سناء ثابت
بالنسبة إلى بعض الناس، فإنّ الحديث عن والديهم، عن عائلتهم، عن الوسط الاجتماعي الذي جاؤوا منه، يُشكِّل مصدر إحراج لهم. فمن أين يأتي هذا الإحساس بالحرج الذي يحرجون من التعبير عنه، ولماذا هذا الإحساس بالإذلال وتأنيب الضمير في الآن نفسه؟ وكيف يمكن للإنسان أن يتحمّل ثقل أصوله كيفما كانت؟
"يجتاحني ذلك الشعور بالحرج عندما أكون مع زوجي في زيارة إلى بيت أهلي" تقول ليلى (31 سنة، ممرضة)، وتضيف: "الديكور العتيق في بيتنا والسيارة المعطوبة التي أكل عليها الدهر وشرب، تلك الأواني المقلوبة دائماً على المائدة، تلك البرامج التافهة التي يتابعونها.. عائلتي هي النقيض التام لعائلة زوجي المثقفة والراقية.. فعلى الرغم من أنّ حال أهلي لا تثير لدى زوجي سوى إبتسامة، إلا أنّ هذا يزعجني كثيراً ويجعلني محرجة. ومع ذلك، فأنا أصمت ولا أعبِّر عمّا أشعر به".
بالنسبة إلى المعالج النفسي مورين بوجن، فإنّ "هذا الإحساس الحميم والغامض يبقى في أغلب الأحيان مكتوماً، ولا يتم التعبير عنه للآخرين". كأنّنا نشعر بالإحراج من كوننا شعرنا بالإحراج، يخشى المرء أن يحتقره الآخرون على كونه شعر بالإحراج من أصله.
"يقترن الشعور بالحرج أو العار بالشعور بالخوف والغضب" تقول المحللة النفسية كاثرين إيملي بيريسول، وتشير إلى أنّ هذا الشعور "هو نتيجة الخوف من أن يحتقره الآخرون أو يتوقفوا عن حبّه".
وفي الحقيقة، إنّ لك الخوف يطفو على السطح عندما نتواجه مع الآخرين، في المجال الدراسي أو المهني أو العاطفي، وتقول بيريسول: "تعود جذور هذه المشاعر السلبية إلى تجارب عاشها الشخص بالفعل، عندما كان صغيراً، أثناء طفولته وخاصة في المدرسة، عانى التمييز، أو عندما رأى والديه يتعرّضان للإذلال، عندما بدأ يدرك معنى أن كون الإنسان مختلفاً عن الآخرين، هو أمر قد تكون له نتائج مؤلمة".
- لا أعرف أين هو مكاني
من وجهة نظر مورين بوجن، فإنّه "وراء هذا الشعور بالحرج يكمن تفاوت ما بين شخصنا نحن، أو الشخص الذي أصبحناه، وبين الوسط الذي جئنا منه ونشأنا فيه. ومن هنا يأتي شعور المرء بأنّه ليس أبداً في مكانه، وبأنّه لا يستحق ما لديه أو أنّه يخون أصله عندما يتساءل: مَنْ أكون؟". ولكن، مهما كان مصدر حرج الشخص من أصله (اسم العائلة أو الوسط الاجتماعي أو لون البشرة)، فإنّ هناك آلية دفاع تستغل، قوامها الكذب وإخفاء الحقائق أو حتى قطع الصلة مع الأهل بحثاً عن هوية جديدة أكثر مثالية، لأنّه وكما يُوضِّح العالم والمُحلِّل النفسي كلود جنين، فإنّ "الإحراج عادة ما ينمو في الفجوة الموجودة بين الأنا والأنا المثالي، الذي نسعى من دون وعي إلى الوصول إليه، والذي يبقى في الواقع غير مرتاح".
- لا أجرؤ على تخطي والدي
تبقى الطبقة الاجتماعية واحدة من أسباب الإحراج الرئيسية، فما الذي يخفيه هذا؟ "حقيقة تخطي الوالدين تحيلنا إلى عقدة أوديب، تلك اللحظة التي يضطر فيها الطفل لكي يتطور إلى أن يتساوى مع ثمّ يتجاوز الأب" كما يقول كلود جنين. وعندما نصبح بالغين، فإنّ الجزء الطفولي الذي نحتفظ به عن لاوعي في داخلنا يدين ذلك، حيث يقول لنا: "مَن تحسب نفسك؟ فينتج عن ذلك حرج وشعور بالذنب". وبالنسبة إلى المعالج النفسي، فإنّ رد الفعل هذا "هو رد فعل طبيعي بشري"، حيث يقول: "جميعنا، ومن دون أن نعي ذلك، نشعر بالحرج من أصولنا، بل من أصلنا، فنحن جميعاً ناتجون عن "خطيئة أصلية"، أي نحن كلنا ثمرة علاقة جنسية بين رجل وامرأة.
- ما العمل؟
السياق أمر مهم جداً، ذلك أنّ "بعض الأصول يمكن تحملها بشكل أسهل اليوم مما كان عليه الأمر بالأمس"، يقول المعالج النفسي مورين بوجن. ويضرب مثالاً على ذلك قائلاً: "أن يكون المرء إبناً غير شرعي، كان أمراً منبوذاً في مجتمع آبائنا وأجدادنا أكثر مما هو الأمر عليه في مجتمعنا الحالي. بالتالي، إنّ نظرة الناس إلى الأصول، تتحدد من خلال إعادة بناء الأحداث في السياق الحالي، فيكتشفون أنّ الإدانة لم يعد لها معنى وأنّها هكذا تصبح نسبية".
- كن المتحكِّم في حرجك
ما الذي أو مَن بالضبط الذي يشعرني بالحرج؟ مَن ومتى يقول ماذا أو يفكِّر في ماذا؟ ما الذي يزعجك بالضبط في ذلك؟ من وجهة نظر المعالجة النفسية كاثرين إيملي بيريسول، فإنّ الإجابة عن هذه الأسئلة "تمكن من الإبتعاد عن هذا الشعور بالعجز الذي يشعر به أولئك الذين يشعرون بالحرج، أي أولئك الذين ليس بيدهم شيء ليفعلوه حيال ذلك". هذا يمكننا أيضاً من استرجاع ما هو لنا، أي عواطفنا السلبية، "وهي العواطف التي يمكننا العمل عليها، من أجل فهمها وتقبلُّلها"، كما تؤكد بيريسول.
- العمل على تطوير الذات
"إنّ الشعور بالحرج أو بالعار، إذا كان مرتبطاً بالطبيعة الإنسانية، يمكن أن يتحوّل إلى قوّة هدّامة من حيث إنّه يسيطر على الشخص ويجعله يتعذّب ويعاني دون جدوى" كما يقول المحلل النفسي كلود جانين. ويضيف: "يمكن العمل التحليلي من فهم من أين يأتي هذا الشعور بالذنب، وذلك للتخفيف من أثره وتسهيل تحمله من قبل صاحبه".
ارسال التعليق