• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التهاب الأوردة أخطر من الدوالي

التهاب الأوردة أخطر من الدوالي

◄التهاب أوردة الأطراف السفلية مرض يشبه الدوالي، إنّما أخطر منه: إذ يمكن بسببه أن "تهاجر" جلطة دم نحو الرئتين، ما يؤدي إلى انسداد أوعيتهما الدموية. وتلك حالة خطيرة.

التهاب الأوردة، أو "التجلط الوريدي الخثري" (بالإنجليزية phlebitis أو thrombosis وبالفرنسية phlebite أوveineuse thrombose) مرض مزعج، لكنّه غير خطير في حد ذاته، إنما قد تسميته الثانية، "التجلط" أو "التخثر الوريدي" (وهي الأصح والأقرب إلى الواقع)، ينصب الداء على وجود خثارة دم (تُدعَى علمياًthrombus ) في منظومة الدورة الدموية.

-         تجلّط سطحي أم عميق؟

وتلك الخثارة، أو الجلطة، عَدَا عن تسببها في مشكلة انسداد الأوردة، وهي ليست هيّنة أصلاً، قد تتنقل إلى أماكن أخرى، فتتضاعف خطورتها. وهذا ما يحصل بشكل خاص مع الرئتين، حيث تؤدي الجلطة "المهاجرة" إلى داء انسداد الرئة. إذ ثمّة نوعان من التخثر: النوع السطحي، غير الخطير، والنوع العميق، الممكن أن ينطوي على خطورة.

فحين يكون التجلّط سطحياً، لا داعي للقلق، سواء أكان نتيجة لحالة من الدوالي لم تعالج علاجاً شافياً، أم تجلّطاً مستقلاً غير ذي علاقة بالدوالي. في هذه الحالة، يكفي تناول أدوية مضادة للالتهاب، فتقضي على التخثر، وفي الوقت نفسه تزيل الآلام الناجمة عنه. وعموماً، تكون الجلطة السطحية واضحة وصلدة، ويمكن تحسسها باليد، وتحديد موقعها، حتى من خارج البشرة.

في المقابل، حين تتكون الجلطة في وريد داخلي، أي في أعماق أحد الطرفين السفليين، فإنّ احتمال بروز تعقيدات وارد جدّاً. إذ يمكن للجلطة أن تتهشم، فتغادر أجزاء منها الجدران الداخلية للوريد المستقرة فيه، و"تهاجر" تدريجياً، مدفوعة من سريان الدم، إلى أن تصل في نهاية المطاف إلى نصف القلب الأيمن، ومنه إلى تفرعات الشرايين الرئوية. فإن استقرت الجلطة "المهاجرة" في الأوعية الدموية الرئوية، تحصل مضاعفات خطيرة، يتمثل أحد أهم تجلياتها في صعوبة التنفس، وما قد يجرُ إليه من تردٍّ للوضع الصحّي العام.

-         أسباب التجلّط:

أمّا أسباب التجلّط، فمتباينة، وقد تتمثل في أحد العوامل الآتية:

·       تركيبة الدم: ثمّة تراكيب تفضي إلى قابلية تخثر مفرطة (ما يدعى علمياً hypercoagulability).

·       نوعية الجدران الداخلية للأوعية الدموية، وحالتها العامّة.

·       الوضع العام للدورة الدموية، حيث يؤدي تعرضها لخلل أو اضطراب ما إلى رفع احتمال التجلّط الوريدي.

-         صعوبة التشخيص:

من أهم الصعوبات، في الحديث عن التهاب الأوردة، يشار إلى:

·       أوّلاً: يصعب تشخيص المرض، مثلما سنرى.

·       ثانياً: احتمالات الانتكاس، وتكرر الحالة المرضية، شائعة جدّاً.

فأعراض المرض غير محسوسة دائماً، وأحياناً معدومة جملة وتفصيلاً. هكذا، بحسب الإحصاءات الطبية، فإنّ 48 في المئة من حالات التجلّط الوريدي لا تُكتشف سوى في مرحلة تطوّرها إلى انسداد رئوي. على الرغم من ذلك، ثمّة علامات وإشارات، نعددها في القائمة أدناه، قد تظهر إحداها، أو أكثر، ما يعين على لفت الانتباه إلى احتمال وجود تخثر وريدي داخلي. بالتالي، الإسراع في استشارة الطبيب. وتتمثل تلك العلامات في الآتي:

·       تحسس موجع نوعاً ما عند الضغط على الساق المصابة.

·       بزوغ ألم مبهم بشكل مباغت، وغير مفسر، في أحد الطرفين السفليين.

·       إحساس موضعي بالحرارة، في بقعة معينة من الساق دون غيرها.

·       وجود احمرار غير مفسر في منطقة ما من الساق.

·       تورّم طفيف ظاهر في الطرف السفلي.

·       ربّما ارتفاع درجة حرارة الجسم، ما يحصل في حالات قليلة جراء الالتهاب.

وعند الاستشارة، يستعين الطبيب بتقنيات معيّنة لتوكيد، أو نفي، وجود تجلّط وريدي في منطقة عميقة من الساق، أي غير التجلّطات السطحية، سهلة الكشف باللمس المباشر. ومن تلك التقنيات، يشار إلى فحص دوبلر (Doppler) بالموجات الدقيقة، والتصوير الوريدي، الذي ينصب على أخذ صور بالأشعة السِّينية، إنما عقب حقن مواد ملونة خاصّة في الوريد، لكي تسهل التمييز.

-         تعقيدات أخرى:

وعَدَا عن احتمال الانسداد الرئوي، الذي يشكّل أخطر مضاعفات التجلّط الوريدي المحتملة، قد يؤدي هذا الأخير إلى منغصات أخرى في حال إهمال علاجه، أو اكتشافه بصورة متأخرة. ومن أهم تلك المنغصات والتعقيدات، يشير الأطباء إلى النكوص والسقطة، بمعنى تكرر الحالة حتى بعد علاجها. فالمعضلة تكمن عندما يؤدي تكرار الالتهاب الوريدي إلى سد الوريد المصاب بصورة مزمنة، ما يترتب عليه ظهور وذمة موضعية دائمة في الساق، إضافة إلى اضطرابات جلدية في مستوى البشرة الخارجية أيضاً، مع احتمال ظهور حالات قرحة معوية في بعض الأحيان.

-         الوقاية والعوامل المساعدة:

صعوبة كشف الالتهابات الوريدية، وخطورة مضاعفاتها المحتملة، تَحضّان الأوساط الطبية والعلمية على استنباط وسائل فاعلة للوقاية منها. فمثلاً، ينصحون أي مُراجع سبق أن أجريت له عملية جراحية في طرف سفلي، أو تعرض لكسر أو فسخ فيه، بتناول أدوية مضادة للتخثر، تفادياً للالتهابات الوريدية. إلى ذلك، فإنّ الاضطرار إلى الاستلقاء على السرير لمدة طويلة، لسبب ما، وحالات الإنجاب المتكررة، تشكل عوامل مساعدة على الإصابة بالتهاب وريدي. هكذا، في تلك الحالات أيضاً، يسعَى الأطباء إلى نُصح المراجع بالتوقّي من الالتهاب الوريدي المحتمل، وربّما يصفون له مضادات تخثُّر مسبقاً، قبل وقوع الداء.

ومن العوامل المساعدة الأخرى، التي قد تسهم في تعريض المراجع لاحتمال التهاب وريدي، يشير الأخصائيون إلى:

- الشلل.

- بعض أنواع السرطان.

- اضطرابات جينية (وراثية) في عملية تخثر الدم.

- للنساء: تناول هرمون الـ"إستروجين" المؤنث، أو موانع الحمل الهرمونية. وهذا ما يفسر أنّ جمع التدخين وتناول حبوب منع الحمل الهرمونية يشكل خليطاً خطيراً للغاية، من بين تداعياته الإصابة بالتهابات وريدية. هكذا، يشدد الأطباء على ضرورة الامتناع عن أحدهما امتناعاً تاماً.

-  حالة طوارئ:

مثلما ذكرنا، في حال تشخيص تجلّط وريدي سطحي، يكفي تناول مضادات التهاب، وربّما مضادات تخثر، فيزول الالتهاب، ومعه الألم. لكن، في حال تشخيص تجلّط وريدي عميق، يصف الدكتور أيضاً مضادات فيتامين "كي"، فضلاً عن مضادات التخثر (مثل دواء "هيبارين" أو ما يعادله). إلى ذلك، في حالة التجلّط الوريدي العميق، لا يندر أن يأمر الطبيب بإدخال المُراجع المستشفى حالاً. فالتجلّط الوريدي الخثري العميق يعدّ حالة طارئة، تستوجب على الأغلب الرقود في المستشفى، والخضوع لرقابة صحّية دقيقة. وعقب الشفاء، ينبغي على المصاب أن يحمل شريط شدّ خاصّاً، من البلاستيك، لفترة معيّنة، يحددها الطبيب بحسب الحاجة.

وفي بعض الحالات النادرة، يصف الطبيب أدوية ينصبُّ مفعولها على إذابة الجلطة الدموية. وفي حالات أندر، يمكن أن يُرغَم الطبيب على إخضاع المراجع لعملية جراحية، تستهدف إمّا إزالة الخثارة الدموية في حدّ ذاتها، أو لمعالجة الرئة المصابة في حال "هجرة" الخثارة إلى أوعيتها الدموية، ما يسبب الانسداد الرئوي، أو لمنع الخثارة من التقدم أكثر، وذلك من خلال قطع الوريد المعني، أو وضع مرشح جراحي خاص، يتيح استمرار سرَيان الدم، لكي يمنع الجلطة من مواصلة مسارها نحو منطقة الأوعية الدموية الرئوية.

هكذا، مثلما نرى، فإنّ الالتهاب الوريدي، أو التخثر أو التجلّط الوريدي، هو حالة مرضية جادة، لا ينبغي الاستهانة بخطورة مضاعفاتها المحتملة، الأشد وطأة بكثير من مجرد ظهور دوالي الساقين. فالمرضان متشابهان، لكن شتان ما بين تداعياتهما.►

ارسال التعليق

Top