ضربني مرة واحدة". ويقول: "أنا مع سياسة الحوار مهما تكن حدّة الموقف، فما كان يصلح في الماضي لا يصلح اليوم، وعلينا أن نقترب من أبنائنا أكثر وأكثر".   -        لا للدلع: هل نُربّي أولادنا بالطريقة التي تربينا بها؟ سؤال طرحناه على كريم كمال (مهندس كمبيوتر، غير متزوج)، الذي يقول: "بالتأكيد إنني لن أربي ابني كما تربيت أنا". ويضيف: "رحم الله والدي الذي توفي منذ سنوات عديدة، حيث إنّه كان يلبّي لنا كل احتياجاتنا، ويُعاملنا بدلَع كامل الأوصاف، لا عصبية ولا حتى صراخ في وجوهنا". ويقول بأسى: "لقد كانت النتيجة أنني مازلت من دون عمل حتى الآن، على الرغم من وجود أكثر من فرصة عمل جيدة، ولكنني أضع شروطي ولا أقبل بأي شيء، وأعتقد أنّه لو كان والدي قد رباني على طريقة الاعتماد على النفس، وتطبيق سياسة الثواب والعقاب، لكان الأمر مختلفاً، علماً بأن هذا ما أنوي تربية أبنائي عليه مستقبلاً. فالدّلع مرفوض وسياسة الثواب والعقاب هي التي ستسود، وهذه نصيحة أقدمها لكل أب، لا تُفرط في تدليل أبنائك ولا تقسُ عليهم".  

-        ثواب وعقاب: من جهته، يبدو أن أيمن جاد (موظف، غير متزوج) مقتنع بطريقة تربية والده له، وهو إذ يتحدث عنها يقول: "لقد كان أبي يُطبّق سياسة الثواب والعقاب. فعندما كنتُ أخطئ في تصرف ما، كان يضربني، وعندما أفعل شيئاً حسناً يُكافئني". ويضيف: "لذلك، أنا مع هذه السياسة. واليوم، وبعد وفاة والدي، أتذكر المواقف التي تعرضت فيها للضرب. وأدرك أنني كنت أستحق العقاب الذي لم يسبّب لي أي كره أو رفض لوالدي، لا بل إنني أترحّم عليه كثيراً". ويتفق فارس محفوظ (موظف، غير متزوج) مع ما قاله أيمن، ويتابع مضيفاً: "أبي كان يتعامل معي حسب الموقف، عندما أخطئ يعاقبني، وعندما أفعل شيئاً جيداً يكافئني". ويشير فارس إلى أنّ "هذا لا يعني أنني سأربي أولادي بالطريقة التي تربيت عليها، ففي أيامنا كانت هناك فجوة بين الأب والابن، فالأب يشعر بأن مكانته تجعله لا يقترب من ابنه كثيراً، لأن هناك مساحة يجب الحفاظ عليها". ويضيف: "أما اليوم، فإن هذا الأسلوب لا يصلح، ولذلك، أنا سأصادق ابني وأجعله قريباً مني". ويبرر فارس وجهة نظره قائلاً: "هذا الجيل مختلف، ولا يجب أن ننسى دور الإعلام والمفاهيم الجديدة التي يتم ترسيخها في أذهان أولادنا، وأيضاً المدارس الأجنبية التي باتت منتشرة في بلادنا بكثرة، خصوصاً أنّ هناك مفاهيم مُغايرة لمفاهيمنا في كثير من المدارس، وهذا كله يُوسّع الفجوة بين الأبناء والآباء".   -        حاجز نفسي: أما سارة فريد (متزوجة ولديها ولد وبنت)، وإذ تتحدث عن علاقتها بوالدها ووالدتها قبل رحلة الزواج والإنجاب، تقول: "كان والدي يتعامل معنا بكل حب، ويقضي معظم وقته معي أنا وإخوتي، لقد كان بمثابة الصديق بالنسبة إلينا، نتحدث معه في كل شيء، لذلك افتقدناه كثيراً بعد وفاته". وتتابع: "أما في ما يتعلق بأمي، فقد كانت غاية في التسلّط، وأنا لا أقول إنني كرهتها ولكنها خلقت حاجزاً كبيراً بيننا وبينها، فهي لا تتوقف عن إصدار القرارات والتضييق علينا في كل تصرفاتنا، بل أوصلتني شخصياً إلى أن جعلتني أفضل النوم قبل موعد نومي، هرباً من الجلوس معها، فقد كنت أعود من عملي ونتناول طعام الغداء معاً، وأدخل إلى غرفتي وأحلم بأن يأتي صباح اليوم التالي لكي أذهب إلى عملي". وبسؤالها عن الطريقة التي تتبعها في تربية أبنائها تجيب سارة: "ابني صديقي وابنتي صديقتي، من الآن أتعامل معهما على هذه القاعدة، لقد استفدت مما حدث معي، الجَفَاء والقَسْوة لا يصلحان للتربية هذه الأيام، أمي كانت تُعاملنا كما كانت جدتي تتعامل معها وشقيقاتها، وهذا لا ينفع في عالم اليوم".   -        عقليات مختلفة: الاختلاف بين عقلية جيل الآباء، وجيل الأبناء، هو ما جعل سمير السكري (موظف، أعزب) يفضّل أن يكون أسلوب تربية الأبناء في هذا العصر مختلفاً عن العصر السابق. ويقول سمير شارحاً: "لقد تغيّرت العقليّة. جيل الآباء كان أكثر تأثراً بجيل الأجداد، أما العالم اليوم، فبات مفتوحاً على مصراعيه، والأبناء يعرفون أحياناً أكثر من الآباء، بل إنهم يتفوقون عليهم في التكنولوجيا الحديثة". ويلفت إلى أنّ "من تداعيات هذا كله، أن الجيل الحالي أصبح أكثر جرأة ولا مشكلة لدى الابن في أن يُخاصم والده أو أن يترك البيت إذا تعامل معه بقسوة حتى ولو كان على سبيل العقاب". ويضيف: "لقد توفي والدي منذ فترة، وهو كان يطبّق سياسة الثواب واعقاب معنا، وأنا أكن له كل الحب والاحترام. أما في وقتنا الراهن، فأنا أحمّل الأب مسؤولية ضياع ابنه ووصوله إلى درجة كرهه له وعدم احترامه له، فلو رَبّاه بطريقة سليمة ما وصل إلى هذه الدرجة أبداً".   -        عقاب: من ناحيته، لا يجد مصطفى صادق (محام، أعزب) حرجاً في الاعتراف بأنّه تربَّى "بطريقة قاسية وشديدة"، ويقول: "في الحقيقة، لقد كنت أستحق، فقد كنت مزعجاً جدّاً وعقاب والدي لي كان في محلّه تماماً". ويضيف: "صحيح أنني كنت أرفضه وقتها. ولكن، عندما تعود بي الذاكرة إلى تلك الأيام، أدرك صواب ما كان يفعله والدي. ومع هذا، فلن أطبّق المدرسة نفسها في التربية على أولادي فالجيل مختلف، وها نحن في عصر الإنترنت".   -        عقول إلكترونية: أن يكره الابن أباه، عبارة لا يستسيغها كثيرون، فما هي الأسباب التي يمكن أن تدفع الابن إلى كره والده أو والدته؟ وما الأسلوب الأمثل في التربية؟ وما السبيل إلى حل إشكال الصراع بين الأجيال؟ أسئلة تُجيب عنها رنا يونس (أخصائية علم النفس الاجتماعي)، تقول: "من الصعب أن يصل الابن إلى كره والده أو والدته بسهولة، إلا إذا رأى عن قرب المشكلات التي تحدث بينهما، أو إذا كان الأب قاسياً في تعامله مع أفراد أسرته". وتضيف: "تزداد درجة كراهية الابن لأبيه إذا كانت والدته تحكي له عن سوء علاقتها بأبيه، فيتولد الكره داخله تجاهه، وقد تكون العصبية غير المبرَّرة من قبل الأب أو الأم من الأسباب المؤدّية إلى ذلك أيضاً". أمّا عن الطريقة المثلى للتربية، فترى رنا يونس "أنّ من الصعب تطبيق أسلوب الآباء في تربية أبناء هذا الجيل، فكل شيء مختلف". وتقول: "اليوم هناك عقول إلكترونية ومدارس إلكترونية، وفي كل دقيقة إختراع جديد، على عكس الماضي، عندما كانت عقولنا تقليدية ومدارسنا تقليدية، والحياة بشكل عام يغلب عليها الطابع التقليدي"، لافتةً إلى أنّ "هذا يتطلب من الآباء أن يصلوا إلى الأبناء، ذلك أن جيل الآباء في معظمه يعاني الأمية التكنولوجية". وتلقي ربنا يونس بمسؤولية تدهور العلاقة بين الآباء والأبناء على الآباء أنفسهم، قائلة: "هناك خطأ في التربية هو الذي أوصل العلاقة بين ابن وأبيه إلى درجة يصف فيها علاقته بابنه بأنّه يكرهه، فالدَّلع الزائد مرفوض وعواقبه وخيمة، والقسوة المبالغ فيها مرفوضة وعواقبها وخيمة أيضاً، والغياب عن البيت وفقدان الحوار نتائجه كارثيّة على الجميع". وتؤكد أن "لا حل سوى بالحوار والتوازن بين الثواب والعقاب والتكيُّف مع متطلبات العصر، فما كان يصلح في الماضي لن يصلح اليوم. لذا، علينا أن نربيهم على الاستقلالية والمسؤولية وعدم الخوف ومنحهم الحنان والحب والعاطفة بلا حدود".   -        مؤثرات قوية: من ناحيتها، تضع أستاذة علم التربية الدكتور مصر العامري، المؤثرات الخارجية التي طرأت على الأجيال الحالية، في مقدمة العوامل المؤثرة في علاقة الآباء بالأبناء، وتقول: "لا علاقة بين الأمس واليوم، فقد كنّا في الماضي نجلس مع آبائنا وأمهاتنا ونتحاور معهم، ولم تكن متطلبات الحياة ومغرياتها كما هي اليوم، وكانت الروابط قوية جدّاً بين مختلف أفراد الأسرة، فلم تكن الأم تترك أولادها للخادمات ولا الأب يسهر في المقاهي، بل كان الأهل في قلب البيت ويشرفون بشكل مباشر على تربية أبنائهم. بالتالي، كان الابن يستمع لنصيحة أبيه أو أمه لأنهما قريبان منه. لكن، بأي حق اليوم يطالب الآباء أبناءهم بالقُرب منهم وهم لا يرونهم إلا قليلاً؟". وتنصح د. العامري "بضرورة أن يقترب الأب من ابنه وأن تقترب الأم من ابنها، وأن يتعاملا معه كصديق ويُراقباه عن بُعد"، لافتةً إلى أنّه "في هذه الحالة سيجد الوالد أن ابنه هو الذي يقترب منه ويحكي له عن كل شيء بلا خوف". وتقول: "لكن، أن يغيب الأب عن ابنه ثمّ يظهر في حياته فجأة ليعطيه الأوامر، فإن هذا يجعل من المستحيل أن يتحقق له ما يريد". وتختم مُحَذّرة من القسوة في التربية "لأنها تجعل الابن يتظاهر بقبول ما يطلبه والده، ولكنه يفعل العكس في الخفاء".►

ارسال التعليق

Top