الدُّعاء حاجة فطرية عند الإنسان، فرداً وجماعة، هو جزءٌ من الحياة، ومن دورتها، فنحن ندعو الله عزّوجلّ في الليل أو النهار، وفي أيِّ ساعةٍ نريد، ولا نحتاج إلى مقدِّماتٍ أو تمهيدٍ. يكفي أن ترفع يديك وتنصب وجهك ثمّ تفتح الخطّ مع المولى تعالى، هو هذا الحبل الممدود بين الله وعباده، والذي لا ينقطع أبداً. والدُّعاء دائماً له هدف وغاية، ولا فرق بين حاجةٍ صغيرةٍ تطلبها، وترجو أن يحقِّقها الله لك، أو حاجة كبيرة. عندما ترفع يديك وتدعو أو تتضرّع، أو تبتهل وتتوسّل، جهراً أو سرّاً، ففي كلّ الحالات، أنت تدقّ باب الله، تفتح معه خطّاً، تفتح معه حديثاً، وتخاطبه، بصرف النظر عمّا جئت تطلب. إنّ الله لم يضع شروطاً مسبقةً ومواصفات محدّدة، أو دفتر شروط للدُّعاء، فالباب مفتوح ومتاح للجميع.
لقد فتح الله باب الدُّعاء لنا من دون أيِّ تكلفةٍ قد نحسبها عندما نخاطب بعضنا بعضاً، أو عندما نطلب حاجةً من أحدهم.. يمكنك أن تدعو سرّاً أو جهراً، في الصلاة أو في غير الصلاة. وعلى مَن يريد أن يُستجاب دعاؤه، أن يعي عدّة أُمورٍ تساهم في تحقيق هدف الدُّعاء ـ وهذا ليس وصفةً محدّدة، لكنّها محاولة للوصول إلى جوهر الدُّعاء ـ..
أن يدعو الإنسان ربّه وهو موقنٌ بالإجابة، فعلى المرء أن يصفّي نيته وسريرته بينه وبين نفسه، وليس بالضرورة أن يذكر هذا في ما يتلفَّظ به، بل عليه أن يوقن أنّ الله هو المنتهى، وهو القادر على كلِّ شيء. وورد في الحديث: «إذا دعوت فاقبل وظنّ أنّ حاجتك بالباب». وأن يدرك الداعي ويقتنع بأنّ الله، كما أنّه لا يعاجل الناس بالعقوبة لحكمةٍ منه، فهو قد لا يعاجلهم بالعطاء والنِّعمة لحكمةٍ أيضاً، وهذا التأخير قد يكون امتحاناً: «ولعلّ الذي أبطأَ عنِّي هو خيرٌ لي لعِلمِكَ بعاقبةِ الأُمور...».
كما يجب أن لا يكون ممّن يشكِّلون مشكلةً لغيرهم أو مجتمعهم، بل على الإنسان أن يصلح ما بينه وبين الناس أوّلاً، ليصلح الله بينه وبينه، ويفتح له الطريق الموصل الى رحمته واستجابته، لهذا كان في الدُّعاء أيضاً: «اللّهُمّ اغفرْ لي الذنوبَ التي تَحبِسُ الدُّعاءَ»، فالحلّ بيدك، حتى لا تصبح أعمالك سدّاً بينك وبين الله. ومن أهم الأُمور هو أن يعرف الداعي الله حقَّ معرفته، أن يعرفه معرفةً عميقةً وليس معرفةً سطحيةً أو شكلية، لا يمكن أن تكون عابداً لله إلّا إذا كنت تعرفه، ولا عبادة من دون معرفة، والدُّعاء بابٌ من أبواب معرفة الله، والتخلّق بأخلاقه. وقد ورد في حديثٍ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد سأله قوم: ندعو فلا يُستجاب لنا، فقال: «لأنّكم تدعون مَن لا تعرفون».
وهنا نخلص لنقول إنّ الدُّعاء عبادة خالصة، ولو لم يكن فيها مصلحة للإنسان، لما فتح الله له هذا الباب من أبواب رحمته، لذلك دعانا إلى أن نسأله ونلجأ إليه سبحانه في الشدّة والرخاء، في الخوف والأمن، وفي العُسر واليُسر، ففي حديث قدسيّ، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عبدي تعرّف إليَّ في الرخاء أعرفك في الشدّة». ولا ينبغي لأحدٍ أن يتوهَّم أنّ الدُّعاء معناه أن تطلب من الله سبحانه حاجةً دنيويّة يتعسِّر الحصول عليها، أو أن تطلب من الله أن يساعدك في الخروج من ضيق، أو عسرة أنت فيها... هذا تصوّرٌ يمسخ مفهوم الدُّعاء، يحجِّمه. الدُّعاء عبادة، علاقة، مناجاة.. فجوهر الدُّعاء أنّه عبادة كباقي العبادات، بل هو مخّ العبادة، كما ورد في الحديث، لكن من دون طقوسٍ ولا مواقيت.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق