• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مبادئ وقيم سلوكية.. خذوا بأحسنها

أسرة البلاغ

مبادئ وقيم سلوكية.. خذوا بأحسنها

◄(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (النحل/ 90-91).

(وَبِالحَقِّ أنْزَلْناهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ) (الإسراء/ 105).

(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ) (الزمر/ 17-18).

إنّ الاستقراء الواعي والمتأمِّل في آيات القرآن الكريم والنّظر في بيانه، يكشف لنا جليّاً أنّ القرآن يريد أن يبني مجتمعاً إنسانياً يقوم على أساس الحقّ والعدل والعدل وقيم الأخلاق، وأن يكون مجتمع أمن وسلام، خالٍ من الجريمة والعدوان والممارسات الأخلاقية الشّاذّة الهدّامة..

ففي الآية الكريمة: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).

وفي الآية: (وَبِالحَقِّ أنْزَلْناهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ).

يضع القرآن أُسساً هامّة ومتينة لبناء المجتمع، وهي:

(العدل، الإحسان، إيتاء المال لذي القُربى، النّهي عن البغي، الوفاء بالعهود والإيمان، أنّ القرآن نزل بالحقِّ، وهو يحمل رسالة الحقّ).

وفي الآيات: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ).

ففي هاتين الآيتين نجد مرتكزات ومبادئ أساسية لبناء المجتمع الإنساني، وهي اجتناب الطاغوت وبيان منهج التعامل مع الكلمة والفكرة، فالقرآن يُبشِّر: الذين اجتنبوا الطاغوت.. الطاغوت الفكري المتسلِّط.. الطاغوت السياسي.. الطاغوت الاجتماعي، ويُبشِّر الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه وأولئك هم أولو الألباب في حسابه وتقييمه، أصحاب العقول والفكر النيِّر.

وفي الآية: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) (الأعراف/ 145).

نقرأ بياناً قرآنياً غاية في الأهمية والتسامي الأخلاقي، في مجال القول والعمل والقضاء والسياسة والمال؛ ليرتقي ببناء الإنسان الاجتماعي وسلوكية المجتمع.. يدعو القرآن الإنسان لأن يأخذ بأحسن ما يأمره الله به. فإنّ الله أمره بما هو حَسن، وما هو أحسن، ودعوة القرآن هي أن يأخذ الناس (بأحسنها).

وبالجمع بين مفردات الآيات الآنف ذكرها، تتشكّل أمامنا منظومة القواعد الأساسية لبناء المجتمع الإنساني والتسامي به وفق منهج القرآن يريد أن يبني المجتمع على أساس:

إقامة الحقّ والعدل، اجتناب الطاغوت، العمل بالحَسن، والإحسان، والأحسن، حماية المجتمع من البغي والفحشاء والمنكر.

يثبِّت علماء اللغة أنّ كلمة الطاغوت مأخوذة من الفعل (طغى)..

جاء في المعجم الوسيط: "طغى طغياناً: جاوزَ الحدّ المعقول".

ويُعرِّف علماء التفسير الطاغوت بأنّه: "عبارة عن كلّ متعدّ، وكلّ معبود من دون الله، ويستعمل في الواحد والجمع".

إنّ القرآن يزفّ البُشرى للإنسان الفرد والجماعة الذين يبتعدن عن عبادة الطاغوت.. عن الخضوع للطغاة والطغيان.. للطغاة المستبدِّين في عالم السلطة والسياسة والمال والفكر والجريمة والعدوان.. أنّ الطاغوت هو كلّ مَن تجاوز الحدّ، وتجاوز على القانون وقيم الأخلاق بشكل فاضح، وأصرّ على ذلك التجاوز بقوّته وسلطته، فأصبح طاغية.. كما يطغى الماء على الأرض فيغمرها.. إنّه يُصادر إرادة الإنسان، ويفرض سلطته وإرادته الغاشمة الظالمة.. ويتحكّم بطغيانه وجبروته..

إنّ القرآن ينادي بالتحرر من سيطرة الطاغوت، ويدعو لتحطيم الطاغوت، بل واجتنابه والابتعاد عنه، وليس عدم اتِّباعه فحسب.

وفي الآية يأمر القرآن بإنفاق المال وإيتاء ذي القُربى وحلّ المشكلة الاقتصادية، فإنّها الأساس في معظم مشاكل الإنسان وأزماته النفسية والاجتماعية والأمنية والسياسية والعائلية.. والإنفاق على ذي القُربى إنفاق على أكبر مساحة من المجتمع، وهذا الإنفاق بالإضافة إلى آثاره الاقتصادية، فإنّه يترك آثاراً نفسية واجتماعية طيِّبة، تقوِّي الروابط والأواصر الإنسانية، وتُشعر بالتلاحم العاطفي والوجداني.

وكما يأمر القرآن بالحقّ والعدل والإحسان، وإنفاق المال لبناء المجتمع بناءً إنسانياً متوازناً، فإنّه ينهى عن السلوكيات الهدّامة، التي تنخر في جسم المجتمع، وتنشر الفوضى والفساد.. إنّه ينهى عن (الفحشاء والمنكر).. عن الفواحش والمنكرات ما ظهر منها وما بطن.. كالزِّنا واللِّواط وشرب الخمر والكذب والغشّ والظّلم والرِّبا والاحتكار والغيبة والنميمة وسفك الدِّماء... إلخ.

ثمّ يُحرِّم القرآن في هذه الآية (البغي)، وهو التجاوز على الآخرين.. التجاوز على حياتهم وأموالهم وأعراضهم أو مكانتهم الاجتماعية، أو أيّ من حقوقهم الإنسانية التي شرّعها الله لهم.

إنّ هذه المبادئ الدستورية التي تحدّثت عنها الآية الكريمة، كفيلة لو عمل بها الناس، بأن تبني مجتمعاً إنسانياً سعيداً.. يعيش في ظلِّ الحقّ والعدل والإحسان، ويتجنّب البغي والعدوان والممارسات السلوكية المنحرفة، ويتحرّر من سيطرة الطاغوت..

إنّ أرقى ما ينشده الإنسان في حياته هو أن يعيش في ظلِّ الحقِّ والعدل والإحسان، ويتحرّر من البغي والطغيان والفساد.. وذلك هو منهج القرآن في بناء المجتمع وقيادة الإنسان السياسية والاجتماعية.

وللكلمة في القرآن شأن خطير، فهي أداة التواصل ونعمة البيان.. لذا يريدها أداة ووسيلة لصالح الإنسان.. والإنسان يستمع في كلِّ يوم إلى ألوان شتّى من القول والكَلِم.. بعضه سيِّئ هدّام، وبعضه حَسن، وبعضه أعلى درجة في الحُسْن والعطاء البنّاء..

والقرآن ينهى عن الكلمة السيِّئة، ينهى عن إطلاقها، وعن الاستماع إليها، أو التأثّر بها، أو السكوت عليها وعدم ردّها..

لذا يُبشِّر الإنسان الذي يستمع إلى ألوان شتّى من القول والكَلِم، فيتّبع أحسن القول.. ذلك لأنّه يُميِّز الخبيث من الطيِّب، والنافع من الضار، والحقّ من الباطل.. وبعد هذا الفرز والتمحيص، يُحدِّد موقفه، فلا تستفزّه الكلمة المخادعة، ولا يُضلِّله زُخرف القول غروراً؛ لذا يقر أولئك الناس: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)، بالذين يجتنبون الطاغوت.. فاجتناب الكلمة السيِّئة هو أحد وسائل اجتناب الطاغوت.. وحماية الفكر والسلوك من السلبية والعدوانية والانحراف عن الحقّ والعدل.

(وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا) (الأعراف/ 145).

الآية تحدّثت عن الخطاب الإلهي للنبيّ موسى (ع)، غير أنّ حُكم الآية عام وليس خاصّاً.. فالنبيّ محمّد (ص) والأُمّة المسلمة مخاطَبة بهذه الآية، أيضاً..

وللآية تطبيقات هامّة.. تقوم على أساس العدل والإحسان.

إنّ القوانين والتشريعات والتعامل الاجتماعي الذي يمارسه الإنسان في حياته اليومية، يجب أن يقوم على أساس (الحقّ والعدل).. وأنّ الإحسان هو موقف أخلاقي فوق العدل.. دعا له القرآن، ونادى به، وقرنه بالعدل، بقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ).. وفي مورد الإحسان يدعو القرآن إلى الأخذ بأحسنها.. بأحسن التشريعات والمواقف.

نأخذ أمثلة على ذلك:

إنّ أعظم جريمة في عُرْف القرآن والإنسانية هي جريمة القتل.. ومن العدل أن يُجازى القاتل بفعله.

قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ) (البقرة/ 179).

(أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة/ 32).

(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة/ 45).

وبذلك يوضِّح القرآن عقوبة الجاني.. كما يُثبِّت في موقع آخر عقوبة أخرى للقتل غير العمدي، هي (الدية).. وفي مورد آخر يُثبِّت العفو عن الجاني والإحسان إليه، ويعتبره كفّارة وصدقة..

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة/ 178).

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء/ 92).

وهكذا يكون من العدل القصاص من القاتِل العامِد، وأخذ الدية من غير العامِد.. وأنّ من الإحسان العفو والتنازل عن القصاص، وهو صدقة في عُرْفِ القرآن، أو عن الدية كلّها أو بعضها.. فيكون العفو عن القاتِل أو قبول مبلغ من المال أو التنازل عن المال إحساناً، والأخذ به أخذ بأحسنها.. وكلّ العقوبات حسنة، لأنّها عدل.. والرسول الهادي محمّد (ص) هو المَثَل الأعلى في العمل بهذه القِيَم السامية، فيستجيب لقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل/ 126).

جاء في أسباب النزول أنّ الآية نزلت عندما قتل المشركون حمزة بن عبدالمطّلب (رض)، عمّ الرسول (ص) في معركة أُحُد، ومثّلوا بجسده، وشقّت هند زوجة أبي سفيان بطنه وأخرجت كبده ولاكتها.. فنزلت هذه الآية تأمر بالعقاب بالمثل إن أُريدَ العقاب، وهو عدل، وتدعو إلى العفو عن قَتَلَهِ حمزة.. وهو إحسان وأقرب للتقوى.. فعندما نزلت هذه الآية، قال رسول الله (ص): أصبر.. ثمّ عفا عنهم جميعاً.

وهكذا يتسامى القرآن الكريم في تربيته الأخلاقية وتثقيفه الإنساني.. ويتسامى الرسول (ص) في تطبيقه لدعوة العفو، والأخذ بالأحسن، فيُجسِّدها سلوكاً وعملاً.. فلا يكتفي بالفعل الحسن..

إنّ القرآن يُثقِّف الإنسان المسلم بهذه الثقافة، فيدعو إلى التسامي الأخلاقي فوق حكم القانون.. وفي قضايا المال والإنفاق، نقرأ: الدعوة إلى الأخذ بالأحسن، قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 280).

إنّ مسؤوليّة المدين القانونية هي وجوب الوفاء في الوقت المحدّد، وذلك حقّ وعدل.. وهو حسنٌ، غير أنّنا نجد القرآن يتسامى بأخلاقية الإنسان لحلِّ مشكلة المدين المعسر.. فيدعو إلى تأجيله وإعطاء مهلة أطول حتى يتوفّر لديه المال المطلوب للتسديد.. بل ويدعو القرآن الدائن إلى أن يتصدّق بالدّيْن، ويتنازل عن دَينه للمَدين المُعْسِر، وهذه درجة أخلاقية أرقى.. وهذا إحسان فوق العدل.. وهو أخذ بأحسنها، يقابله ثواب من الله ومغفرة.

وفي العبادات المالية، نجده يسلك النهج نفسه في قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 184).

إنّ هذه الآية تُشرِّع فدية الطعام التي تعطى للمساكين مقابل كلّ يوم من أيام شهر رمضان التي لا يستطيع المكلّف صيامه، وهو إطعام مسكين، وتدعو إلى ما هو خير منه، وهو التطوّع بإطعام مسكين آخر.. والقرآن يدعو إلى الأخذ بأحسنها، وهو إطعام مسكينين، وإن كان الجزي هو إطعام مسكين واحد. وهكذا تتجسّد أمامنا صورة ناصعة من صور التشريع والقيم الإسلامية لبناء الذات والمجتمع . ►

ارسال التعليق

Top