• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

سيكولوجية التفاعل الاجتماعي/ ج (1)

أ. د. أمل المخزومي

سيكولوجية التفاعل الاجتماعي/ ج (1)
 ◄التفاعل الاجتماعي هو: العلاقة المتبادلة بين الأفراد داخل الجماعات المختلفة، وداخل المجتمع الكبير. يمرُّ التفاعل الاجتماعي بمراحل تكوينية مختلفة، وللتفاعل الاجتماعي أهدافٌ فردية واجتماعية متباينة، إنّه يعتمد على أنماطٍ مختلفة من العلاقات الاجتماعية التي تتضمن التعاون الذي يؤدِّي إلى تحقيق الأهداف المرسومة من قِبَل الأفراد والجماعات، إضافةً إلى التنافس الذي يضمُّ المقارَنات الاجتماعية المختلفة. تلعبُ الشخصية دوراً مهمّاً في نوعية التنافس، وعندما يشتدُّ التنافس فإنّه يتحوَّلُ – أحياناً – إلى صراعٍ، ويكون لهذا الصراع مظاهر مختلفة: كصعوبة إظهار النفس، وتقييم المردود، ونوعية المقارنة، والعدالة الاجتماعية.

تعتمد القوى الاجتماعية على عنصرين مهمَّين هما المبادئ الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية. ويعتمدُ توازنُ القوى الاجتماعية على عنصرين هما: المبدأ الاجتماعي، ومصدرُ العلاقات الاجتماعية.

يعيشُ الفرد في مجتمع، ويعتمد هذا المجتمع على أسسٍ معيَّنة خاصَّةٍ به، ويتضمن هذا المجتمع ثقافته الاجتماعية. بما أنّ هناك مجتمعاً له أسسه، كما أنّ هناك ثقافةً اجتماعيةً خاصَّةً به؛ إذن هناك تفاعل اجتماعيٌّ ثقافي (Socio – Cultural Interaction) قائمٌ بين الأفراد أنفسهم وفيما بين الجماعات. تعتمد العلاقات الاجتماعية القائمة بين الأفرد والمجتمعات على التفاعل الاجتماعي.

 

يتضمَّن التفاعلُ الاجتماعيُّ مظهرين، هما:

أ‌-     المظهرُ الإيجابيُّ: إنْ ساد التعاون بين الأفراد، كان المظهرُ الإيجابُّي هو السائد في تلك العلاقات.

ب‌-المظهر السلبيُّ: إنْ ساد التنافسُ الذي يعتمدُ على الإطاحة بالخَصْم، والصراع، كان المظهرّ السلبيُّ للتفاعل الاجتماعي هو السائد.

يشيرُ كمبول ينج (1957, Kimble) إلى أنّ التفاعل الاجتماعي له جانبان، هما: الجانب التعارضيُّ، الذي يتضمَّن الاندفاع ضد الآخرين لتحقيق هدف معيَّن، ويؤدي ذلك إلى الصراع. أما الجانب الثاني فهو التنافس الذي يركِّز على تحقيق الثواب لشخصٍ واحدٍ أو جماعة.

يعتبر الإنسان حيواناً اجتماعياً، يقضي أكثر أوقاته في الاحتكاك مع الآخرين ويتفاعل معهم. لقد دَرَسَ لارسون وجماعتُه (Larson and his Caleagu 40-35, 1982) العلاقة القائمة بين الأفراد في مختلف الأعمار، والوقت الذي يقضونه في أوقات اليقظة فيما بينهم. ووجدوا أنّ ثلاثة أرباع الوقت في اليقظة يقضيه الفردُ مع الآخرين، ووجدوا أنّ الشباب يقضون 74% من أوقاتهم مع الآخرين. أمّا الكبار فيقضون 71% من أوقاتهم مع الآخرين. قد يختلف الوقت المنقضي من مجتمعٍ لآخر، وقد يكون الوقتُ المنقضي في مجتمعاتنا أكثر، وهذا الأمر يحتاج إلى بحث. ومن المعلوم أنّ تلك العلاقات تعتمد على التحاور فيما بين الأفراد والجماعات. أمّا إن كان الفرد صامتاً فعندها تكون علاقاته قليلةً جدّاً.

يلعبُ الاتصال الاجتماعي المتبادل بين الجماعات والأفراد دوراً مهمّاً ومؤثِّراً في سلوك وتفاعل الأفراد فيما بينهم، كما تتدخَّل الاتِّجاهات، والرَّغبات، والحاجات، والدَّوافع في صقل ذلك التفاعل. هناك مَن يعتبر التفاعل الاجتماعي على أنّه عملية اتِّصال (Communicative – Process) يَحدُث بين الجنس الحيواني، والمخلوقات الصغيرة الأخرى. يَعتبر (Doby, 1966) الجماعة بأنّها وحدةُ شخصياتٍ متفاعلة فيما بينها.

تحدث العلاقات الاجتماعية المتبادلة عندما يلتقي شخصان ويتكرَّر ذلك اللقاء، ويتولد التأثُّر والتأثير بين الأفراد، وتتخلل تلك العملية عمليات الإدراك المختلفة كعملية إدراك الفرد لذاته وللآخرين، إضافة إلى إدراكه للمواقف، ويعتمد هذا الإدراكُ على تحليل سلوك الآخرين وسلوك الفرد نفسه في المواقف الاجتماعية المختلفة؛ وذلك لاعتماد التفاعل على المثير والاستجابة الحاصلة بين الأفراد. عندما يتبادل فردان علاقة معينة فإنّ السلوك الذي يصدر عن الفرد الأوّل يكون بمثابة مثير للفرد الثاني، وقد يستجيبُ ذلك الفرد له. وهذه الاستجابة تكون بدورها مثيراً للفرد الأوّل. على سبيل المثال: يبدأ الأوّل بالسلام، ويرد الثاني عليه السلام. قد يسأله عن صحته وأحواله، وقد تبدو من الأوّل بادرةٌ تشير إلى الاحتياج إلى مساعدةٍ فيهبُّ الآخر للمساعدة وهكذا تتولَّد اللقاءات وتتوثَّق الصداقات. وقد يكون الموقف على العكس من ذلك، عندما يُبادر الفرد بالسلام يرد عليه الآخر باقتضابٍ أو لا يرد عليه السلام؛ فتكون الاستجابة في هذه الحالة ضعيفة أو معدومة وبالتالي لا يحدث تفاعل اجتماعي إيجابي، وقد تنقطع العلاقة الاجتماعية. كثيراً ما يحدث هذا النوع من المواقف للصامت؛ ولهذا تكون علاقاته مع الآخرين ضعيفة، ويكون قليل الأصدقاء.

قام كندون (1-47, 1967, Kendon) بتسجيل حديثٍ دار بين شخصين أثناء اللِّقاء، ولاحظ أنّ الابتسامة التي بدأها الشخص الأوّل كانت بمثابة المُثير الأوّل لبداية التفاعل الاجتماعي، ثمّ أتى الكلامُ والتواعدُ واللِّقاء والفِراقُ. ولاحظ أنّ تعابير الوجه تدلُّ على الانتباه الزائد إضافة إلى نبرات الصَّوتِ.

يؤكِّد ديوي وهمبر (1966, Dewey and Humber) أن عمليّةَ التفاعل تتميَّز بالنُّموِّ والنُّضج، ويتم هذا النمو والنضج في إطار مرجعي (Reference Cotext)، ويعتمدُ هذا على العمليات الاجتماعية والنفسية المختلفة التي تؤدِّي إلى التكيُّف بين الأفراد والجماعات؛ وبالتالي تؤدِّي إلى تكوين نوعية الاتجاهات نحو المواقف والأمور المختلفة التي تُواجه الفرد في حياته اليومية.

تُستعمل اللُّغة اللفظية أو الجسمية أو الانفعالية في اللِّقاءات، عندما يلتقي شخصان أو أكثر مع بعضهم البعض وتحدُث بينهم تلك اللغة عندها يتم التفاعل الاجتماعي، أمّا إن كان الفردُ صامتاً فلا يَحدُث ذلك التفاعل. كما يتضمن المناقشات والمحادثات فيما بينهم، وهناك مَن يعتبِرُ الازدحامَ والتَّدافع الذي يحصل بين الأفراد نوعاً من التفاعل الاجتماعي. وممّا جاء سابقاً يُمكِن تعريفُ التفاعل الاجتماعي على أنّه: العلاقة الحاصلة بين طرفين، يؤثِّر الواحدُ في الآخر إيجاباً أو سلباً، فإنْ سادَ التوافق والانسجام استمرت تلك العلاقةُ، أمّا إنْ شابها الفتور والتوتُّر انقطعت تلك العلاقةُ. هذا ما يَحدُث للصَّامتِ في أكثر الأحيان.

 

مراحلُ تكوين التفاعل الاجتماعي:

إنّ الحركات والإشارات التي تصدُر عن الآخرين، إن انتبهنا إليها قد تؤثِّر في انفعالاتنا. ذكرنا سابقاً أن هناك من يجعل الآخرين سعداء أو تعساء، أو بعضهم يجعل الآخرين يعملون بجدٍّ، وآخرون يجعلونهم يبتعدون عن العمل. بعضهم يجعل الناس يضحكون، وآخرون يجعلونهم يبكون حَسَبَ ما يسلكون ويؤثِّرون في انفعالات الآخرين من الناس. يَذكُر (Keley et al, 1982) أنّ كلَّ حركةٍ أو إشارةٍ تصدر عن الآخرين تؤثِّر فينا، وكل حركةٍ تصدر عنّا فإنّها تؤثِّر فيهم، ومن هذا المُنطلق فإنّ الفرد يتأثر ويؤثِّر في الآخرين الذين يتعامل معهم. فهل الصامت يستطيع أن يؤثِّر في الآخرين مثل تأثير المُتحدِّثِ؟

يَحدُث في بعض الأحيان أن يكون التفاعل الاجتماعي من جانبٍ واحدٍ: كالتفاعل اللا تبادلي الحاصل بين المُشاهد والمُمثِّل، أو المُستمعِ والمطربِ أحياناً، أو العلاقات المُتبادلة غير المتناسقة: كالتفاعل الذي يَحدُث بين المشتري ومحاسب المخزَن، خاصةً المخازن الكبيرة، قد يتخلُّلُ ذلك نوعٌ من الابتسامات أو الانحناء أو كلمات الشُّكر العابرة أو عكس ذلك كالامتعاض أو الشكوى من المعاملة. كما يحدُث أحياناً نوعٌ من التوافق بين الأفراد، وعندها يستمرُّ ذلك التفاعل الاجتماعي.

يعتمد التفاعل الاجتماعي على أمورٍ مختلفةٍ ومتعدِّدةٍ وعلى أنماطٍ متباينةٍ من السلوك. تلعب الرموز ذات الدلالة دوراً مهمّاً في ذلك؛ فلغة الجسم لها دورٌ مهمٌّ في اللِّقاء الأوَّلِ بين الأفراد. على سبيل المثال: عند لقاء الأفراد في حفل لا يعرفُ أحدُهم الآخر، فالابتسامة وحركة الرَّاس أو الانحناءة لها مفعولٌ، وتعني تلك الإشارات أنّ ذلك الفرد يرغبُ في التعارف على الأفراد الآخرين، قد يؤدِّي ذلك بالتالي إلى تكوين العلاقات والصداقات أحياناً. تلعبُ نبراتُ الصَّوت والانفعالات المزاجيَّة أيضاً دوراً مهمّاً في إقامة التفاعل الاجتماعي، أي إنّ الفرح والحُزْن والغضب والانفعال لها أهميةٌ كبيرةٌ في ظهور التفاعل الاجتماعيِّ. يتخلَّل تلك العملية تقييمُ الفرد لسلوك الآخرين الذين يتعاملُ معهم، ويشملُ ذلك التقييمَ لأفعالهم ودوافعهم والإشباع الذي يحصل عليه من ذلك. قد يُخفي بعضُ الأفراد ما يضمرون من إحساسٍ ويظهرون خلاف ما يبطنون. على الفرد المقابل أنْ يعرف حقيقةَ الأمر ويدركَ سلوك الآخرين الذين يتعامل معهم، إضافةً إلى سلوكه. يساعد هذا الإدراكُ على تهذيب سلوكِ الفرد ويجعله مناسباً ومتَّفقاً مع المواقف التي يتعرَّض لها. أمّا إذا انعدم هذا الإدراك فإنّه يؤدِّي إلى أنّ السلوك يفقد اتِّزانه؛ وبالتالي يؤدِّي إلى توتُّر العلاقات أو السَّأم والملل من تلك العلاقاتِ، وهذا ما يَحدُث على أكثر احتمالٍ لدى الصامت.

لقد ذَكَرَ (2, 1972, Levinger and Snoek) عدَّة مراحل للعلاقات الاجتماعية، وتكوين التفاعل الاجتماعي، نلخِّصها بالشكل التالي:

1- مرحلة الإدراك (Wareness): (أ) (ب)، والتي تَحدُث بين (أ) ----- -- و(ب) ويكون الاتِّصال في هذه الحالة معدوماً.

2- مرحلة الاتِّصال (Surface Contact): (أ) --- (ب)، يكون هذا الاتِّصال بشكلٍ هامشيٍّ.

3- مرحلة التبادل (A Continuam)Muality: (أ) (ب)، بحيث يتحوَّل الاتصال السطحيُّ إلى اتِّصال تبادليٍّ.

4- مرحلة الاعتدالِ (Moderate): (أ) (ب) يحدث التفاعل المعتدلُ بين الطرفين مع وجود الحدود بينهما.

5- مرحلة سموِّ العلاقات الاجتماعية: (Major Intersection)، (أ)، (ب) تكون العلاقةُ بين الطرفين على أحسن ما يُرام، وفي أسمى درجات التفاعل الاجتماعي، وتتعمَّق العلاقة بين (أ) و(ب) ويكون التفاعل الاجتماعيُّ في أحسن المستويات.

هناك نوعٌ قائمٌ من التفاعل الاجتماعي الذي يُطلَق عليه "التفاعل الاجتماعي الفعّال" (Close RelationshiP)، ويتميَّز هذا التفاعل الاجتماعي القائم بأنّه يكون وجهاً لوجه. يَذكُر في هذا الخصوص (1983, Kele et al) و(63-91, 1989, Snyder and Omoto, Bersecheid).

أنّ ذلك النوع من التفاعل الاجتماعي يَحدُث بين أفراد العائلة الواحدة، وبين الأصدقاء المقرَّبين، وبين المُدرِّسين المُفضَّلين من قِبَل الطلاب، أو صاحب العمل. يذكُر آدمز (1986 Adams) أنّ التفاعل الاجتماعي يتمُّ بين الأفراد الذين تربطهم رابطةُ الصداقة والصِّلة، وقد سمّاها "الشبكة الاجتماعية".►

 

المصدر: كتاب لماذا يَصْمُتُ الرَّجُل؟! (الأسباب السيكولوجية لانعدام الحوار وقلّة الاهتمام بين الأزواج)

ارسال التعليق

Top