• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الرياضة أثناء الحمل وذكاء الأطفال

الرياضة أثناء الحمل وذكاء الأطفال

◄وفقاً لدراسة أجريت أخيراً، تؤدي الأنشطة الرياضية التي تقوم بها المرأة أثناء فترة حملها إلى تعزيز نمو دماغ الجنين الذي تحمله. لا شكّ في أنّ هناك إجماعاً علمياً متزايداً على أنّ فوائد التمارين الرياضية تتراكم حتى قبل الولادة. فممارسة الرياضة مفيدة لمختلف الأمور المرتبطة بفترة الحمل، إذ تخفف على الأُمّهات أعباء الحمل وتساعدهنّ على التحكم في الوزن الذي يكتسبنه أثناء الحمل، كما تؤثر في صحّة ووزن الطفل خلال حياته المستقبلية؛ ولكن هذه الدراسة التي أجريت حديثاً تشير إلى أنّ هناك مكافأة أخرى للرياضة، إذ إنّها تعطي الطفل دفعة إضافية في ما يتعلّق بالتطوّر الدماغي.

إنّ تأثير التمارين الرياضية التي تقوم بها المرأة الحامل في جنينها ليس بالأمر المستغرب، نظراً لمدى تشابك أعضائهما الجسدية. على سبيل المثال أظهرت الدراسات السابقة أنّ دقات قلب الجنين ترتفع بالتزامن مع ارتفاع دقات قلب أُمِّه عندما تمارس الرياضة، ويكون الأمر وكأنّ الجنين نفسه يقوم بالنشاط الرياضي. نتيجة لذلك، يعتقد العلماء أنّ هناك اتجاهاً لأن يكون لدى الأطفال المولودين للأُمّهات اللواتي يمارسن الرياضة أثناء فترة الحمل، أنظمة قلب وأوعية دموية أكثر قوّة من هؤلاء المولودين للأُمهات اللواتي لا يمارسن الرياضة أثناء فترة حملهنّ.

 

- تفوُّق فكري:

إلّا أنّ المسألة المتعلقة بمساهمة الأنشطة الرياضية أثناء الحمل في تكوين وتطور دماغ الجنين، مسألة أصعب من ناحية التحديد والقياس. هناك دراسات سابقة أشارت إلى أنّ الفئران الحوامل التي سمح لها أن تسير على العجلات خلال حملها يومياً لفترات قصيرة، أنجبت صغاراً أخذت تتصرّف بدرجة أعلى من الذكاء والحذق في مراحل الطفولة الأولى، إذ أخضعت هذه الفئران الوليدة إلى اختبار للذاكرة، حيث كان عليها أن تتعرّف على أجسام غريبة وضعت في بيئة مألوفة، وقد نجحت في ذلك أكثر بكثير من الفئران المولودة لفئران لم تكن تقوم بأيِّ نشاط رياضي أثناء فترة حملها. وقد حافظت تلك الفئران على تفوقها الفكري خلال فترة الرشد (مما يعني بالنسبة للفئران بعد بضعة أسابيع).

ولكن هذه الدراسات، بالإضافة إلى دراسات أخرى، أُجريت على حيوانات بدلاً من الإنسان. كما بدأت العديد منها بمقارنة القدرات الفكرية لدى صغار الحيوانات عندما كبرت إلى درجة أصبحت قادرة على التحرك والتجاوب مع ما يدور حولها مما لا يسمح بالتمييز بين تأثرها ببيئتها الخارجية الحالية وتأثرها بالبيئة التي كانت تحتضنها في رحم أُمّها.

ولذلك من أجل القيام بدراسة تكون نتائجها موثوقة بشكل أكبر، استعان بعض الباحثين في جامعة مونتريال بكندا أخيراً بمجموعة من النساء الحوامل اللواتي كنّ في الفترة الأولى من حملهنّ، أي في الأسبوع الثالث عشر منه. كان جميع هؤلاء النساء شابات ويتمتعن بصحّة جيِّدة، كما كنّ في تلك الفترة يتبعن أسلوب حياة متطابق تقريباً. ولم تكن أي منهنّ من الرياضيات أو اللواتي يقمن بنشاط رياضي منتظم في السابق.

ومن ثمّ تمّ تقسيم النساء إلى قسمين: قسم كان عليه أن يدخل في برنامج من التمارين الرياضية يبدأ في المرحلة الثانية من الحمل، وكان على القسم الثاني أن يمتنع عن القيام بأي نشاط رياضي على الإطلاق. طلب من النساء في الفريق الأوّل أن يقمن بالتمارين الرياضية المعتدلة مثل المشي أو الهرولة أو السباحة لمدة عشرين دقيقة ثلاث مرات في الأسبوع. وكان على جميع النساء في كلا الفريقين أن يزرن المختبر في الجامعة في نهاية كلّ شهر من فترة حملهنّ المتبقية لمراقبة لياقتهنّ البدنية.

وبعد ستة أشهر، أنجبت هؤلاء النساء وكان جميع مواليدهنّ بصحّة جيِّدة، ومن ثمّ طُلب منهنّ اصطحاب أطفالهنّ إلى المختبر في أقرب وقت ممكن. وعندما بلغ عمر هؤلاء الأطفال 12 يوماً، وضعت على رأس كلّ منهم قبعة صغيرة موصولة بأسلاك كهربائية لمراقبة النشاط الرياضي في الدماغ. ومن ثمّ بدأ الباحثون إرسال موجات من الأصوات الخفيفة والمنخفضة التي كانت تتكرر خلال فترات قصيرة تتداخلها أصوات غريبة وأكثر قوّة.

 

- الأدمغة المتطوّرة:

تقول إليز لابونت لومواين، الباحثة التي كانت تقود الدراسة في جامعة مونتريال، والتي عرضت نتائج هذه الدراسة في الاجتماع السنوي لجمعية العلوم العصبية: "إنّنا نعلم بأنّ أدمغة الأطفال تتجاوب مع مثل هذه الأصوات من خلال ارتفاع في أنواع معينة من الأنشطة الدماغية". وتابعت: إنّ "أكثر ما يظهر هذا الارتفاع في الأدمغة غير الناضجة ويتراجع مع تطوّر التركيبة الدماغية، وذلك لأنّ الأدمغة المتطوّرة تستخدم كمية أقل من الطاقة لتميز بين الأصوات".

وفي ما يتعلق بالأطفال الذين يخضعون للدراسة، كان النشاط الدماغي ذو الصلة يرتفع بشكل كبير استجابة للأصوات الجديدة، خصوصاً في أدمغة الأطفال الذين لم تؤدِ أُمّهاتهم أي نشاط رياضي خلال فترة الحمل؛ ولكن هذه الاستجابة كانت غير ملحوظة تقريباً في أدمغة الأطفال أولاد الأُمّهات اللواتي مارسن الرياضة في حملهنّ. في الجوهر، كانت أدمغة أطفال الفريق الثاني أكثر نضجاً. وفقاً للسيِّدة لابونت لومواين هذا الأمر في غاية الأهمية، لأنّ التمييز بين الأصوات هو أساس تعلُّم النطق وأساس لفهم الأصوات المحيطة بنا.

ولكن فريق الباحثين يقر بأنّ كيفية إعادة تكوين الدماغ بالأنشطة الرياضية التي تقوم بها الأُم في أثناء فترة الحمل، لا تزال غير معروفة، بما أنّه، على خلاف نظام الدورة الدموية المرتبط بنظام الدورة الدموية للجنين، لا يوجد هناك رابط مباشر بين دماغ الأُم ودماغ جنينها؛ ولكنّ هناك نظريات تشير إلى أنّه عندما تقوم الأُم بالنشاط الرياضي تفرز مجموعة من المواد الكيميائية بما فيها العديد المرتبطة بصحّة الدماغ التي يمكنها أن تدخل إلى الدورة الدموية لديها، وبالتالي تمتزج مع دم جنينها.

ولكن هذه الفرضية لا تزال نظرية حتى الآن، كما أنّه من غير الواضح ما إذا كان التطوّر الدماغي المبكر للمواليد الجدد من أُمّهات بذلن نشاطاً رياضياً في أثناء الحمل سوف يستمر خلال حياتهم. ولذلك تنوي السيِّدة لابونت لومواين وفريق عملها إخضاع هؤلاء الأطفال لاختبارات فكرية في فترات لاحقة من حياتهم.

ولكن حتى الآن الرسالة واضحة "إذا مارست الأُم الحامل الرياضة يمكنها أن تعطي طفلها ميزة إضافية في ما يتعلق بالنمو الدماغي". لا يضمن ذلك أن يصبح المولود الجديد أينشتاين المستقبل، وإنما قد تكون الرياضة الخطوة الأولى إلى هذا الاتجاه.►

ارسال التعليق

Top