• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قبل أن نحاور أبناءنا

قبل أن نحاور أبناءنا

الأسرة والأبناء هم المحيط الآمن الذي نحتمي به من هجير الحياة؛ فكيف يتحول هذا المحيط إلى شيء صلب جامد؟ كيف نشعر بالغربة في بيوتنا؟ كيف تتوقف ألسنتنا عن الحديث، عن الحوار، عن التعبير عما يفرحها ويحزنها؟!

لماذا نفتقد الحوار مع أبنائنا الذين نتمنى لهم أن يكونوا امتداداً لنا ولمستقبلنا؟

ولماذا لا نوفق في إيجاد وسيلة تفاهم تذوب معها مشكلاتنا مع أبنائنا؟

وعندما نحاول أن نتطرق إلى هذه النقطة الهامة، دعنا ننقاش ما قبلها من نقاط نراها أساسية ولازمة قبل أن نجري هذا الحوار؛ وهي:

-         الأوامر التي نصدرها لأبنائنا قد تكون سهلة وميسورة، والتزامهم بها سريع، غير أنّ القناعة بما نقول ربما لم تتكون بعد.

-         قد نغتر بهذه النتيجة السريعة، ولكننا لن نمكث مع أبنائنا طول الوقت.

-         قد نستطيع أن نمسك بأنفسنا في بيوتنا لتوجيههم بعضاً من الساعات في اليوم، ولكن هل سنكون مع أبنائنا في مدارسهم؟ هل سنكون معهم في مواصلاتهم؟ هل سنكون معهم في أوقات لهوهم؟ هل سنكون معهم عندما يحتكون بأصحابهم؟!

فقبل أن تشرع في إقامة الحوار مع أبنائك، عليك أن تؤمن أوّلاً بأنك لست بديلاً عن أبنائك، وأنّ أسلوب الأمر والنهي لن يجدي، ولن تستطيع أن تمارسه على طول الخط.

كما أنك لن تستطيع أن تقيم جسور الحوار بينك وبين أبنائك إلا إذا تغيرت أنت، نعم.. إذا تغيرت أنت، وتغير نمطك في التفكير

 

ولكن ماذا أغير في نفسي؟!

·      غيِّر في نفسك أنك بما تحمله من إرث ثقافي واجتماعي وبيئي ليس على صواب دائماً، وهو قابل للتغيير والتعديل طالما أنّه لا يتعارض مع ثوابتك ومنطلقاتك القِيَميّة والدينية والاجتماعية.

·      إننا نحاول تغيير أفكار وآراء الآخرين؛ ونحاول أن ندفعهم إلى التخلي عنها، ولكننا لا نحاول أن نخاطب أنفسنا بهذه اللغة، ولا نفعل مع أنفسنا ذلك.

·      كما أنّنا لابد أن نؤمن بطاقات الناس وقدراتهم، فـ"كلٌّ ميسرٌ لما خُلق له"، ومن ثمّ سيكون في خلفياتنا أنّ أبناءنا لابدّ أن يكونوا مختلفين عنا.

(إذا وُجِد اثنان متشابهان فلا حاجة إلى واحد منهما)!!

لماذا نُصِرُّ على أن يكون أبناؤنا مثلنا؟! يعتقدون ما نعتقد من أفكار، ويلبسون مثلما كنا نلبس، ويتكلمون مثلما كنا نتكلم، ويكونون عادات ترضي إحساسنا بأنهم قد أصبحوا يشبهوننا إلى حدٍّ كبير؛ ونطلب من السلحفاة منهم أن تعدو من الأرنب!!

·      لابد أن نؤمن بأنّ التجربة الحياتية لها أثرها الفعّال على تشكيل سلوك الإنسان، وأنها قد تكون من أوّل الأشياء التي يسمع لها الإنسان، بل وينصت لها.

فقد لا يقبل أبناؤنا توجيهاتنا؛ فلماذا لا نترك قيمة التجربة في أن تعلمهم وتثري تربيتهم.

قد تعترض على ما أقول، وقد تقول مثلما أقول لنفسي: (وأين حجم تجربتي؟ ولماذا لا يستفيد منها أبنائي؟).

قد أشترك معك فيما تقول، ولكن ماذا نفعل؟

إننا بحاجة إلى أن نرى الصورة الحقيقية لأبنائنا أمامنا، قد لا تكون صورة مُرضية، وقد لا تسعدنا، وقد تحدُّ من تخيلاتنا المثالية أنّ كلّ شيء جميل ويسير وفقاً لما أردنا له.

إننا نكره الحقيقة، فالحقيقة مُرّة، والحوار مع الأبناء سيصيبنا بالحقيقة المرة.

·      ومن بين المنطلقات الهامة، التي لابدّ أن نعتنقها قبل أن نناقش قضية الحوار مع أبنائنا: إحساسنا بأنّ التربية الحوارية مع الأبناء ليست مسألة سهلة؛ إنما هي بناء جميل ضخم، كلّ يوم نقيم فيه لبنة.

·      كما ينبغي أن ندرك بكلّ أحاسيسنا وشعورنا وعقولنا أننا بكلّ ما أوتينا من خبرات وملكات.. أننا اليوم.. واليوم فحسب، وأنّ أبناءنا هم الغد؛ فلماذا لا نخطط أن يمتلك الغدَ أفرادٌ يتمتعون برحابة الصدر، وانفتاح العقل؟ ولن يُتاح ذلك إلا من خلال الحوار والنقاش الهادئ.

كما أنّنا لابدّ أن ندرك أنّ الحوار مع الأبناء ينمي سلوكياتهم في التعامل مع الآخرين، واحترام آرائهم، وتقدير مشاعرهم.

وعلينا أن نشبع حاجاتهم النفسية، ونبعد بهم عن روح التعصب للآراء والمقترحات من خلال الحوار.

أنا لا أود أن أقسو عليك – عزيزي الأب... عزيزتي الأُم – في أن تؤمن بهذه المنطلقات دفعة واحدة، لكن على الأقل أراها ضرورية من وجهة نظري لأن تخطو أبنائك خطوات، وتتغير طريقتك في الحديث والحوار معهم.

 

الكاتب: محمّد أحمد عبدالجواد/ خبير تطوير إداري.. وتنمية بشرية

المصدر: كتاب كيف تحاور أبناءك

ارسال التعليق

Top