• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مفهوم النصر في القرآن

أسرة البلاغ

مفهوم النصر في القرآن

موعظة قرآنية

◄يقول تعالى: ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ (الحج/ 15).

النصر من المفاهيم الأساسيّة التي نالت نصيباً وافراً من الاهتمام القرآنيّ. وعلى الرغم من تشابه المعاني التي استُخدِمت فيها هذه الكلمة في القرآن الكريم إلّا أنّ بينها مستوىً مّا من الاختلاف والتمايز يستدعي التوقّف عندها لأنّ بيان هذه الاختلافات تدبّرٌ في القرآن الكريم من جهة، وعملٌ بقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ (ص/ 29).

 

معاني النصر في القرآن الكريم

وأهمّ هذه المعاني التي وردت في القرآن لكلمة نصر ما يأتي:

1- الحماية والدفع: استُخدِمت مادّة نصر في القرآن الكريم في هذا المعنى مرّاتٍ عدة، في أكثر من سياقٍ ربّما كان أكثرها في سياق تهديد الكافرين أو العاصين بعدم قدرةٍ أحدٍ على حمايتهم من عذاب الله إذا نزل بهم. وأمثلة ذلك في القرآن كثير، منها:

أ- نفي الحماية من عذاب الآخرة: ورد هذا المعنى في عدد من آيات القرآن يخبرنا الله فيها عن حتميّة عذاب الآخرة لمستحقّيه، وعجز أيّ قدرة أو جهة عن التدخّل للتخفيف من هذا العذاب أو دفعه عمّن يستحقّه، ولا إمكان تبديله بغيره إن لم يرد الله تعالى ذلك، وهذا كما في قوله عزّوجلّ في وصف يوم القيامة: ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ (الدخان/ 41). ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ (الطور/ 46).

ب- نفي القدرة الذاتيّة على دفع العذاب: ورد في قصّة النبيّ نوح (ع) أنّ قومه طلبوا منه إبعاد بعض المقرّبين من المؤمنين به، بحجّة أنّهم أراذل القوم، فردّ عليهم بمطالبتهم بحمايته من آثار هذا الطرد ودفع العذاب الإلهيّ عنه إن طرد هؤلاء المؤمنين المحيطين: ﴿وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ (هود/ 30). ومعنى هذه الآية هو نفي وبيان عجز أيّ قدرة على حماية النبيّ نوحٍ من عذاب الله ودفعه عنه إن هو خالف إرادة الله واستجاب طلب الكفّار الذين كانوا يأنفون من مجالسة فقراء القوم وضعفائهم، وبعبارة أخرى هو استفهام في معنى النفي. والموقف النبويّ الحاسم نفسه يتكرّر من النبيّ صالح (ع) في الردّ على قومه عندما أعلنوا سأمهم من إصرارهم على دعوته وترغيبه في الميل إلى دينهم.

2- الانتقام: استُخدمت مادّة "نصر" في هذا المعنى في آيات عدّة من القرآن الكريم منها قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء/ 227). وقد وردت هذه الآية في سياق الحديث عن الشعراء الذين كانوا يهجون النبيّ (ص) فواجههم المسلمون بالسلاح نفسه وانتصروا لرسولهم ولأنفسهم. ومن أمثلة استعمال هذه المادّة في هذا المعنى أي الانتقام قوله تعالى: ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ﴾ (الشورى/ 41).

3- العون والمساعدة: من المعاني الأساسيّة لمادّة "نصر" العون والمساعدة. وقد نصّ عدد من علماء اللغة على هذا المعنى عندما تعرّضوا لهذه الكلمة في معاجمهم.

وتوقّف بعض علماء اللغة عند قوله تعالى: ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ (الحج/ 15)، ويجعلها أحد الشواهد على استخدام هذه المادة في هذا المعنى فيقول: "قوله: ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ﴾ ويعينه في الدنيا والآخرة ويغيظه أن يظفر بمطلوبه...". وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم لإحصاء المعاني التي تستخدم فيها هذه المادّة نجد أنّ القسم الأكبر من موارد استخدامها هو استخدامها في هذا المعنى.

4- الغلبة والظفر: رابع المعاني التي تُستخدم فيها كلمة "نصر" ومشتقّاتها التغلّب على العدوّ والظفر عليه. وهذا المعنى الأخير هو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن عندما تُسمع كلمة "نصر" ومشتقّاتها في هذا العصر بين أهل العربية. وربّما يفهم هذا المعنى من بعض الآيات في القرآن الكريم التي وردت فيها كلمة نصر. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾ (الأنفال/ 10)، ويكشف تتبّع كلمات المفسّرين عن أنّهم يرون أنّ هذه الكلمة تدلّ على هذا المعنى الأخير. يقول السيد الطباطبائي في شرح الآية المشار إليها أعلاه: "بيان انحصار حقيقة النصر فيه تعالى، وأنّه لو كان بكثرة العدد والقوّة والشوكة كانت الدائرة يومئذ للمشركين بما لهم من الكثرة والقوّة على المسلمين على ما بهم من القلّة والضعف". ويقول مفسّرٌ آخر: "ولمّا كان ذلك فهمنا أنّ النصر ليس إلا بيده، وأنّ شيئاً من الإمداد أو غيره لا يوجب النصر بذاته".►

ارسال التعليق

Top