• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

علاقة ناجحة بين الطفل والبيئة.. كيف؟

علاقة ناجحة بين الطفل والبيئة.. كيف؟

    بالقدوة والبعد عن قرناء السوء تتحقق التنشئة الصالحة للابن

تؤدي البيئة التي ينشأ فيها الطفل دوراً مهماً في بناء شخصيته، وتوجيه سلوكه، فهي إما أن تساعده على أن يكتسب الصفات والعادات الإيجابية التي تدعم بناء شخصيته وإما العكس.. فهل وجود علاقة مضطربة بين الطفل والبيئة المحيطة به يظهر المشكلات النفسية للطفل؟ وكيف يكتسب الطفل السلوك والخلق القويم؟ هذه الأسئلة يتناولها الحوار التالي مع الدكتور محمود ماضي – الأستاذ بجامعة الإمام محمّد بن سعود بالمدينة المنورة.

 

·      في البداية: ما المقصود بالسلوك والخلق؟ وهل يمكن الفصل بينهما؟

أود التنبيه – بداية – على أنّ الأخلاق في الإسلام جمع الله مكارمها كلها في آية واحدة، وهذا من الإعجاز اللغوي للقرآن، وهي قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف/ 199).

ولا يمكننا الفصل بين السلوك والخلق، فالسلوك إنما هو سلوك أخلاقي ممدوح أو مذموم، فيما الخلق صفة مستقرة في النفس ذات آثار في السلوك – محمودة أو مذمومة – وليست كلّ الصفات المستقرة في النفس من قبيل الأخلاق، فمنها ما هو غرائزي لا صلة له بالأخلاق.. ودلالة السلوك الأخلاقي على ما هو كامن في النفس دلالة ظنية.. ومعنى قولنا أنّ الخلق صفة مستقرة في النفس إشارة للجانب الفطري من الأخلاق، مصداق ذلك قول الرسول (ص): "ما من مولود إلا يولود على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه" وعمل الأبوين يمثل الجانب الاكتسابي.

 

·      إذا كانت الأخلاق لها جانبها الفطري وجانبها الاكتسابي، فكيف يكتسبها الأبناء؟

المقصود بالاكتساب ما يكتسبه الطفل من البيئة، التي تحيط به منذ ولادته حتى يوافيه أجله.

ويعني بها: البيئة الطبيعية الاجتماعية كالمنزل والمدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام.. فكلما كانت هذه البيئة راقية، بعيدة عن الإسفاف والابتذال، ساعدت على تنشئة الطفل وتربيته على حب الفضيلة، وكراهية الرذيلة، واجتنابها.

وللدور الفعّال للبيئة فإنّها أشبه بكأس والإنسان قطعة من الإسفنج فلو كان بالكأس ماء مذاب به سكر وغمسنا قطعة الإسفنج في الماء المذاب به السكر فماذا ستمتص الإسفنجة؟ لا شكّ في أنها تمتص ماء عذباً طعمه لذيذ، والعكس لو كان بالكأس ماء عكر نتن هكذا البيئة التي تحيط بالإنسان.

بعض المربين والعلماء يركّز على دور الأسرة باعتبارها البيئة الاجتماعية الأولى الحاضنة للطفل والقرآن الكريم ذكر أحكام الأحوال الشخصية التي تتعلق بالأسرة منذ بدء تكونها في نحو 70 آية، منها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (التحريم/ 6)، يوضح المقصود من الآية قوله (ص): "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، منها: "ولد صالح يدعو له".

والمعنى أنّ حسن تنشئة الأولاد يستفيد منه الوالدان، والمجتمع.

يقول الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان منّا *** على ما كان عوّده أبوه

ويقول آخر:

إنا لنبني ما شيدته لنا *** آباؤنا والغُرُّ من مجد ومن كرم

حتى إنّ الأبناء يرجحون عمل آبائهم وإن كان كفراً.. يقول جلّ وعلا لسانهم: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) (مريم/ 28)، لقد استغربوا من مريم الطاهرة العفيفة أن تفعل الفاحشة – في زعمهم – مع أنّ والديها كريمان صالحان.

وأيضاً هناك آيات قرآنية تجمع الكثير من مفردات الأخلاق فتطلعنا على جانب عظيم من القيم الأخلاقية التي يبثها الأب الحكيم لابنه: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان/ 13)، (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) (لقمان/ 17).

 

·      ما مدى تأثير المؤسسات التربوية الأخرى في سلوكيات الأبناء؟

لقد أشرت من قبل إلى دوائر اجتماعية عدة ذات تأثير عظيم على الأبناء، وعمل هذه الدوائر متكامل فلا يجوز أن يترك للمساجد وللأسر وحدهما القيام بهذه المهام في حين تعمل المؤسسات التوجيهية والإعلامية والتثقيفية الأخرى على إشاعة معانٍ أخرى تناقض دين المجتمع – دين الإسلام.

يقول العلامة يوسف القرضاوي: كيف يؤدي المسجد رسالته إذا كانت الأجهزة الأخرى وهي تصابح الناس وتساميهم بإمكاناتها الرهيبة تخفض ما يعليه وتهدم ما يبنيه؟!

وهل يبلغ البنيان يوماً تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ؟!

 

آداب عند التمييز:

·      هل هناك آداب معينة يجب أن ينشأ عليها الأطفال؟

إذا أردنا غرس قيمة أخلاقية محمودة، أو تعديل سلوك أخلاقي سيئ إلى الأفضل، فهناك وسائل عدة منها: القدوة الحسنة.. فلقد قيل: التربية بالقدوة خير منها بالكلمة، لذلك مقت الله تعالى الذين يقولون ما لا يفعلون، وأيضاً البيئة الصالحة، ويجب هنا عدم إظهار الخلافات الأسرية أمام الأولاد، وهنا أذكر ما ذكره بعض العلماء كآداب سلوكية نحو الصبي إذا بلغ سنّ التمييز، ومنها:

-         يُمنع لغو الكلام وفحشه ومن اللعن والسب ومن مخالطة من يجري على لسانه مثل ذلك فالطفل يتأثر بقرناء السوء وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء.

-         يعلم طاعة والديه ومعلمه وكلّ من هو أكبر منه سناً.

-         يعلم شجاعة القلب، والصبر على الشدائد، وتمدح هذه الأوصاف بين يديه ولسماعه لها ينغرس في قلبه حبها، ويتعودها لحسنها.

-         إذا ظهر من جهة الصبي فعل جميل، وخُلق حسن فينبغي أن يُكافأ عليه، ويمدح أمام الغير، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال، فينبغي أن يُتغافل عنه ولا يهتك ستره أمام أحد.. أما إذا عاد إليه مرة أخرى فيعاتب سراً ويعظم عليه الأمر، ولكن لا يكثر عليه العتاب في كلِّ حين فإنّ ذلك يهون سماع الملامة في حقه، ويسقط وقع الكلام في قلبه.

-         أن يكون الأب حافظاً لهيبة الكلام معه، ولا يوبخه إلا أحياناً والأُم تخوفه بالأب، وتزجره عن القبائح، وتظهر له الوعيد بشدة الأب وتخوفه منه.

-         يستحب أن يُشغل في المكتب يتعلم القرآن وحفظه، وأحاديث الرسول (ص)، فالصبي إذا أهمل في أوّل النشأة خرج في الأغلب رديء الأخلاق، معوج السلوك، كذاباً حسوداً، وإنما يحفظ من ذلك كله بحسن الأدب.

 

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1417 لسنة 2000م

ارسال التعليق

Top