• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ملامح شخصية الأب المسلم

ملامح شخصية الأب المسلم

يمارس الأب عملية تربية الأبناء معتمداً على شخصيته وأسلوبه وتوجيهه لهم، وتعد هذه المسؤولية أهم المسؤوليات التي يتولاها ويمارسها الأب كرب للأسرة، وهي مضافة إلى ما تقدم من المهام في تكوين الأسرة، ورعاية المولود الجديد.

ومن خلال هذا الموضوع نستعرض أهم الجوانب والمقومات والملامح التي يجب أن يتسم بها الأب في نفسه وشخصه؛ ليتمكن من تربية أولاده تربية سليمة، ويؤثر فيهم التأثير الفعال الذي يكفل لهم الاستقامة على منهج الله عزّ وجلّ.

 

أوّلاً: القدوة:

تعتبر القدوة من أهم وسائل التربية إن لم تكن هي أهمها على الإطلاق؛ وذلك لما أودع الله في فطرة الإنسان من حب التقليد والمحاكاة، لاسيّما الأطفال الصغار؛ فهم أكثر تأثراً بالقدوة؛ إذ يعتقد الطفل في سنواته الأولى أنّ كلَّ ما يفعله الكبار صحيح، وأنّ آباءهم أكمل الناس وأفضلهم، لهذا فهم يقلدونهم ويقتدون بهم.

ويبدأ التقليد عند الأطفال عادة منذ السنة الثانية تقريباً، ويبلغ التقليد غايته في سن الخامسة أو السادسة، ويستمر معتدلاً حتى الطفولة المتأخرة.

ولا شكّ أنّ هذا التقليد دليل على محبة الأولاد لآبائهم، وليس نابعاً من خوف أو خشية، بل هو ميل حقيقي قد امتلك واستهوى قلوب الصغار نحو آبائهم، والأطفال يتعلمون بالقدوة والمثل أكثر مما يظن ويتصور الوالد؛ (فالطفل يتأثر ويقلد طريقتنا في معاملتنا.. وعلاقتنا بجارنا، وحديثنا عن زملائنا في العمل دون أن نشعر نحن غالباً بهذا الأمر، فاتجاهاتنا النفسية تصبح كلها هي نفس اتجاهاته النفسية وبناء على هذا يكون التعود على فعل الخير بالقدوة الصالحة في أوّل الأمر هو المنهج الصحيح للتربية الإسلامية؛ إذ أنّ العقيدة الإسلامية لا يكفي أن تكون في قلب المسلم دون أن يكون لها واقعها العملي المترجم في السلوك الإسلامي الصحيح في جميع مجالات الحياة فقد ذم الله – سبحانه وتعالى – ومقت الذين يخالف عملهم قولهم، فقال عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2-3).

والطفل في حوالي السنة السادسة من عمره تقريباً يمكن أن يحدد مدى التزام أهله بالتوجيهات التي يأمرونه بها. وليعلم الآباء أنّ التلقين لا يثمر مع الولد، وإن استعملت معه جميع وسائل التربية إن لم توجد القدوة الصالحة التي تكون بمثابة ترجمة عملية للمعاني النظرية التي تقال أمامه.

 

ثانياً: المعايشة:

في المعايشة والمخالطة للأبناء يكون الدفء الأسري. وفي الثامنة من العمر يميل الأولاد إلى الجلوس والحديث والتسامر مع آبائهم، ويحلمون بأن يكونوا على شاكلتهم، ويرغبون في السماع إلى توجيهاتهم. وينبغي للأب المسلم أن يستغل هذه الفرصة، وهذا الميل من الولد فيوجه التوجيه الصحيح المثمر، ولا ينبغي الانشغال عن الأولاد بالكلية بأي أمر كان، فإنّ رسول الله (ص) رغم انشغاله بأمور المسلمين، والجهاد وسياسة الدولة ونشر الدعوة، لم يمنعه كلّ ذلك من مخالطة الأولاد. ويحدثهم عن حضوره مجالس الكبار وهو صغير ليرتسم في أذهانهم مخالطة من هم أكبر منهم سناً من الصلحاء، فيقول: "شهدت حلف المُطَيَّبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه" (يعني لو أعطيت أغلى أنواع الإبل لنقض هذه الحلف ما نقضته).

فالأب المسلم مدعوٌّ للاقتداء بالنبيّ (ص) في هذا المجال الهام، فإن لم يتمكن من مخالطتهم ومعايشتهم دائماً لابدّ أن يخصص وقتاً معيناً في اليوم والليلة يجلس فيه مع الأولاد يتحدث إليهم، ويتبسط لهم، ويداعبهم ويمازحهم، ويُدْخل عليهم السرور، مستعملاً في ذلك الكلمات الجميلة، والنظرات الحانية الرقيقة، والعناق والقُبَل، حتى وإن بلغ الطفل سن التمييز فلا مانع من ذلك في غير مشهد من الناس، مع الاهتمام بالسنوات الأولى، فإنّ السنوات الست الأولى من عمر الولد لها أهمية بالغة؛ بل هي الأساس الذي سيكون عليه الولد بعد أن يكبر، وفيها تترسم ملامح الولد المزاجية والاجتماعية، وتعامله مع الآخرين لاسيّما من هم أكبر منه، لهذا كان استغلالها وتوجيه الطفل فيها إلى الخير له دوره الهام في مستقبله.

فإن لم يتمكن الأب من الإشراف المباشر على أولاده ومشاركتهم نشاطاتهم ومعايشتهم، فإنّه يمكنه أن يساعدهم في بعض الأحيان على أن يبدءوا نشاطاً ما؛ كأن يوجههم مثلاً إلى قراءة كتاب معيّن؛ فيبدأ معهم ثم يتركهم يكملون، ويذهب هو لمهامه، أو يجلب إليهم لعبة هادفة مسلية فيدربهم على طريقة استعمالها والاستفادة منها ويشاركهم في بعض الوقت، ثمّ يتركهم يكملون لعبهم منهمكين بلعبتهم الجديدة، ويخرج هو من بينهم دون أن يشعروا به، وبهذا يكون قد أدرك شيئاً من واجباته في هذا المجال التربوي الهام، ولكن يلاحظ في كلِّ هذا أنّه هو الأب وهو صاحب السلطة والمهابة، فلا يخالط أولاده – خاصة الكبار منهم – مخالطة تزيل المهابة والكلفة بينهم، فلا يحترمونه ولا يهابونه، فإن حدث هذا فَقَدَ الأب وسيلة من أعظم الوسائل التربوية مع أولاده؛ وهي جانب السلطة والشخصية والمهابة، فإن من صفات المؤمن أنّه "رزق حلاوة ومهابة".

فيلاحظ الأب هذا الجانب الهام، ويكون على جانب من التوسط دون إفراط أو تفريط.

 

ثالثاً: الرفق واللين والحكمة في التوجيه:

جرى التكليف في الشريعة الإسلامية على التيسير والتسهيل والمقاربة، وجانب في كلّ الأمور الشرعية التعسير والتشديد، قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة/ 185).

وأكدت السنة على مقاصد الشريعة من أنّ منهج الإسلام التسهيل والتيسير، وذمت السنة التشدد والتنطع في العبادات التي هي من أعظم القربات وأجلها وأحبها إلى الله عزّ وجلّ. ووجه النبيّ (ص) أصحابه وأمته قائلاً: "سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا" وهذا التوجيه النبوي يشير إلى دلالة واضحة إلى الرفق في العبادة وترك التشدد فيها. وفي حديث آخر يهدد (ص) المتنطعين بالهلاك فيقول (ص): "هلك المتنطعون". وهم: (المغالين المجاوزين الحدود في أقوالهم وأفعالهم).

وعلى الوالد أن يتخير الوقت المناسب للوعظ دون إفراط أو إكثار منه؛ فإنّ كثرة المواعظ مملة، وربما ضعف تأثيرها، وأحدثت رد فعل عند الأولاد. كما أنّ كثرتها تخالف المنهج التربوي في الوعظ؛ إذ كان عليه الصلاة والسلام يتخول أصحابه بالموعظة ولا يكثر عليهم رغم رغبتهم وحبهم لسماع مواعظه وإرشاداته. كما أنّ العقاب الكثير ضار بالولد، فلا بأس بعض الأحيان من التغافل عن بعض أخطاء الطفل، خاصة العفوية منها، فتمر دون تعليق أو توجيه أو عقاب، فإن احتاج الأب إلى التأديب والتوبيخ تجنب الاستبداد في ذلك وتوسط.

وينبغي على الأب المسلم وكذلك المربي أن ينهج مع الولد منهجاً قاصداً ومعتدلاً يحفظ فيه كرامته وشعوره فلا يجرحه، ولا يكثر التعنيف الذي يؤدي بالولد إلى عدم احترامه والجراءة عليه، وأن يعطيه شيئاً من الحرية دون إفراط أو تفريط، وعدم التشدد والصرامة في تطبيق أوامره والقواعد المنظمة للبيت؛ بل يمزج ذلك بشيء من المرح والمداعبة والحب، ولا بأس من إفهامه سبب الأمر الذي أمره به والحكمة منه؛ ليكون حافزاً له على فعله وتنفيذه، مع مراعاة عدم تعليق تنفيذ الأمر باقتناع الولد به؛ فهذا يفسده.

ويجب على الأب أن يراعي فهم ولده وقدراته، فلا يطالبه بمعايير الكبار، ولا يأمره بما هو خارج نطاق قدرته، فهو لا يزال طفلاً صغيراً. ويحسن بالأب أن يوطن نفسه على ضبط النفس أمام حماقات الأبناء، والاعتدال في معاملة الأبناء؛ فلا يدلل بإفراط، فيشعر أبنائه بالتسامي على غيرهم، ولا يحقر ويهين ويذلل، فيعيش أبناؤه أذلاء خاملين بين أقرانهم.

كما يلاحظ عدم الإكثار من إظهار الخوف عليهم والمهابة من أقل شيء يصيبهم في لعبهم من أمور البيئة من حولهم، فإنّ هذا يضر بهم، ويفسد قدراتهم على مجاراة البيئة من حولهم، وكذلك لا يهمل الأب أبناءه بما يحدث لهم قلقاً نفسياً.

وخلاصة ما تقدم: هو الالتزام بمنهج الوسطية والاعتدال، والتدرج والتلطف في توجيه الولد وتربيته، وحادينا في ذلك منهج الرسول (ص) في تربية النشء بالرفق واللين، ولنجعل نصب أعيننا قول ابن الجوزي – رحمه الله –: "واعلم أنّ رياضة النفس تكون بالتلطف والتنقل من حال إلى حال، ولا ينبغي أن يؤخذ أوّلاً بالعنف، ولكن بالتلطف، ثمّ يمزج الرغبة والرهبة".

 

رابعاً: الحنان والحب:

يتفق المربون على أنّ الحبّ والعطف والحنان من أهم دعائم وركائز التربية، وأهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الآباء والمربون. والحب عاطفة تظهر في سلوك الآباء وتعاملهم مع الأبناء؛ تتمثل في الحنو على الولد، وتقبيله، واحتضانه، وإظهاره محبته، والعطف عليه، والتبسم في وجهه.

والطفل وإن كان صغيراً ضعيف الإدراك، قليل الفهم إلا أنّه يعي المشاعر والعطف، ويعرف من يحبه ممن يكره، ويعي البسمة الحانية، ويدرك الغضب. فلا يمكن أن يتعلم الطفل الرحمة والحنان والعطف إذا كان والده يقسو عليه ولا يرحمه أو يعامله بجفاء؛ كالأقرع بن حابس الذي كان لديه من الأولاد عشرة ولم يقبِّل أحدهم، لذا نزعت الرحمة من قلبه. وليعلم الآباء أنّه لا يمكن أن يربوا أولادهم بأسلوب الرهبة فقط؛ بل لابدّ من الحب الفياض الغامر المتدفق من قلوب الآباء إلى الأبناء، وبالتالي يسري هذا الشعور تلقائياً، فينقلون هذه المشاعر إلى غيرهم.

 

خامساً: العدل بين الأبناء:

أكّدت الشريعة الإسلامية على الأمر بالعدل بين الأولاد، والسوية بينهم في كلِّ أمور المعاملة، حتى النظرة الحانية، والقبلة العطوف، وذلك تفادياً من التحاسد واشتعال نيران الغيرة والتحاقد بين أبناء البطن الواحدة؛ فقد يحقدون حتى على أبيهم نفسه. والأب مدعو بألا يتعاطى من الأسباب ما يثير شيطان العقوق في نفس أبنائه. وعلماء التربية على استحباب العدل والتسوية بين الأبناء، وكراهة المفاضلة، بينهم في العطية، وذلك تأسيساً على ما روى عن رسول الله (ص) في الأمر بالعدل في العطية بين الأولاد فقال عليه الصلاة والسلام: "اعدلوا بين أولادكم في العطية". بل كان يذهب إلى أكثر من هذا فيأمر بالعدل حتى في القُبْلة، ويقول (ص) موجهاً الآباء: "إنّ الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم، كما يحب أن تعدلوا بين أنفسكم".

فالواجب على الآباء العدل بين أبنائهم في الأمور الظاهرة المحسوسة التي يعرفها الأبناء ويحسونها حتى في الحب الظاهر، أما إن كان في القلب ميل لأحدكم أكثر من غيره فلا حرج، بشرط ألا يظهر له أثر في المعاملة الظاهرة.

وما جاءت هذه الأوامر والتوجيهات من رسول الله (ص) إلا لأهمية هذه القضية في مجال التربية، ومنعاً للحسد والتباغض بين الإخوة؛ (فقد اتفق الباحثون على أنّ أشد العوامل إثارة للحسد في نفوس الأطفال هو تفضيل أخ على أخ أو أخت أو العكس، والموازنة بين الواحد والآخر أمام عينيه، أو على مسمع منه). لهذا كان على الأب المسلم أن يتجنب أسباب التباغض والتحاسد بين أولاده بإقامة العدل بينهم، وتوزيع محبتهم وحنانه عليهم، وإن كان ذلك صعباً في بعض الأحيان للغفلة أو النسيان، أو للميل الفطري إلى الابن الأصغر مثلاً، أو إلى المطيع منهم، ولكن لابدّ للوالد أن يلاحظ ذلك من نفسه، وأن ينتبه له؛ فإنّ الأطفال يحسون ذلك ويعونه، ويدركون مظاهر التفريق في المعاملة، فإن لم يتدارك الوالد تحسين الوضع، ورد الأمور إلى نصابها في إقامة العدل بينهم؛ فإنّ الولد المظلوم ربما نهج السلوك العدواني مع إخوانه انتقاماً لنفسه، أو ربما أثر ذلك عليه وسبب له ضعفاً في التحكم في إفرازاته إلى غير ذلك من مظاهر سوء التوافق النفسي الذي يمكن أن يصاب به الطفل المنبوذ.

 

سادساً: حسن الصلة بالله:

حسن الصلة بالله واللجوء إليه له أثر عظيم في إصلاح الأولاد واستقامتهم على الدين؛ فالله – سبحانه وتعالى – هو مالك الملك، وقلوب الخلق بين يديه يصرفها كيف يشاء، ومع كلّ الأسباب والوسائل والمناهج والتدابير المعقدة والبسيطة التي يأخذ بها المربون والآباء لتربية الأبناء لابدّ من الاستعانة بالله أوّلاً وأخيراً، لأنّ الله – سبحانه وتعالى – هو صاحب الشأن وواهب الذرية، وبيده أزِمَّة القلوب، وصلاح النفوس. ولابدّ من الدعاء والتضرع إليه رجاء صلاح الذرية واستقامتها؛ فإنّه لا يوجد شيء في الدنيا أقر وأهنأ لعين المؤمن من صلاح أهله وولده، فالدعاء أكثر شيء على الله، فالله – سبحانه وتعالى قال: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) (الفرقان/ 77). والدعاء هو العبادة، ودليل حسن الصلة بالله ودعوة الوالدين لأبنائهما مستجابة. فما أفضل وأحسن أن يستغل الوالدان هذه المنحة الربانية بأن يدعو اللهَ لذريته بدلاً من دعاء الأُم على أبنائها لأتفه الأسباب وقد تجاب دعوتها وهي لا تدري. ولسنا بدعا في ذلك حين ندعو الآباء والأُمّهات إلى رفع أكف الضراعة لله أن يصلح أبناءنا، فهذا نبي الله إبراهيم (ع) يدعو الله – سبحانه وتعالى – أن يجنبه وذريته عبادة الأصنام: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ) (إبراهيم/ 35).

ويسجل القرآن الكريم ابتهالات وتضرعات للأنبياء دعاء لأبنائهم وذريتهم من بعدهم؛ فهذا أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم يستأنف الدعاء بعد أن رزقه الله تعالى الذرية الصالحة يحمد الله على ذلك، ويؤكد أنّ الله سميع الدعاء، فيقول كما حكى الله تعالى عنه: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) (إبراهيم/ 39). وهذا نبيّ الله زكريا (ع) يدعو المولى – عزّ وجلّ – طالباً الذرية الطيبة: (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (آل عمران/ 38).

وعلى الوالدين أن يحذروا كلَّ الحذر من أن يدعوا على أبنائهما بشر، فإنّ دعوتهما مستجابة – كما تقدم – فقد نقل عن عبدالله بن المبارك أنّ رجلاً جاءه يشكو إليه عقوق ولده، فسأله إن كان دعا عليه أم لا؟ فأجابه بأنّه قد دعا عليه، فقال له حينئذ: "أنت أفسدته".

فعلى الآباء أن يحذروا من ذلك، وبدلاً من الدعاء عليهم ندعو لهم بالهداية والصلاح والتوفيق، ولا بأس أن يجمع الأب أولاده عند بعض الأوقات التي تجاب فيها الدعوة فيدعو لهم كما كان يفعل أنس بن مالك عند ختم القرآن الكريم.

وليعلم الآباء أنّ حسن الصلة بالله هي في جوهرها إتمام لإحسان تربية الأبناء؛ فصلاحهم معقود بإصلاح أنفسنا مع الله، فهذا الأعرابي الذي كان يقيم علاقته بربه ويعرف قدرها من سلوك فرسه ودابته وامرأته، فكلما حسنت سلس له قيادهم، وكلما ساءت تعثرت الدابة، وتمردت الزوجة، وحرن الفرس.

فلا تستصعب لك أمراً؛ فإنّ معينك هو الله، ولو دعوته من قبلك، وأخلصت له وأحسنت علاقتك به لكفل لك ذرية صالحة. والقرآن يصدق ذلك أنّ في صلاح الأب الخير الوفير للأبناء، فغلاما الكنز كان أبوهما صالحاً، فصلاح الآباء مصدر من مصادر رزق الأبناء كذلك، فعليك باختيار الأوقات المناسبة (أوقات الاستجابة) مثل: يوم الجمعة، وبعد صلاة الفجر، ووقت السحر، وبعد قراءة القرآن، وبعد الوضوء، ودعاء الصائم والمريض، ودعاء السفر، وعند كلّ سجدة؛ فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

 

المصدر: كتاب الموسوعة العلمية الحديثة في تربية الأبناء

 

ارسال التعليق

Top