جاء في (قصص العرب) للواقديّ:
كان لي صديقان: أحدهما هاشميّ، وكنّا كنفسٍ واحدة، فنالتني ضيقة شديدة، وحضر العيد فقالت إمرأتي: أمّا نحنُ في أنفسنا فنصبر على البؤس والشِّدّة، وأمّا صبياننا هؤلاء، فقد قطعوا قلبي رحمةً لهم، لأنّهم يرون صبيان الجيران وقد تزيّنوا في عيدهم، وأصلحوا ثيابهم، وهم على هذه الحال من الثِّياب الرّثّة! فلو احتلتَ بشيءٍ تصرفهُ في كسوتهم!
فكتبتُ إلى صديقي الهاشمي أسألهُ التوسعة عليَّ، فوجّه إليَّ كيساً مختوماً، ذكر أنّ فيه ألف درهم، فما استقرّ قراري، حتى كتب إليَّ الصّديق الآخر يكون مثل ما شكوتُ إلى صاحبي، فوجّهتُ (بعثتُ) إليه الكيس بحاله، وخرجتُ إلى المسجد، فأقمتُ فيه ليلي مُستحياً من امرأتي.
فلمّا دخلتُ عليها (وعرفت منِّي القصّة) استحسنت ما كان منِّي، ولم تُعنِّفني عليه!
فبينما أنا كذلك، إذا وافى (أتى) صديقي الهاشميُّ ومعه الكيسُ كهيئته (بدون أن يُمَسّ، فكأنّه هو) ، فقال لي: أصدقني عمّا فعلتَه فيما وجّهتُ إليك؟
فعرّفتهُ الخبر على وجهه (أي قصصتُ عليه ما جرى بالحرف). فقال: إنّك وجّهت إليَّ وما أملك على الأرض إلا ما بعثتُ به إليك، وكتبتُ إلى صديقنا أسأله المواساة، فوجَّهَ إليَّ بكيسي!
فتواسينا (تقاسمنا) الألف أثلاثاً! أي كلٌّ أخذَ ثُلث المبلغ. ثمّ نُميَ (وصلَ) الخبر إلى (المأمون) فدعاني، فشرحتُ له الخبر (القصّة)، فأمرَ لنا بسبعة آلاف دينار، لكلِّ واحدٍ ألفا دينار وللمرأة ألفَ دينار!!
الدّروس المُستخلَصة:
1- (دورةُ الحبّ) كما عرفناها وعرّفناها، هي أن تعطي بيد لتأخذ بيد، وأن لا تقتصد الأخذ. فكما أنّ الوردة هناك دارت دورتها فعادت إلى يدِ الأمِّ التي أهدتها لتُهدى إليها، عادَ الكيسُ هنا إلى صاحبه.
2- المُواساة تعني المُشاطرة: (لذيذُ العيشِ أن تشتركا).. وهي أن تأخذ لنفسك ما تُقدِّم لأخيك، فتكون قد (ناصفته) و(أنصفته)! وهذا ما فعلهُ الأنصارُ مع المهاجرين الأوائل، وما يفعلهُ كلُّ إنسانٍ نبيلٍ مع إخوته وأصدقائه، وقليلٌ ما هم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق