• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف تكونين امرأة بقلب أبيض؟

كيف تكونين امرأة بقلب أبيض؟
   هل ترين أنكِ لم تعودي قادرة على مسامحة الآخرين؟ هل تعتقدين أنكِ تلقيت ضربات أكبر من أن تغفري لأصحابها؟ هل تعتبرين قلبك أسود لا ينسى الإساءة؟ لا داعي لأن تقلقي بهذا الشأن، كلّ الناس يفكرون مثلك في بعض الأحيان، لأنّ هناك أخطاء لا يمكن أن تغتفر، وإن كانت تغتفر فإنّ ذلك يستغرق وقتاً ويمر بمراحل عدة.

مسامحة الآخرين ومغفرة أخطائهم ليست رفاهية وليست ضعفاً، إنها فعل يستوجب الكثير من الشجاعة والكثير من الحظ الجيد، لأنّ المستفيد الأوّل من المسامحة هو الضحية، فمن ينجح في أن يسامح ينجح في الحصول على راحة البال والسكينة والسلام الداخلي. بعكس الشخص الذي لا يستطيع أن يسامح، فهو شخص يتملكه الكره ويملأ قلبه ولا يترك فيه مكاناً لأن ينعم بأي مشاعر أخرى إيجابية، وقد يجعله ثقل الماضي يضيع كلّ المستقبل سعياً وراء الانتقام، وهذا هو الأسوأ. ولهذا، هناك أشخاص يتمنون أن يسامحوا الآخرين حتى يرتاحوا ويحرروا ذواتهم لكنهم عاجزون عن أن يسامحوا.

من هنا فإننا عندما يتعلق الأمر بمسامحة الآخر لسنا جميعاً سواسية، النجاح في مسامحة الآخرين شأن يختلف من شخص إلى آخر حسب حجم الإساءة التي تلقتها الضحية، وحسب الطريقة التي تلقت بها الإساءة، كمثال على ذلك، تخيلي أنّ هناك أختين تخلت عنهما أمهما بعد ولادتهما مباشرة، واحدة وجدت أسرة طيبة ميسورة ترعاها إلى أن كبرت وأصبحت امرأة ناجحة في المجتمع، والأخرى لم تجد عائلة تحتضنها وكبرت ما بين الملاجئ والشوارع، فتحولت إلى امرأة منحرفة وجربت السجون فلفظها المجتمع. البنت الأولى قد تسامح بسهولة الأُم التي تخلت عنها في المهد. لكن البنت الثانية قد لا تسامحها أبداً.

نيكول فابر وغابرييل روبان، أخصائيتان نفسيتان، ألفتا كتباً عديدة حول السماح أو عدمه. وخلاصة عملهما أن قسمتا السماح إلى المراحل والخطوات التالية:

 

1-  اتخذي قرارك:

ولكن أي قرار؟ يجب أن تقرري أنك لن تعاني بعد الآن. يجب أن تعترفي بأنك تعانين مما تحملينه في قلبك من ضغينة، إذا بقيت معاناتك مستمرة فإنك ستبقين عاجزة عن اتخاذ أي إجراء إزاء من يسيء إليك. في رحلتك نحو السماح أوّل خطوة هي أن تتخذي قرارك وتعقدي العزم. وسواء أكان المعتدي صديقاً أم رئيساً في العمل أم مجرماً، حاولي أن تضعي مسافة بينك وبين الشخص المسؤول عن معاناتك وألمك، وضعيه أمام مسؤولياته، إن كان مجرماً مثلاً يجب أن ترفعي دعوى قضائية ضده. يقول سايمون ويل، الفيلسوف المعروف: "لا يمكننا أن نعفو إلا عندما يكون في إمكاننا أن نعاقب". ونقول نحن العرب "العفو عند المقدرة". إحقاق الحقّ بيد المجتمع هو اعتراف المجتمع بجرحك وتحديد المذنب. أما المسامحة فالضحية وحدها يمكنها أن تسامح.

 

2-  اعترفي بأنك تضررتِ:

بعض الضحايا يرون أنّ أفضل حل هو النسيان، ولكن هذا غير صحيح. لا تلجئي إلى النسيان فلا جدوى منه، أحاسيس الكره والغضب تبقى موجودة في اللاوعي، وقوتها المدمرة تستمر في العمل بداخلك بعنف يتزايد مع مرور الوقت. "إسناد الذنب إلى المعتدي يمكنك من أن تتصالحي مع نفسك"، كما تقول الأخصائية النفسية غابرييل ريبان. من الضروري أن تعترفي بأنّ المعتدي مذنب، فذلك مهم لكي تعيشي بسلام، وتتجنبي الإصابة بأمراض نفسية بسبب ما حصل لك.

 

3-  لا تخفي غضبك:

لا تخجلي من عنفك أو غضبك أو حتى كرهك الذي يمكن أن يظهر أمام الآخرين، لأنّ هذه كلّها قد تكون مظاهر صحية ومفيدة في هذه المرحلة الأولى من رحلة المسامحة والغفران، أعلني معاناتك وألمك ومشاعرك السلبية. هذه المشاعر هي علامة على أنك نفسياً إنسانة سوية وطبيعية، وأنك كضحية لا تحملين نفسك الذنب الذي ارتكبه المذنب. يقول الأخصائيون النفسيون: "الكره شعور عنيف جدّاً لا يمكننا أن نتخلص منه. لهذا، فإنّ الضحية إذا لم توجه كرهها نحو الجاني عليها فإنّها بالضرورة سوف توجهه نحو نفسها". أحياناً لا يكون التعبير المباشر للمذنب عن كرهك له متاحاً، فالمذنب قد لا يعترف بأنّه مذنب. في هذه الحالة اكتبي على الورق كلّ ما تشعرين به، انفصلي عن عذابك عن طريق الكتابة، أو بوحي بمعاناتك لشخص آخر تثقين به.

 

4-  لا تسمحي لضميرك بتأنيبك:

لكي تتخلص الضحية من الإحساس الثقيل بالذنب في ما حصل لها، كما يشعر أغلب الضحايا، عليها أن تحاول معرفة ما هو الجزء الذي تضرر بداخلها، هل هو كرامتها أم سمعتها أم بدنها.. الإجابة عن هذا السؤال ستمكنها من أن تعرف أنّها ليست مسؤولة عما حدث. تقول نيكول فابر: "أن تسامحي نفسك أمر ضروري، خاصة في حالات مأساوية مثل التعرض للاغتصاب أو الوقوع ضحية جريمة زنى المحارم، لأنّ الضحية هنا تصبح عاجزة عن مواصلة حياتها إن لم تسامح نفسها أوّلاً".

 

5-  حاولي أن تفهمي الآخر:

تقول الأخصائية النفسية غابرييل روبان: "إنّ مرضانا، أي الضحايا، هم الأبرياء الذين يعانون ثقل الشعور بالذنب. أما الجلادون فإنّهم غالباً ما يكونون بخير". الكره على الرغم من أنّه شعور سلبي إلا أنّه قد يكون مفيداً أحياناً. مع ذلك، يجب التخلص منه كيفما كان الوضع، لأنّ الكره إذا استمر بداخلك فإنّه قد يدمرك، ولكي تتخلصي من هذا الإحساس ضعي نفسك مكان الشخص الذي أساء إليك. الهدف من ذلك هو أن تتمكني من رؤية الجرم الذي ارتكبه في حقك بعين أخرى، وقد تنظرين إليه إلى حد ما على أنّه مقبول، أو على الأقل سيبدو لك أقل مأساوية مما ترينه أنتِ من موقع الضحية. إن وضعت نفسك مكان الذي أساء إليك سوف ترين دوافعه إلى ما ارتكبه وستعرفين نقاط ضعفه، وهذا سيخفف عنك.

 

6-  لا تستعجلي في المسامحة:

رحلة المسامحة لا يمكن أن تتم في رمشة عين ولا في أيام أو أسابيع، هذا يختلف باختلاف الذنب الذي ارتكب في حقك. إنّ المسامحة أو العفو الذي يتم بسرعة وفي عجلة لا يريح أحداً لا الضحية ولا المذنب. لهذا، ينصحنا الأخصائيون النفسيون بالتريث قليلاً قبل اتخاذ قرار العفو والمسامحة، حيث تقول الأخصائية نيكول فابر: "يجب أن نترك بعض الوقت يمر قبل أن نعلن مسامحتنا للطرف الآخر وذلك حتى نكون مقنعين أكثر". ليس هذا فحسب، بل قد يكون العفو السريع مرد وهم تتوهمه الضحية، تعتقد أنها نسيت وسامحت، لكن الحقيقة غير ذلك، وهذا أمر خطير، إذ يمكن بعد وهلة أن تنقلب هذه المسامحة السريعة على الضحية وتعود عليها بالأذى وليس بالراحة، لأنها لم تفكر جيداً قبل أن تتخذ قرارها بالمسامحة، فتجد أنها أعلنت السماح وهي لا تزال تشعر بالألم.

 

7-  كوني سيدة نفسكِ:

تقول الأخصائية النفسية غابرييل روبان: "ولكن كيف تتأكدين من أنك سامحت أم لا؟ تكونين قد سامحت حقاً عندما يختفي من صدرك كلّ شعور بالذنب حول كلّ ما مضى"، وتضيف: "العلامة الأخرى على أنكِ سامحت في أن تمري إلى مرحلة الفعل وأن تعودي إلى ممارسة حياتك الطبيعية بشكل عادي". وتفسر نيكول فابر ذلك بأنّ المسامحة فعل تحريري يحرر الضحية من الألم ويعطيها الشجاعة لمواجهة الحياة من جديد، وأن تكون هي الفاعلة في حياتها وسيدة قراراتها.

ارسال التعليق

Top