• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإعلام الدولي وأخلاقيات مهنة الصحافة

الإعلام الدولي وأخلاقيات مهنة الصحافة

إنّ أي مهنة لها أخلاقيات، ولعل من أهم أخلاقيات المهن وأخطرها أخلاقيات مهنة الصحافة.

فبدون التقيد في أخلاقيات مهنة الصحافة، فإنّ الإعلام الدولي سوف يصبح فارغاً من مضمونه، ضاراً بالمجتمعات وبالإنسانية.

لقد بينّا ضرورة التقيد بأخلاقيات مهنة الصحافة في الإعلام بكلِّ وسائله، وخصوصاً الإعلام الدولي، واخترنا نماذج من دساتير ومواثيق وقواعد تنظيم سلوك الصحفي المهني.

لقد اخترنا من بين هذه الدساتير والمواثيق الموجودة في كلِّ دول العالم تقريباً اخترنا على سبيل المثال لأغراض الدراسة والإطلاع والمقارنة. مبادئ أخلاقيات الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنظمة اليونسكو باعتبارها منظمة عالمية لها دورها في رعاية وتوجيه الإعلام الدولي. واخترنا من وكالات الأبناء وكالة أسوشيتدبرس ووكالة يونايتدبرس.

ثمّ تعرضنا لأخلاقيات الصحافة في بريطانيا وإلى قواعد أخلاقيات مهنة الصحافة لدى جمعية الصحفيين المحترفين الأمريكيين، ومن ثمّ إلى فرنسا وأخلاقيات الصحافة، وإلى الإعلام الياباني وأخلاقيات مهنة الصحافة في اليابان، وأخيراً أخذنا نموذجاً دولياً شاملاً وهو نموذج الاتحاد الدولي للصحفيين، وإعلان أخلاقيات وسلوك الصحفي.

ومن خلال الغوص في تلك الدساتير والمواثيق والقوانين التي تبين قواعد أخلاقيات مهنة الصحافة وسلوك الصحفي وواجباته، نجد أنّ هناك بين جميع المنماذج التي اخترناها وحتى بين معظم دول العالم قواسم مشتركة يجب أن يلتزم بها الصحفيون، وتلتزم بها الصحف، وبالتالي الإعلام الدولي، والعاملين في مجال الإعلام كافة.

من هذه القواسم المشتركة مسألة المسؤولية والأمانة، حيث أنّ كاتب الخبر مسؤول عن كتابته والتحري عن مصدره، وعن دقته والأمانة في نقله إلى الجماهير، وتصحيح الخطأ بسرعة ودقة، وقبول الرد والاعتذار ونشره، وأن يكتب دون تحيز لدولة أو مبدأ أو انتماء. أي يكون موضوعياً ودقيقاً، مع مراعاة المصلحة العامة بالمحافظة على سرية المعلومات، وعدم افشاءها إلّا في حالات استثنائية، وأن يتحرى المصداقية والأمانة في نقل المعلومات والأخبار، ويتحرى المصادر، وعدم المبالغة.

وأن يبتعد عن التمييز العنصري على أساس كان، وهذا واجب ثقيل يجب أن يتحمله رجال الإعلام بكلِّ مسؤولية وأمانة حتى يكسبوا ثقة الجماهير.

كما يجب على العاملين في الإعلام الابتعاد عن المصالح الشخصية وقبول الهدايا والرشوة على حساب الصالح العام لخدمة أطراف عينة، ويجب تغليب مصلحة الجماهير مع احترام القوانين السائدة.

على أن تقوم الدول بإعطاء حرية التعبير وحرية التعليق، وحرية النقد، وبالتالي حرية الصحافة المسؤولة. لا تكون بوقاً مروجاً لسياسة دولة أو فئة حاكمة على حساب الحقيقة التي يجب أن تصل إلى الجماهير، ولا يجوز حجب المعلومات عن الناس.

كما يجب عدم تضليل الجماهير ونقل الأحداث المصورة بحيادية، وعدم التهويل غير اللازم والضروري لتوجيه الرأي العام باتجاه خاطئ لمصالح محددة.

يجب توخي الصدق والأمانة والاعتراف بمبدأ حقّ الشعب في معرفة الحقيقة.

ويجب أن يتمتع الصحفي بالنزاهة والعدالة واحترام خصوصية الأفراد وكرامتهم وشرفهم.

ومراعاة موضوع تعارض المصالح، بحيث معالجة الأمر دون تحيز وبحيادية تامة، والابتعاد عن الانتحال والتزوير والتشويه وربط المصالح الشخصية بالإعلانات التجارية.

واحترام حرية الصحافة وتشجيع الحوار مع الناس وتمكينهم من الوصول إليها في كلِّ مكان وأي وقت.

وأن يدعم الإعلاميون المعلومات والأخبار التي تنقل إلى الجمهور بالوثائق والصور، ومصادر المعلومات، والإشارة إلى هذه المصادر عند الضرورة. وأن يحكّموا ضميرهم. وأن يحافظوا على السرية المهنية، واحترام العدالة، وعدم القبول بالمهمات التي لا تتفق مع كرامة الصحفي كرجل إعلام، بل يقبل تلك المهمات التي تتوافق مع كرامته.

ويجب العمل على الاستقلال والتسامح واحترام حقوق الإنسان.

لكن المؤسف أنّ الإعلام الدولي لا يمارس هذه الدساتير والمواثيق والقواعد كما يجب، فلقد لاحظنا مثلاً أنّ الإعلام الغربي يخدم مصالح إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.

وانّ الإعلام الغربي بعد أحداث سبتمبر في أمريكا عام 2001 هاجم المسلمين والعرب وألصق بهم تهمة الإرهاب بدون تقصي وتأني.

كما أنّ وسائل إعلام غربية ضللت الجماهير في حرب أمريكا وحلفاءها على أفغانستان والعراق وموقفها الحالي من إيران وسوريا ولبنان.

إلا أنّ هناك إعلاماً غربياً يعمل بمصداقية وأمانة.

فعلى الإعلام الدولي أن يصوب أوضاعه ويعود إلى قواعد أخلاقيات المهنة الصحفية.

يقول اليستركوك من هيئة الإذاعة البريطانية BBC في حقل أخلاقيات الصحافة: "الموهوب الذي لا يهتم بالمال يصعب ترويضه".

ويقول هـ إل مينكين: "لا تقبل تذكرة مجانية مدير مسرح، ولا هدية مجانية من غرفة التجارة، ولا معروفاً من سياسي".

فالذين لا يعملون في مهنة الصحافة تعتبر هذه المهنة ومبادئ الأخلاق خلطة متنافرة ومتناقضة. وبالنسبة للصحفيين العاملين في صحف الإثارة الشعبية تعتبر مبادئ الأخلاق عموماً غير ذات صلة. أما بالنسبة للصحفيين العاملين في الصحف الرصينة، فتعتبر المبادئ الأخلاقية بمثابة قواعد للسلوك المبدئي، يجب أن يلتزموا بها جميعاً.

ويقدم ديفيد راندل كبير محرري الأخبار في صحيفة الاندبندنت البريطانية أنّ هناك إرشادات تساعد الصحفيين في أخلاق المهنة، ونرى أنّها ملائمة للإعلام الدولي. ومن هذه الإرشادات:

1-  على الصحفيين خدمة الصحيفة وقرائهم فقط. فالصحفي لا يدين بولائه لحزب سياسي أو مصدر أو مصلحة تجارية أو غير تجارية أو قضية محددة. فمثلاً صحيفة واشنطن بوست تبنت مبدأ يؤكد منع صحفييها من النشاط السياسي والمظاهرات، واكتشفت فيما بعد أنّ عدداً من مراسليها شاركوا في مظاهرة تؤيد الحقّ بالإجهاض، فمنعتهم من تغطية أي حدث يتصل بقضايا الإجهاض.

2-  ينبغي على كلِّ قصة أن تكون بحثاً صادقاً ونزيهاً عن الحقيقة. حيث يجب على الصحفيين رفض قبول العمل الذي يسعى لتدعيم وجهة نظر معينة ضد البينة والدليل أو كتابة تقارير تستهدف تعزيز نظرية متبناة بشكل مسبق.

3-  ينبغي مقاومة كلّ الدوافع التي تغري بالنشر. كعرض المال والهدايا أو الوعد بالحصول على مزايا أو ترقيات مقابل نشر كتابات تروج لشركات أو أشخاص.

4-  يجب على الصحفيين عدم السماح للدعاية بممارسة تأثير مباشر أو غير مباشر في مضمون وتوجيه الصحيفة، فكثير من المعلنين يحاولون التأثير على الصحفيين بنشر أخبار عن تجارتهم بسبب ثقلهم في السوق وتأثيرهم على الصحافة.

مثال على ذلك قيام صحيفة ريفر سايد برس انترابرايز (كاليفورنيا) بنشر مقالات وصور لمتجر أقسام متعددة في نوردستروم في 6 أيام بعد افتتاحه مباشرة. وظهرت هذه الأعمدة المنشورة في الأسبوع ذاته الذي نشرت فيه إعلانات للمتجر في عشرين صفحة كاملة. فذلك لم يكن صدفة.

5-  يجب على الصحفي عدم استخدام موقعه للتهديد أو الحصول على مزايا أو منفعة. فكون الصحفي يتمتع بالقوة والنفوذ فلا يجوز له إساءة استخدامها لمصلحته، كأن يتدخل في النزاعات الشخصية أو الترهيب بفضح أسرار الآخرين.

6-  لا يجوز تقديم الوعود بتهميش وكتمان القصص من أجل الصداقة. من الأمثلة على ذلك أن ذكرت إحدى محطات التلفزيون في أوريغون في الولايات المتحدة تقريراً عن مدير موظفي ممثل الولاية الجمهوري في مجلس الشيوخ، وكانت هناك دلائل تشير إلى أنّ منصب الرجل في المصرف أثر في موقف عضو مجلس الشيوخ حول خروج المصرف على القواعد وإنقاذ دافعي ضرائب أمريكيين. هذه القصة نقلتها وكالة اسوشيتدبرس. لكن الصحيفة الرئيسية في الولاية وهي صحيفة أوريغونيان اختارت تجاهل القصة وما يدور حولها من شبهات مالية بين ممثل الولاية ودافعي الضرائب.

7-  يجب عدم تلفيق أو تحسين المعلومات: حيث أنّ التلفيق أو تحسين المعلومات يعني تحريف وتعديل للوقائع أو تنميق للحقائق أو تناسي بعض التفاصيل المهمة في المعلومات أو الفبركة في الصورة أو اختراع القصص إلى جنب القصة الحقيقية مما يغير صورتها.

8-  على الصحفي أن لا يحقق مكسباً شخصياً من المعلومات التي حصل عليها، فاستخدام المعلومات قبل نشرها لتحقيق مكسب تجاري هو نوع من الإغراء الذي يواجهه المراسلون المتخصصون في التجارة والأعمال وأخبار المال والاقتصاد. فعلى سبيل المثال على مثل هذه الأخطاء مشاركة فوسترونيانز مراسل صحيفة وول ستريت جورنال في كتابة عمود اعتماداً على معلومات من مصادر تعمل بتجارة الأسهم، وقام ببيع هذه المعلومات إلى أحد سماسرة المال من أصدقائه مقابل 31000 دولار.

9-  استخدام أسماء مزيفة أمام المقالات والكتابات في الصحف للتغطية على الأخطاء التي يتعمدها الصحفيون، وهذا عمل خطير يجب الابتعاد عنه

10-                   عدم العبث بالخصوصية، فكثيراً مايتدخل الصحفيون في خصوصيات الناس بنشر قصص إخبارية بحجة المصلحة العامة أو بحجة سماح القانون. لذلك يجب مراعاة هذه المسألة وإعطاءها العناية الصحفية.

11-                   عدم مخالفة القانون، فمع وجود الحرية الصحفية إلا أنّ ذلك لا يعني السماح للصحفي لنفسه أن يستعمل الحرية ضد القانون أو ضد الأنظمة والتعليمات وسواء كان ذلك بوضوح أو بطرق احتيالية ماهرة.

ونحن بدورنا نضم هذه الإرشادات إلى رأينا في الإعلام الدولي ليؤدي رسالته بحيادية ومصداقية.

 

المصدر: كتاب الإعلام الدولي والعولمة الجديدة

ارسال التعليق

Top