• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لا تفتحي الباب لئلا يخرج الحب

لا تفتحي الباب لئلا يخرج الحب
عندما يتضاءل الحب وينحف، ويفقد الكثيرمن الألق والعافية، ويتحول إلى شبح هزيل تائه بين زوجين تائهين، فما أسهل أن يتسلل ويهرب حالماً يجد منفذاً في الباب أو حتى من ثقب المفتاح. إن الحب، كما أعرفه، كائن حساس وكريم ولبق ودافئ وحنون، ولايحب الأجواء المكفهرة ولا التعليقات اللاذعة ولا الغزل في الثلاجة، ولا الشريكين حين يدير أحدهما ظهره للآخر، وينام من دون أن يقول له " تصبح على خير".
وقد تعرفت إلى صديق من هواة تدخين السيجار الكوبي الغالي، أي أنه ليس محترف تدخين، لكنه يحب أن يُمسك بين السبابه والأبهام، في السهرات والمناسبات السعيدة، سيجاراً يتلذذ به بعد العشاء. وكان يقول لي  :"هل تعرف ما هو سر بقاء هذه اللفافة الضخمة والطويلة مشتعلة لأكثر
من ساعة ". الجواب :"على صاحبها أن يتحدث معها، وذلك في الأوقات التي لا يسحب منها نفساً".
فإذا كان السيجار يطلب الحديث لكي يبقى متقداً.. هل نبخل بالكلام على الحبيبة؟
يتحضر الحب حين ينتهي الحديث، أو حيث يتحول من مناجاة ومشاركة ومبادلة سليمة إلى "نقّ" ونهر (من نهر ينهر ) وصليات من مدفع رشاش.
 إن كثيراً من الأزواج لا يتناقشون، بل يتقاتلون ويتجارحون وتسيل بينهما دماء غير مرئية، لأنها تصيب ماهو وراء الجلد الظاهر. والحب يكره الرصاص والدم ويريدها "سلمية" وخالية من الغاز المسيل للدموع.
في الحب، تعبير من نوع اّخر و"اكسسوار" ضروري للمكابدات والأشواق والتأثر بالحرمان. وهي تطلع من قلب حزين ولا علاقة لها بالغازات والكمامات والبصل الذي يزكم الأنوف. وكم من دمعة كانت رسول خير بين المحبين في ساعات الجفاء. وكم من كلمة بسيطة أصلحت ذات البين ومهدت لسهرة صفاء.
أقول لها :"لا تمزقي غلالة الاحترام بيننا... لاتفتحي باب التراشق لئلا يهرب الحب ويخرج ولايعود ". إنه لايعيش الأجواء التي تتطاير فيها الكلمات العنيفة وينكمش من إحتمال تطاير القباقيب. وكذب من قال أحلى وئام هو ذلك الذي يحل بعد خصام. لأن الخصام بعد الخصام بعد الخصام .. يكسر قارورة الغرام ويحولها إلى شظايا جارحة. ومثل كل الكوارث، فإن الإعصار المدمر يبدأ بريح بسيطة تحتاج إلى من يحتويها، لا إلى من ينفخ فيها. إن الرجل والنساء، في زمننا هذا، صاروا أبطالاً في النفخ لا في الاحتواء. والكل يقول إنه مرهق وعصبي ولا طاقة له على احتمال نفسه، فكيف بالاّخر. حسناً... لنقل إن الحب يسلك الطريق إلى باب الخروج حيث يصبح الحبيب مجرد "اّخر" مثل بقية خلق اللّه.
أتأمل صديقي السيجار الكوبي وأتساءل :"هل يُعامل شريكة حياته بمثل ما يعامل لفافته الثمينة "؟ هل يبذل الرجال جهداً لوصل الحديث المنقطع مع النساء؟ هل يهتمون بأحوال البيت والأولاد والمشاغل التي ترهق المرأة؟
وهل تقدر المرأة الضغوط التي يتعرض لها زوجها خارج المنزل؟
تصل كل المشاعر إلى طريق مسدود إذا لم تاخذ حقها في التعبير والفضفضة والمشاركة. والصمت لاينهي جدلاً، بل يضع نقطة النهاية لعلاقة كانت مرصودة لعمر طويل . إن البيوت الهانئة هي تلك التي تفتح
أبوابها وتشرع نوافذها للهواء الطلق... فلا يهرب منها الحب بل ينتعش ويتنفس هواء نقياً.

ارسال التعليق

Top