• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

فنّك جمعنا وفراقك وحّدنا

عمار كاظم

فنّك جمعنا وفراقك وحّدنا

الوحدة.. ائتلاف للقلوب وتوحيد للصفوف

يقول سبحانه تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» (النساء: 1). فالكلّ مخلوق من نفسٍ واحدةٍ، أي وحدة في الأصل الإنساني، والناس أبناء أسرة وعائلة إنسانية واحدة، والله عزّوجلّ هو الذي كرّم الإنسان دون تمييز، كما في قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا» (الأسراء: 70). فالأصل الإنساني واحد، والجميع مكرّمون، والاختلاف والتنوّع والتعدّد في اللغات والألوان من آياته ومعجزاته.

إنّ الله عزّوجلّ لم يَخلُق الناس لينقسموا ويختلفوا، لقد شرّع لهم ديناً واحداً، وأرسل لهم الأنبياء ليقودوا الناس كافةً في طريق واحد، وحذرهم من الخلاف في الدين والتفرقة، حيث قال تعالى: «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (آل عمران: 105).

إنّ ائتلاف القلوب ولمّ الشمل واتّحاد الغايات والمناهج من أوضح تعاليم الإسلام ولاريب أنّ توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الأساسية لبقاء الأُمّة ونجاح رسالتها. فالعملُ الواحدُ في حقيقته وصورته يختلف أجره اختلافاً كبيراً حين يؤديه الإنسان وحيداً، وحين يؤديه مع آخرين.

ومن أبرز أهداف التشريع الإلهي ايجاد التماسك الاجتماعي فيما بين المسلمين نفسياً وروحياً وقلبياً والتركيز على إذابة الأنانية والانفرادية والشعور الذاتي. الإسلام يُشيع مبدأ الأخوة الإسلامية لأنّها ارتباطات روحية صادقة تستطيع أن توجد جسورا متينة بين قلوب المنتسبين إلى الدين، فالإسلام يحوّل قدرات المجتمع وطاقاته وإمكانياته إلى وحدة متراصة متماسكة وبنيان صلب يصعب على الشيطان والهوى والاستعمار اختراقه، فالمؤمنون بعضهم لبعض كالبنيان المرصوص، يقول القرآن المجيد: «وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً» (آل عمران: 103).

الاتّحاد هو نظام الأُمّة الإسلامية وعمودها، وبه تحصل الألفة وتحل المودّة محل الجفاء وتجمع الكلمة، قال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا» (آل عمران: 103)، وقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى». وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: «المؤمنون أخوة تتكافىء دماؤهم، وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم».

إنّ التماسك بين أبناء المجتمع، يعطي قوّة في النفس، وعزيمة وإرادة، وبذلك يكون المجتمع أقرب إلى النصر والنجاح والفلاح.

الوحدة من العوامل الأساسية الضرورية في عزّة الأُمّة ومنعتها وثباتها أمام أعدائها، فهي شعار من شعارات القرآن الكريم التي يسعى في كثير من آياته للتشديد عليها والدعوة إليها لتكون للمسلمين الغلبة حينما يلتحمون مع عدوهم في الصراع. لذلك علي المسلمين جميعاً أن يقتدوا بکتاب الله ويوحّدوا الصفوف ويجتنبوا کلّ ما يفرّقهم ويشتّتهم. إنّ كتاب الله يمثل حبل الاتحاد ومرجع العباد ومتى ما خضعوا لتعاليمه اتّحدت كلمتهم واستقوى عودهم وما ضعفوا إلّا بالابتعاد عنه.

أمر القرآن الكريم المسلمين بالوحدة فقال عزّ مَن قائل: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً» (آل عمران: 103). فكما أنّ الإسلام صلاح للدين والدنيا كذلك الأخ، فهو صلاح للدين والدنيا، لكن بشرط أن يكون في الله، فعن الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن استفاد أخاً في الله، فقد استفاد بيتاً في الجنّة».

فوحدة القرآن هي وحدة قائمة على المحبّة والمودة والأخلاق والعدالة ولا يمكن لرابط كما في الدين أن يبعث على وحدة من هذا القبيل فالوحدة القائمة على الدين هي وحدة نابعة من القلب وهي ليست وحدة مصالح ووحدة إرغام بل هي وحدة نابعة من قلوب واعية مدركة داعية لله تعالى تبتغي رضاه.

الإسلام حينما يدعو الناس إلى الوحدة فيما بينهم، يراعي في ذلك الواقع الإنساني، فيوفر له المساحة التي يتحرّك بها بطاقاته وإبداعاته المتوازنة فهو بذلك يضمن عدم حدوث خلل في صميم الكيان الاجتماعي.

حاجتنا ماسة في مجتمعنا الى الترابط والتآخي ونبذ العصبيات وما لمسناه في الأيام الماضية برحيل فقيد الكويت الفنان بوعدنان عبدالحسين عبدالرضا من تكاتف وتعاضد وتماسك وتراحم لأبناء الوطن كذلك رحيل الشيخ د. وليد العلي والشيخ فهد الحسيني وتوافد الجميع من كل أطياف المجتمع لحضور مجالس العزاء الفاتحة للمرحومين

علينا أن نعمل جميعا ونزرع المحبة والمودة والأخوة بين أفراد المجتمع وألا ندع مجالا لأي كان أن يدمر ويعبث في وحدتنا الوطنية.

«رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً» (الكهف: 10).

ارسال التعليق

Top