• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

فطرة الإنسان الصالح كالنّبات الطيِّب

أسرة

فطرة الإنسان الصالح كالنّبات الطيِّب
يُحكى أنّ ملكاً أراد أن يختبر صدق مجموعة من رعاياه، فأعطى لكلّ واحد منهم شتلة صغيرة في مزهريّة، وطلب منهم أن يعتنوا بها وينمّوها بشكل طبيعي على أن يراهم بعد مدّة من الزمن، ليرى أين وصلت شتلاتهم التي سلّمها إليهم، فيُكافئ الفائزين، ويُعاقب المتقاعسين. ذهب الجميع إلى بيوتهم وتركوا شتلاتهم هناك ولم يعتنوا بها إلا قلّة منهم تعهّدوا الشتلات بعناية. عندما اقترب موعد المسابقة، كانت شتلات البعض قد ماتت نتيجة الإهمال، وحاول البعض التحايل، فاشتروا عقاقير منشِّطة لكي تنمو شتلاتهم ظنّاً منهم أنّهم بذلك يخدعون الملك، فاستطالت شتلاتهم بشكل غير طبيعي. في يوم المسابقة، كان الأشخاص الذين اعتنوا بشتلاتهم دون عقاقير مُنشِّطة يقفون في الدّوْر بانتظار فرز النتائج، فراحَ الملك يستعرض الشتلات، فرأى أنّ بعضها تُرِكَ مهملاً فمات، وأنّ بعضها استطال بشكلٍ غريب، وحينما تطلّع في الشتلات النامية نموّاً طبيعيّاً، ربَتَ على أكتاف أصحابها قائلاً: أنتم الفائزون، لأنّكم صادقون، أمّا الذين زرّقوا أو ضخّموا شتلاتهم المواد المنشِّطة فغشّاشون حتى وإن بدَت شتلاتهم عالية مستطيلة.. لكم أيّها الصادقون جائزتي الكُبرى! فطرة الإنسان (شتلتهُ) يمكن أن تنمو نموّاً طبيعياً مع شيء من التعهّد والعناية والمراقبة، ويمكن أن تموت وتندثر، ويمكن أن يتلاعب بها فلا تنمو نموّاً طبيعياً. في الآخرة.. في يوم السباق، سيُسأل كلٌّ منّا عن شتلته ماذا عمل بها؟   - عمليّة الإنبات: إسأل أيّ فلاح خبير عن عملية الإنبات السليم.. ماذا تحتاج؟ يقول لك: 1- التربة الصالحة. 2- تقليب التربة قبل الزراعة (حراثة). 3- تسميد التربة (تقوية عناصرها). 4- اختيار البذور المناسبة. 5- إيداع البذور في باطن التربة (الغرس). 6- سقاية البذور بشكل يومي وكلّما دعت الضرورة. 7- تعاهد الشتلات الصغيرة حتى تنمو وتلحق بالأخريات. 8- مراقبة الأشجار النامية من الأمراض والحشرات والطيور العابثة. 9- تنقية الأرض من الطفيليات والأعشاب الضارّة. فإذا أردنا أن ننقل ذلك من عالم النبات إلى عالم الإنسان، نحتاج إلى أن نترجم ذلك إلى لغة ثانية: فالتربة الصالحة هي (الفِطْرة السليمة)، وتقليب التربة هي تنقية النفس من الشوائب التي علقت بها، والبذور المناسبة هي الأخلاق الحميدة، والسقاية هي تغذية الصفات الإيجابية بما يساعد على نمائها وتقويتها وثباتها، والتعاهد هو مراقبتها في حالتي الصحّة والمرض.   - نظام الاقترانات الزوجي: الأخلاق (آداب السلوك) عملية ثنائيّة.. عملية مزدوجة.. عملية مراقبة، أي مجموعة ثنائيات تقترن بعضها ببعض، وتصطفّ مع بعضها البعض لأداء وظيفة مشتركة لها عدّة أسماء ومؤدّى أو غرض واحد: الهدم + البناء = تربية الاجتناب + الاكتساب = تربية التخلية (التفريغ والقلع) + التحلية (الشحن والزرع) = تربية. فعلى الجهة اليمنى تصطف (السلبيّات) كلّها.. وعلى جهة اليسار تصطف (الإيجابيات) كلّها، والأخلاق (التأدّب والتربية) عملية دائمة لـ(نزع) السلبي و(إيداع) أو غرس الإيجابي. الدراسات النفسية الحديثة تتحدّث عن الإحساسات الأساسية الأربعة لدى كل إنسان، وهي: 1- الإحساس العلمي.. أي الميل للبحث والاستطلاع والكشف. 2- الإحساس الفنِّي.. أي تذوّق الفنون وحبّ الجماليّات. 3- الإحساس الديني.. أي الإيمان والرغبة بالارتباط بالله الكامل المطلق. 4- الإحساس الخيري.. الانجذاب للعمل الصالح. وهذا يعني أنّ (الأخلاق) هي (حسّ الخير)، فكيف ننمِّي حاسّة الخير في نفوسنا؟ هناك مجموعة من الثنائيات التي يجب أن تعطي كلّ شقّ منها حقّه حتى نبني حاسّة الخسر في داخلنا:   - أوّلاً: أنتَ (جسد + روح): (الجسد) شيء مادِّي، حسِّي، ملموس، يجوع، يعطش، يشتهي، يحتاج، يمرض، هو (الوعاء) أو (المخزن) أو (الإطار).. أو (الهيكل). (الرّوح) أو النفس.. شيء غير مادي.. نفحة من عالم الغيب لا يُعرف سرّها.. تفرح، تحزن، ترجو، تخاف، تتفاءل، تتشائم، تسعد، تشقى. وبتفاعل الإثنين (المادي + الروحي) تدبّ الحياة وتنمو وتتطوّر.. وبانفصال الروح عن الجسد (عند الموت) تتوقّف كلّ هذه العمليات. إنّ الذي يفرح ويتألّم، ويشعر ويحسّ، ويفكِّر ويتأمّل، ويتعب ويستريح، ويهنأ ويشقى، ليس الهيكل اللّحمي إنّما هي نفسك (روحك).. إنّها (الكهرباء) التي تُضيء مصابيح الحواس بالإحساسات والمشاعر والأفكار والعواطف، فإذا انقطعت الكهرباء عمّ الظلام وساد السكون، وتحوّل الجسد إلى كتلة لحميّة باردة.   - ثانياً: أنتَ (عقل + غريزة): (العقل) مركز أو محطّة توليد الطاقة الفكريّة والعاطفيّة.. هو المدير والمدبِّر لشؤون (الشخصيّة).. هو (الفاعل) و(المؤثِّر) و(المغيِّر) و(الضابط).. (الغريزة): مؤشِّر، أو منبِّه على احتياجات الجسد.. هي المنفعلة، والمتأثِّرة، والمتغيِّرة. وبين الإثنين (العقل والغريزة) صراع دائم لا ينتهي.. الغريزة تشدّك إلى الأسفل، والعقل يرتفع بك إلى الأعلى. وبالتحكّم بالإثنين في وضع كلّ قوّة في مكانها المناسب تستقيم الحياة وتتوازن الأمور، والكلمة الفصل في أيّ نزاع بين الإثنين للعقل باعتباره (المستشار الداخلي) الحكيم والرشيد، الذي يعرف أين المصلحة وأين الصواب فيؤشِّر عليهما. والكائنات الحيّة (بين الغريزة وبين العقل) ثلاثة: 1- الملائكة (عقلٌ كلّها). 2- الحيوانات (غرائز كلّها). 3- الإنسان (عقل + غريزة). الخبراء العارفون بطبيعة الإنسان وبقابليّته للنمو والتنشئة والتكامل، يقولون: إذا ربّى الإنسان نفسه تربية صالحة، واستخدم عقله استخدامات دقيقة، فإنّه يمكن أن (يرتقي) إلى مكانة أفضل وأعلى من مكانة (الملائكة)؛ لأنّها مخلوقات غير قابلة للتكامل، وإذا أهمل عقله وأعطى اهتمامه لغرائزه فقط، فإنّه يمكن أن (يتسافل) وينحطّ إلى درجة أدنى من الحيوانيّة؛ لأنّ الحيوانات مخلوقات غير قابلة للتكامل. دعنا نوضِّح ذلك بالرسم البياني التالي: الملائكيّة (عقل) ↓ الإنسانيّة (عقل + غريزة) ↓ الحيوانيّة (غريزة) (رسم يوضِّح السير التكاملي أوالتسافلي للإنسان) من هذا الرسم يتبيّن أنّ الإنسان هو الكائن الوسطي، وهو الوحيد القادر على الرقي والسّموّ و(التكامل)؛ لأنّه يمتلك القوانين معاً: (قوّة العقل + قوّة الغريزة)، ولأنّه حرّ في التعالي والإرتفاع، أو التسافل والإتِّضاع. يقول الله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 3). وقال عزّ وجلّ: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ) (البلد/ 10)، أي طريق الخير وطريق الشرّ، وهو الذي يختار.   - ثالثاً: أنتَ (فكر + تجربة): (الفكر) نتاج العقل، وهو الجانب النظري من شخصيّتك. و(التجربة) حصيلة الممارسة الحياتيّة، أو الخبرة المكتسبة، وهو الجانب العملي من شخصيتك. وكلاهما عقل.. كلاهما متكاملان فلا يستغني أحدهما عن الآخر، فالعقل يُغذِّي التجربة بأفكار جديدة، والتجربة ترفع رصيد العقل بعقل إضافي إسمه (عقل التجربة).   - رابعاً: أنتَ (نيّة + عمل): النِّيّة = الدّافع، والمحرِّض، والمحرِّك والباعث على القيام بعملٍ ما. العمل = الشكل التنفيذي أو التجسيدي أو الآلي لما حرّكته النيّة فيَّ من عمل الخير أو عمل الشرّ. النيّة هي (القوّة) أو الطاقة المحرِّكة، والعمل هو الفعل والإنجاز، وقد تتحرّر القوّة إلى طاقة فعليّة، وقد تبقى مجرّد نيّة لم تتفعّل. فإذا نويتَ مساعدة الفقير وقدّمت له المساعدة فعلاً، فقد ترجمتَ النيّة إلى فعل أو عمل صالح، أمّا إذا نويتَ ولم تفعل فقد أبقيتَ الكهرباء في أسلاكها ولم تشعل بها مصباحاً! ولا يمكن أن يكون هناك (عمل) بلا (نيّة)، ولذلك ركّز الدِّين على (النيّة) باعتبارها الباعث على الأعمال.. وسؤال الدِّين دائماً هو هذا: ما هو قصدك من هذا العمل؟ أو ماذا كنتَ تريد به؟ وعلى ضوء إجابتك يحدّد أين أنت منه.   - خامساً: أنتَ (الذات + الآخر): هذه التركيبة الثنائية تكامليّة أيضاً.. فالذات أو (الأنا) محورها شخصيّتك كفرد، والآخر محوره الناس من حولك، ولأنّك أحد أفراد المجتمع، فإنّك تتفاعل معه إيجاباً أو سلباً، وبنتيجة هذا التفاعل تتسع دائرتك أو تضيق، ومقولة "الإنسان إجتماعي بطبعه" ناظرة إلى هذه الثنائية أو الزوجية غير القابلة للفصل أو الانفصال، فالذين عاشوا العزلة.. ماتوا اجتماعياً.. وخسروا أكثر ممّا ربحوا، وحتى وهم معزولون لم يستطيعوا الامتناع عن التفكير في الآخر، تماماً كما يقول الشاعر: "كم مُبحرٍ وهموم البرِّ تُسكنهُ"!   - سادساً: أنتَ (متعلِّم + معلِّم): ثنائية التلميذ والمعلِّم موجودة في كلِّ واحد منّا، وهي متأتِّية من أنّك كائن اجتماعي تتعاطى مع الآخرين، فكما (تتعلّم) فإنّك (تُعلِّم)، حتى وإن لم تكن معلِّماً في مدرسة، أو لم تكن وظيفتك التعليم، فإنّ الحياة مدرستنا الكبرى التي نتبادل فيها الأدوار: متعلِّمين تارة، ومعلِّمين تارة، وليس لهذه العملية وقت محدود.. مدّتهاالعمر كلّه. في الدور الأوّل: نأخذ.. نستفيد، نستزيد.. ننمو.. نتطوّر.. وفي الدور الثاني: نُعطي.. نُفيد.. نُزيد.. نُنمِّي.. نطوِّر.. وبتكامل الدورين تسير الحياة سيراً نحو غايتها السعيدة.   - ثنائيّات الدِّين: وكما أنت مجموعة ثنائيّات، فإنّ الدين كذلك قائمة من الثنائيّات.. متفاعلة، ومتداخلة، ومتكاملة؛ لأنّ الدين – كما أكّدنا – مُصمّم على مقاسك وضمن احتياجاتك ومواصفاتك، ولأجلك وفي خدمتك وسعادتك. وأهمّ هذه الثنائيات هي:   - أوّلاً: الدِّين (إيمان + عمل صالح): الإيمان: التصديق بشيء.. الاعتراف به.. الإقرار به، كإيمانك بفريق رياضي تُريد أن تنتمي إليه، أو نادي اجتماعي تحبّ الانتساب إليه. العمل: ترجمة الإيمان إلى أفعال وبرامج ومشاريع، ممارسة دورك في الفريق.. أنتَ – مثلاً – تؤمن بأنّ (الحرِّية) أحد عوامل القوّة التي تُمكِّن الإنسان من تحقيق أفكاره وآماله وطموحاته ومشاريعه، هذا وحده لا يكفي.. عملك لتحويل هذا الإيمان إلى برنامج عمل لنيل الحرِّية، هو الذي يوصلك للحرِّية بعدما اقتنعتَ اقتناعاً تامّاً بضرورتها.   - ثانياً: الدِّين (قول + عمل): القول الطيِّب جميل لكنّ جماله ناقص.. إنّه كزهرة اصطناعيّة جميلة الشكل والمنظر، أو كشجرة زينة غير مثمرة، قد تسرّ الناظرين بمظهرها. بالعمل الطيِّب.. العمل الصالح الذي ينسجم مع ويوافق القول الطيِّب تكون قوّة التأثير.. تكون الوردة طبيعيّة ذات شكل جميل ورائحة عطرة، وتتدلّى من الشجرة الجميلة الثمار الجنيّة، ليستنشق الناس هناك عبق الورد، ويتلذّذون هنا بطعم الثمار الشهيّة.   - ثالثاً: الدِّين (واجب + حق): في منظمة أو مؤسّسة الدِّين، لا يختلف النظام العام عن نظام أيّة مؤسّسة أخرى.. (عليك واجبات) و(لك حقوق). الواجبات = التكاليف والمسؤوليات والفرائض الإلهية. الحقوق = المكافآت الدنيوية المعجلّة، والثواب والجزاء المؤجّل نتيجة التزامات بواجباتك ووفائك بتعهّداتك، ففي مؤسّسة الدِّين لكل عمل مهما كان صغيراً، بما في ذلك (النِّيّة)، أجر وثواب ومكافأة وجزاء.. ولا حقوق بدون أداء الواجبات.(1)   - رابعاً: الدِّين (قرآن + سُنّة): القرآن: كتاب الكلِّيّات، والخطوط العريضة، والأفكار والنظريات العامّة.. إنّه المنهج المقرّر. السنّة: النشرة التوضيحيّة، والدخول في التفاصيل والجزئيات والشروح والتطبيقات العمليّة، لما جاء في القرآن. وبالتالي، فأنت – في الحقيقة – لستَ أمام كتابين، بل أمام كتاب واحد ومعه نسخة من التطبيقات.. أمام (النصّ) و(ترجمته) و(النص) و(تطبيقه) و(النصّ) و(فهمه).. أمام (العقيدة) و(الشريعة) و(الفكر) و(الممارسة) و(الإيمان) و(الهداية) و(النظريّة) و(التطبيق).. أمام (الجهاز) وأمام (الكتالوك).   - خامساً: الدِّين (هدف + وسيلة): هدف الدِّين: الوصول بك إلى غاية السعادة بالحصول على رضا الله وجنّته. ومسائله في ذلك كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى.. فكلّ طريقة، أو سبيل، أو وسيلة، أو آليّة نظيفة وشريفة وصالحة توصلك إلى تلك الغاية أو الهدف، هي وسيلة أو آليّة مشروعة، ومن جنس الهدف الذي تسير نحوه. الدِّين.. حدّد لك الهدف الأعلى وهو (الله تبارك وتعالى). وقدّمَ بين يديكَ وسائل أو وسائط نقل إلى ذلك الهدف كثيرة، ولكنّه لم يحدِّدك بها فقط، بل قال لك: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) (المائدة/ 35)، أي تفنّن في إيجاد الطرق المناسبة والموصلة – ما أكثرها – حتى تبلغ غايتك. إنّك تنوي الحجّ هذا العام.. والحجّ هدف واحد.. أمّا الوسيلة التي تذهب بها إلى مكّة فمتعدِّدة: الطائرة أو الباخرة أو السيّارة.. وكلّها توصلك إلى هناك على اختلافها.   - سادساً: الدِّين (خوف + رجاء): الدِّين كلّف اثنين بقايدتك في طريق الحياة.. كلّف (الخوف) ليقودك إلى (الاستقامة) وعدم ارتكاب أيّة معصية: (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الزمر/ 13). والقائدُ الخوفُ.. مهيبٌ.. صارمٌ.. جادٌّ في هيئته. وكلّف بك (الرّجاء).. ذلك القائد الشاب الوسيم ذي الطلعة البهيّة، المكلّف بأن يكون حبل نجاتك الذي تتعلّق به، وسُلّمك الذي تصعد عليه، وقارب النجاة عندما تغرق السفينة ويعجز الملاحون.. وعندما تبتلعك (الحوت) حوت المشاكل والأزمات والهموم والمصائب، فلا ترى باباً مفتوحاً سوى الباب المفتوح على السماء.. يمدّ يده الحانية إليك لينتشلك. بهاتين القيادتين المتلازمتين وغير المتضاربتين.. تخطو نحو مصيرك بسلام آمن، ذلك لأنّ الخوف وحده (شلل)، والرجاء وحده (أماني المفلسين). في المدرسة أنتَ (تخاف) الرسوب والسقوط في صفِّك، و(ترجو) النجاح والتفوّق في حياتك الدراسية.. (الخوف) يدفعك إلى الجدّ والاجتهاد، والرّجاء يشدّك للعمل الجاد والدؤوب، فهما متعاونان على خدمتك والسعي لتحقيق أمانيك بالنجاح.   - سابعاً: الدِّين (إبتداء + نماء): أخلاقك.. سلوكك.. أدابك، أنت المسؤول عنها. أيّ تحسين فيها.. أيّ تطوير لها.. أيّ تنمية للصالح منها، له ثمن وله مقابل وله مردود. ثمنه ومقابله أنّ الله تعالى يأخذ بيدك إلى (المزيد).. فالخطوة منك تُقابَل منه عزّ وجلّ بمساحة شاسعة من (الكرم) وفضاء أرحب من (التكريم).. إنّه أشبه شيء بالعلاوات والترقيات في الوظائف والاعمال.. لا ينهالها كلُّ العمّال بل النشيطون منهم فقط: - (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) (البقرة/ 282). - (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3). - (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت/ 69). - (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11). - إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (الكهف/ 13). إيمانهم (ابتداء).. وزيادة الهدى (نماء).   - إستنتاج: من مجموع هذه الثنائيّات، المتقابلات، المتكاملات، المتفاعلات، نخرج بالنتيجة التالية: الدِّين = (خط) + (خطّة) + (خطوات) الخطّ = العقيدة، الإيمان (النظريّة) الخطّة = الشريعة، العمل الصالح، العبادات، المنهاج (التطبيق) دوري كإنسان: إتّخاذ الخطوات المؤدِّية إلى شاطئ السلامة وبرّ الأمان. مسؤوليّتي: أن أتعرّف على (الخطّ) جيِّداً، وأتفهّمه جيِّداً، وأثق به عالياً، وآخذ بـ(الخطّة) الموضوعية بعناية كاملة وأعمل بها ما استطعت. إتّجاه سيري إذن كما يُبيِّنه السهم التالي: الخطّ ← الخطّة ← الخطوات   - الكواكب العشرة: لو أجرينا دراسة شاملة على كلّ مكارم الأخلاق وآداب السلوك المرموقة لأمكننا حصرها في عشرة كواكب يدور في فلك كلّ كوكب عدد من النجوم اللامعة التابعة له، وكما هو مبين أدناه: 1- (الحبّ) ويدورُ في فلكه: [الطاعة، الإيثار، التضحية، الشكر، الأخوّة، الصداقة، الخوف، الرجاء، السلام، الذِّكر، السعادة، الاندكاك]. 2- (الإحسان) ويدورُ في فلكه: [الكرَم، الرحمة، العفو، المعروف، المروءة، الخير، البرّ، الضِّيافة، دفع الحسنة بالسيِّئة]. 3- (الإعتدال) ويدورُ في فلكه: [التوازن، الوسطية، العدل، الإنصاف، عدم البخس، عدم التطفيف، القصد في المشي، الغضّ من الصوت]. 4- (الحرِّية) ويدورُ في فلكها: [تحطيم القيود، رفض المذلّات، رفض المُحِطّات من القدر، التحرّر من الضغوط الأمل]. 5- (الصّبر) ويدورُ في فلكه: [الإرادة، (ضبط النفس)، الصوم، الممانعة، الحياء، الشجاعة، العفّة، اجتناب المعاصي (الورع)، الترويض، كظم الغيض، غضّ البصر، حفظ الفرج، التواصي بالصبر، المصابرة، المرابطة]. 6- (الصِّدق) ويدورُ في فلكه: [الإستقامة، الإخلاص، النّصح، النزاهة، الوفاء بالعهد، الخشوع]. 7- (العِلْم) ويدورُ في فلكه: [المعرفة، الفقه، الوعي، الفهم، العلم بالعصر ولغته، الثقافة]. 8- (العمل) ويدورُ في فلكه: [الواجب، المسؤوليّة، التكليف، الأمانة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر]. 9- (العزّة) ويدورُ في فلكها: [الكرامة، التواضع، الوقار، الإستقاليّة]. 10- (التّقوى) ويدورُ في فلكها: [الورع، الطهارة، خشية الله، اجتناب محارم الله، اتِّقاء الشبهات]. وإذا أردنا إعادة هذه الكواكب إلى نظام الزوجية أو الثنائيات المقترنة ببعضها البعض، لرأيناها تمثِّل مجرّة الدِّين بأكمله: 1- (الحبّ + الإحسان) = الدِّين 2- (العزّة + الحرِّية) = الدِّين 3- (الصِّدق + التّقوى) = الدِّين 4- (العلم + العمل) = الدِّين 5- (الصّبر + الإعتدال) = الدِّين   - معيار الترابط: إنّ كل ثنائيّة من الثنائيّات الخمسة ترتبط ارتباطاً عضويّاً فيما بينها: (فالحبّ والإحسان) يلتقيان في أنّهما إعراب عن سلامة الفطرة، وطيبة القلب، وصفاء النفس والقدرة على العطاء. و(العزّة والكرامة) يلتقيان في أنّهما يفتحان للإنسان آفاق التحرّر من الأغلال والقيود الماديّة والمعنوية التي تُضف حركته أو تشلّها تماماً. (والصِّدق والتّقوى) يلتقيان في أنّهما (خارطة طريق) و(واسطة نقل) ومنهج وتطبيق.. (مطر وزرع) و(طاقة ونور). و(الصبر والإعتدال) يلتقيان في أنّهما يضبطان السير والسلوك ويحفظان التوازن، ويمسكان بمقود السيّارة لئلّا تنقلب أو تسير في الاتجاه الخاطئ. وتلتقي كلّها لتصنع (إنسان الدِّين) أو (الشخصيّة المتديِّنة). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ - الهوامش: (1) هناك نقطة اختلاف كُبرى، وهو أنّ الله تعالى لا يعطي بما يساوي الاستحقاق بل أكثر منه، بل هو يعطي – عطاء الدنيا طبعاً – لغير المستحقِّين أيضاً بسبب من فضله ورحمته ولطفه، وإلا فحتى المتديِّنون لا يستحقّون على الله شيئاً؛ لأنّه منحهم القدرات التي بها تديّنوا ووفّقهم لما يحبّ ويرضى، ومع ذلك يجازيهم على طاعتهم واتِّباع أوامره.

ارسال التعليق

Top