• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

من وصايا الإمام الكاظم (ع)

عمار كاظم

من وصايا الإمام الكاظم (ع)

في وصيّة الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن الحكم، قال: «يا هشام، كان أمير المؤمنين يوصي أصحابه يقول: أوصيكم بالخشية من الله في السرِّ والعلانية»، وذلك هو التَّقوى، وقد قال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى» (النازعات/ 40-41)، «والعدل في الرّضا والغضب»، أي أن تكون عادلاً تراعي حقوق النَّاس في إنسانيّتهم، وفي كلّ قضاياهم الّتي تختزن الحقّ لهم، سواء كنت راضياً أو غاضباً، فلا يدفعك الرّضا عن شخصٍ إلى أن تعطيه ما ليس بحقّ، كأن تمدحه بغير حقّ، ولا يدفعك الغضب إلى أن تمنع إنساناً حقّاً، أو أن لا تعطيه ما هو بحقّ، أي ليكن الغضب والرّضا عندك سواء في خطّ المسؤوليَّة، «والاكتساب في الفقر والغنى»، فلا تكن بطّالاً، فاكسب رزقك في حالة الغنى والفقر، لأنَّ الله لا يحبُّ العبد البطّال، «وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمَّن ظلمكم، وتعطفوا على من حرمكم»، وهنا يرسم الإمام عليّ (عليه السلام) الصّورة الحقيقيّة للمؤمن في أخلاقه، فيما بيَّنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكارم الأخلاق، فلا تكون الأخلاق برسم البيع أو الشّراء، لأنَّ الأخلاق ليست تجاريّة، ولا تخضع للتجارة والعرض والطّلب، بمعنى أن أعطيك لأنَّك أعطيتني، وأصلك لأنَّك وصلتني، فهذه ليست أخلاقاً، بل هي بيع وشراء ومبادلة.

أمَّا الأخلاق في حقيقتها، فهي تلك الّتي تنطلق من داخل شخصيّتك، كما ينطلق الماء من الينبوع بعفويّة، وكما تنطلق الشّمس عندما تعطي الضّوء، فتصل من قطعك، لأنَّك تعيش معنى الصّلة، وتعطي من حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك، لأنَّك تعيش هذا الخلق، ولأنَّك لا تملك إلاَّ أن تكون العفوّ والوصول والمعطاء. وقد ورد في الحديث: «ألا أدلّكم على خير خلائق الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك». وهذا ما عبّر عنه الإمام زين العابدين في دعاء مكارم الأخلاق، «اللّهمّ وسددني لأن أعارض من غشّني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبرّ، وأُثيب من حرمني بالبذل، وأكافئ من قطعني بالصّلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذّكر».

وفي كلمةٍ مضيئةٍ أخرى عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، أنَّه قال: «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات»، أي لينقسم يومكم إلى أربع ساعات، والسّاعة في كلامه (عليه السلام) ليس المراد بها السّاعة باصطلاحنا اليوم التي تعدُّ ستّين دقيقة، بل كناية عن الوقت. «ساعة لمناجاة الله»، فتجلس لربّك، لتصلّي وتناجيه في كلِّ آلامك وأحلامك، «وساعة لأمر المعاش»، لتطلب رزقك، «وساعة لمعاشرة الأخوان…» تخلو فيها لأخوانك وتحدِّثهم ويحدّثونك، «وساعة تخلون فيها للذَّاتكم في غير محرَّم»، فإنَّ النفس الإنسانيّة بما تشتمل على غرائز وطبائع، تحتاج إلى ما يلبّي لها احتياجاتها الطبيعيّة، ولكن في غير ما حرَّم الله تعالى، «وبهذه السّاعة» التي تعطي نفسك لذّتها باللّعب وباللّهو، «تقدرون على الثّلاث ساعات»، لأنَّها تنشّط الإنسان، فليس من الطبيعيّ أن يعيش الإنسان في جدٍّ مستمرّ، وقد ورد «أنَّ القلب إذا أكره عمي»، وورد أيضاً: «روِّحوا القلوب ساعةً فساعة»، ولذلك لـم يضيّق الإسلام على الإنسان حياته، بل أعطاه نافذةً على حاجاته النفسيّة والجسديّة، وفي الحديث: «أجعلوا لأنفسكم حظّاً من الدُّنيا، بإعطائها ما تشتهي من الحلال…»، فيعيش الإنسان في الدُّنيا بما لها من حاجاتٍ ولذّاتٍ وطيّباتٍ دونما تجاوزٍ للحدود المعقولة والمشروعة، «واستعينوا بذلك على أمور الدِّين»، فعندما تعطي لنفسك حاجاتها الدّنيويّة، فإنَّها تقبل على أمور الدِّين بنشاط، لأنَّها عندئذٍ لا تعيش الحاجات الجسديّة والأزمات النفسيَّة وما إلى ذلك، «فإنَّه روي ليس منَّا من ترك دنياه لدينه»، بحيث أقبل على الدِّين ومنع نفسه من كلّ لذّاتها في الدُّنيا، «أو ترك دينه لدنياه»، بل عليه أن يعيش التّوازن بين حاجاته ومتطلّبات عبوديّته للّه ومسؤوليّته الدينيَّة.

ارسال التعليق

Top