• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الاقتصاد في الحديث النبوي

الاقتصاد في الحديث النبوي

·      المشكلة الاقتصادية:

المشكلة الاقتصادية عند علماء الاقتصاد هي وجود موارد محدودة تتزاحم عليها طلبات (ضروريات وحاجيات وكماليات وشهوات) غير محدودة.

أتى رجلٌ رسولَ الله (ص) فقال:

-         يا رسول الله! عندي دينار.

-         قال: "أنفِقْه على نفسك".

-         قال: عندي آخر.

-         قال: "أنفِقْه على ولدك".

-         قال: عندي آخر.

-         قال: "أنفِقْه على أهلك".

-         قال: عندي آخر.

-         قال: "أنفِقْه على خادمك" [سنن أبي داود والنسائي].

يستفاد من الحديث ماذا يفعل الرجل إذا كان معه دينار واحد، ثمّ ديناران، ثمّ ثلاثة، ثمّ أربعة (موارد محدودة). ولديه من ينفق عليهم (نفسه، ولده، زوجته، خادمه). رتّبَ له الرسول (ص) هؤلاء حسب أولوياتهم، لأنّ الحاجات غير محدودة، فلابدّ من ترتيبها حسب أولوياتها بما يتناسب مع الموارد المتاحة.

قال رسول الله (ص): "سبق درهمٌ مئةَ ألفِ درهم!".

فقالوا: يا رسول الله! كيف؟

قال: "رجل له درهمان، فأخذ أحدهما فتصدّق به، ورجل له مالٌ كثير، فأخذ من عُرض (طرف) ماله مئة ألفٍ فتصدّق بها!" [سنن النسائي، والمستدرك للحاكم].

فالذي تصدّق بدرهم واحد إنما تصدّق بنصف ماله! أما الذي تصدّق بمئة ألف فإنّه لم يتصدّق إلا بجزء يسير من ثروته الكبيرة! وهذا يعني بلغة علم الاقتصاد أنّ تضحية هذا الفقير بدرهم هي أعظم من تضحية هذا الغني بمئة ألف درهم! وأنّ المنفعة الحدّية لدرهم الفقير هي عنده أعلى من المنفعة الحدّية لدرهم الغني[1].

بعبارة أسهل نقول: إنّ منفعة الدرهم بالنسبة للغني أقل منها بالنسبة للفقير. وهذا يعني أنّ الغني إذا أعطى الفقيرَ درهماً، فإنّ هذا الدرهم يزيد منفعة المجموع، لأنّ منفعة الغني تنقص، ومنفعة الفقير تزداد، ولكن قيمة الزيادة أعلى من قيمة النقص.

 

·      الحرية الاقتصادية:

عن أنس – رضي الله عنه – قال: غلا السعرُ على عهد رسول الله (ص)، فقالوا: يا رسول الله! لو سَعّرت لنا؟ فقال: "إنّ الله هو القابض الباسط (ينقص السلع ويزيدها)، الرازق المُسَعِّر، وإني لأرجو أن ألقى الله – عزّ وجلّ – ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه، في دمٍ ولا مالٍ" [رواه الترمذي وصححه].

منع رسول الله (ص) تسعير السلع والخدمات، وترك الناس لقوى السوق والعرض والطلب، بافتراض وجود المنافسة وعدم الاحتكار.

 

·      ربا النَّسَاء:

قال رسول الله (ص): "الذهبُ بالذهب، والفضةُ بالفضة، والبُر بالبُر، والشعيرُ بالشعير، والتمرُ بالتمر، والملحُ بالملح، مِثلاً بمِثل، سواءً بسواء، يداً بيد. فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد" [صحيح مسلم].

الأصناف هنا ستة: (الذهب، الفضة، البُرّ، الشعير، التمر، الملح)، وهما فئتان بإجماع الشرّاح والفقهاء (فئة الذهب والفضة، وفئة البُرّ والشعير والتمر والملح). والمبادلات في هذا الحديث ثلاثة: مبادلة بين الصنف والصنف نفسه يُطلب فيها شرطان (أو قيدان): شرط التماثل وشرط التعجيل. يعني يُمنع فيها الفضل والنَّساء (الزمن). ومبادلة بين صنف وصنف من فئة واحدة يُطلب فيها شرط واحد هو التعجيل، أي يُمنع فيها النَّساء. ومبادلة بين صنف من فئة وصنف من فئة أخرى لا شرط فيها. الحكمة من الشرطين في المبادلة الأولى هي منع القرض الربوي باسم البيع (منعُ الحيلة). والحكمة من الشرط في المبادلة الثانية هي منع القرض الربوي أيضاً من أن يُمنح بعملة ويُستردّ بأخرى. والمبادلة الثالثة تعني جواز البيع الآجل، حيث يجوز فيها الفضل لاختلاف الصنفين والفضل لاختلاف الزمنين، أي يجوز فيها الزيادة في الثمن لأجل الزمن.

(100) غ ذهب بـ(100) غ ذهب يُمنع فيها الفضل والنَّساء، فلو جاز فيها الفضل والنَّساء لجاز القرض الربوي.

(100) غ ذهب بـ(1000) غ فضة جاز فيها الفضل ولم يجز فيها النَّساء.

(100) غ ذهب بـ(100) كيلو ملح جاز فيها الفضل والنَّساء.

ربا الفضل: زيادة بلا زمن.

ربا النَّساء: زمن بلا زيادة.

(100) غ ذهب معجلة بـ(100) غ ذهب مؤجلة تُمنع بيعاً لأنّ فيها ربا نَساء. فمن يقبض الـ(100) المعجلة يُربي على من يقبض الـ(100) المؤجلة. وهذا يعني أنّ المعجل خير من المؤجل إذا تساويا.

 

·      الوضعية أو الحطيطة للتعجيل:

قال رسول الله (ص): "ضَعُوا وتَعجَلوا" [المستدرك للحاكم وصححه].

الزيادة للتأجيل يجيزها جمهور الفقهاء، بخلاف الحطيطة للتعجيل يجيزها بعض الفقهاء.

 

·      الحاكم لا يحابي أهله:

لما نزلت: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ) (الشعراء/ 214)، نادى رسول الله (ص):

-         "يا مَعْشرَ قريش! اشتروا أنفسكم من الله، أنقذوا أنفسكم من النار! لا أغني عنكم من الله شيئاً!

-         يا بني عبدالمطلب! لا أغني عنكم من الله شيئاً!

-         يا عباسُ بنَ عبدالمطلب! لا أغني عنك من الله شيئاً!

-         يا صفية (عمَّة رسول الله)! لا أغني عنك من الله شيئاً!

-         يا فاطمة (بنت رسول الله)! لا أغني عنك من الله شيئاً!" [متفق عليه].

النبيّ (ص) هو القائل أيضاً: "لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها!" [متفق عليه].

فالإمام أو الحاكم في الإسلام لا يحابي أهله وأولاده وأقاربه في الأموال والمناصب، كما في النظم السياسية المادية السائدة في عصرنا. ولو فعل الرؤساء ذلك لما قامت الثورات والانقلابات!

 

·      أحاديث نبوية أخرى:

-         نهى رسول الله (ص) عن بيع الغَرَر. [صحيح مسلم].

-         "لا تَبعْ ما ليس عندَك" [رواه أحمد وأصحاب السنن].

-         نهى رسول الله (ص) عن ربح ما لم يضمن. [رواه أحمد وأصحاب السنن].

-         الضمان: تحمّل المخاطرة. قال الفقهاء: الربح يُستحق بالعمل والمال والضمان.

-         "لا قُدّست أمّةٌ لا يأخذ فيها الضعيفُ حقه غيرَ مُتعتع" [سنن ابن ماجه].

الهامش:


[1]- المنفعة الحدية هي منفعة الوحدة الأخيرة.

المصدر: كتاب المذاهب الاقتصادية والاقتصاد الإسلامي

ارسال التعليق

Top