• ٢٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شرف الصلاة وفضلها

شرف الصلاة وفضلها

ممّا يدل على شرف الصلاة ومكانتها وفضلها: أنّ المصلي يكتسب احترام الناس وتقديرهم، وذلك أنّ الناس بفطرتهم يحبون الإنسان الصالح المستقيم، ويكرهون الفاسد المنحرف، فالمصلي خاصة إذا كان شاباً يحبه الناس أهل العقل والبصيرة ويرتاحون إليه، ويجد عندهم الود له، وذلك أنّ الله تعالى قضى أن يعز من أطاعه، ويذل من عصاه، وأن يجعل للمؤمنين ودّاً في السماء وفي الأرض، ويجعل لهم من أمرهم يسراً، ورشداً وفرجاً، والصلاة هي شامة الطهر، والإيمان، والصلاح، في جبين المؤمنين، فما أقامها إلّا مؤمن، وما حافظ عليها إلّا تقي. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (مريم/ 96)، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (الطلاق/ 2)، وقال عزّ من قائل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق/ 4)، فالصلاة تضفي على صاحبها جمالاً، ونوراً، وبهجة، وأنساً، وانشراحاً، وتكسبه قلباً رقيقاً يحب المؤمنين، ويعطف على خلق الله ويرحمهم، ويحسن إليهم، وهم بالتالي يأنسون إليه، ويثقون في أمانته، ويرتاحون إلى أريحيته ولطفه في التعامل، وله في نفوسهم الود والاحترام.

وممّا يدل على شرف الصلاة وفضلها: أنّ المصلي صاحب أمانة وعهد، أي أنّه يحافظ على الأمانة والعهد ويرعاهما، وذلك أنّ الصلاة هي شامة المؤمنين في كلِّ زمان ومكان، والعلاقة بين إيمان المؤمنين وبين حفظ العهد والأمانة علاقة تلازم، فما حافظ عليهما إلّا مؤمن، وقد وصف الله تعالى في كتابه الكريم عباده المؤمنين الذين يقيمون الصلاة، ويحافظون عليها، ويداومون على ذلك بحفظ الأمانة والعهد، ومراعاتهما. قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المؤمنون/ 8-9)، وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُون) (المعارج/ 32-34)، ومعلوم أنّ هذه الآيات وردت في سورتي (المؤمنون) و(المعارج) ضمن آيات أخرى تحمل بعض أوصاف المؤمنين، وقد صدرت كلّها في السورتين بصفة إقامة الصلاة والخشوع فيها، وبصفة المداومة على الصلاة، وقد بيّن النبيّ (ص) أنّ الأمانة والعهد من الإيمان فقال: "لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ لَهُ، ولا دين لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ" وهو حديث صحيح أخرجه أحمد وغيره.

ومعلوم أنّ الصلاة أمانة كبرى وعظيمة، ما أداها، وحفظها، وحافظ عليها إلّا مؤمن، والفرائض التي فرضها الله تعالى على عباده المؤمنين هي أمانة في أعناقهم، وهم الأوفياء في الحفاظ عليها، وتأتي الصلاة في مقدمة هذه الفرائض فهي أهم وأعظم الأمانات، بعد أمانة شهادة أن لا إله إلّا الله، وأن مُحمّداً رسول الله، ولذلك فإنّ المؤمن يملك المؤهلات التي تجعله أهلاً للمحافظة على الأمانة، والعهد، والوفاء بهما، وذلك دليل على أثر الصلاة وفاعليتها في بناء النفس، وقوتها، وسماحتها، وعلو همتها لتصبح نفساً تهتم بمعالي الأشياء وأشرافها، ولا تهتم بأسافلها، والحقير منها.

والحفاظ على الأمانة، والعهد دليل واضح على شرف نفوس مقيمي الصلاة، وعلو همتهم، وكم يسعد المجتمع ويستقر بوجود المؤمنين الذين يقيمون الصلاة، إنّه بلا شك يسعد، ويستقر، وتحفظ فيه الأمانات والعهود، فتسوده بذلك حياة الطمأنينة، والثقة بين أفراده، وينعكس أثر ذلك على مجالات حياته كلّها خيراً، وأمناً، واستقراراً، ورخاء، وتقدماً، وذلك يقودنا إلى التأكيد على أنّ إقامة الصلاة في المجتمع الإسلامي من أقوى العوامل في استقراره، وشيوع الخير في أرجائه، والعكس صحيح.

 

* أستاذ التفسير بجامعة أم القرى 

المصدر: كتاب تأملات في فضل الصلاة ومكانتها في القرآن والسنّة

ارسال التعليق

Top