• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

وسائل للحَد من آلام المخاض

وسائل للحَد من آلام المخاض
    الإنجاب نعمة تتمناها الأسرة كلّها، وتسعَى وراءها. والولادة حدث سعيد، يترقّبه الزوجان بفارغ الصبر. لكن ألم المخاض هو الوجه الآخر من العملة.

فهل يمكن تفاديه، أو أقله تخفيف حدته؟ ثمّة تقنيات تتيح ذلك.

في أيامنا، في بلدان عديدة، بات الحديث عن آلام المخاض وعسر الولادة أشبه بذكريات من الماضي. إذ تطور الطب كثيراً في العقود الأخيرة، "فأنجب" وسائل وتقنيات طبية تُعين الحامل على الإنجاب من دون ألم، أو بألم خفيف، في حدود المطاق، هكذا، يتم اختيار الطريقة الأنسب بحسب كلّ حالة، وأيضاً تقبُّل جسم المرأة المعنية، وحالتها الصحية العامة، وخياراتها الشخصية، وربما حتى معتقداتها الدينية أو توجهاتها "الفلسفية". وبطبيعة الحال، فإنّ تقنية حقن الحامل، الموشكة على الوضع، إبراً تضم مواد مخدرة أو مسكنة، تشكل الطريقة الأكثر انتشاراً. ومن أهم هذه الوسائل التخديرية، نشير إلى:

1-  تخدير فوق الجافية (ما يسمّى "Epidural" بالإنجليزية، و"Peridurale" بالفرنسية). وهي ربما التقنية الأكثر استخداماً، في معظم أنحاء العالم. وتنصب على نفث مخدر خاص، بوساطة قسطرة خاصة تغرز في أسفل الظهر، من أجل تخدير موضعي يتيح للأُم البقاء صاحية، والتمتع بعيش اللحظة الحاسمة بشكل "حي" ومباشر، نعني لحظة الإطلاق وخروج وليدها إلى الحياة، فتقبّله وتضمّه. كما تظل الأُم قادرة على تحريك طرفيها السفليين، إنما من دون التألم من الانقباضات. وثمّة تقنية فرعية، تُدعى "تخدير فوق الجافية الذاتي"، أو "الطّوعي"، قائمة على أساس ترك الخيار للحامل لتحدي الجرعة اللازمة من المخدر، بوساطة عتلة ترفع مستواها أو تخفضه بنفسها، إنما تحت إشراف طبيب التخدير. ولوحظ أنّ المعنيات، في الأغلبية العظمَى من الحالات، يكتفين بجرعات أقل من تلك التي يستخدمها أخصائي التخدير. وبذا، تتيح هذه الوسيلة "توفيراً" في كمية المخدر من جهة، ومن جهة أخرى إراحة الحامل، بما أنها ترفع الجرعة أو تخفضها وفق حاجتها الحقيقية، وفي الوقت الذي تراه مناسباً.

2-  التخدير النصفي (المسَمَّى أيضاً "التخدير الشوكي" وتخدير "السيساء" وتخدير الـ"راشة"، أي النخاع الشوكي). هذه الوسيلة، المسماة بالإنجليزية "Spinal anesthesia"، وبالفرنسية "Raghianesthesie")، بخلاف السابقة، تنصب على حقن إبرة التخدير مرّة واحدة، في أسفل الظهر أيضاً، إنما في النخاع الشوكي، مروراً بثغرة واقعة بين فقرتين. ويتيح ذلك تخديراً موضعياً محدود المدة، يدوم عموماً نحو ساعتين اثنتين. وفضلاً عن ذلك، قد تنجم عن هذه الوسيلة آثار جانبية، منها الإصابة بالصداع، والدوار، وأحياناً هبوط ضغط الدم، لذا، لا يختارها أطباء التخدير سوى في حال تعذر استخدام الطريقة السابقة، أي التخدير فوق الجافية.

3-  حقن مسكّن "بيثيدين Pethidine" (يدعى أيضاً "ميبيريدين Meperidine" و"أيزونيبيكين Isonipecaine"). هذا المسكن، المعروف تجارياً بماركة "ديميرول Demerol"، مركّب أفيوني يُصنع مختبرياً، وهو يشبه المورفين إلى حد كبير، وينفع في تسكين الآلام متوسطة الشدة والشديدة، أياً كانت مسبّباتها، بما فيها الولادة. كما يُستخدم قبل التخدير العام (البنج)، وأثناءه وبعده، في العمليات الجراحية الكبرى. فهو "يغلق" مؤقتاً الناقلات الحسية العصبية المسؤولة عن إيصال الإحساس بالألم إلى الدماغ. لكن عواقبه وتأثيراته الجانبية كثيرة، إذ غالباً ما يؤدي إلى الغثيان، والتقيؤ، وهبوط ضغط الدم عند الأُم، فضلاً عن ضيق التنفُّس عند الطفل.

4-  استخدام "غاز الضحك" (أوكسيد النتروس). وهذه ليست دعابة. إذ يعمد بعض الأطباء فعلاً إلى هذه الوسيلة. فالغاز يفضي إلى نوبة ضحك، وهذه لا تخفف الألم في حد ذاتها، إنما تُرغم الحامل المنجبة على التركيز على شيء آخر، ما ينسيها وجع المخاض. لكنها طريقة هامشية حقاً، لا يلجأ إليها إلا عدد ضئيل جدّاً من الأ"باء، بموافقة مراجعاتهنّ طبعاً.

 

وسائل "ناعمة":

عَدَا عن التخدير، ثمّة وسائل أخرى، أقل انتشاراً، لكن يُوصي بها عدد مُتزايد من الأطباء والطبيبات، على أساس أنها أقل تبعات من الطرق التخديرية الكلاسيكية. إلى ذلك، فإنّ هذه الوسائل "الناعمة"، بمعنى لا تستخدم مواد مخدرة قوية، تناسب الأُمّهات الراغبات في عيش لحظة الإنجاب بشكل تام، والمشاركة الفاعلة في عملية الوضع. ومن بين تلك الوسائل، هناك الآتي:

1-  الغرز بالإبر (وفق الطريقة الصينية التقليدية، المسماة "acupuncture" باللغات الأجنبية). إذ يُسهم غرز الإبر في إرخاء عضلات منطقة العجّان وعنق الرحم، مع تخفيف حدة الألم بشكل جزئي، إنما من دون القضاء عليه تماماً.

2-  المعالجة المثلية بالإنجليزية "homeopathy". هذا النهج، الذي يدخل في إطار "الطب البديل" غير الرسمي، يَنْصَبُّ على إمكانية شفاء أي مرض باستخدام كميات ضئيلة من المواد التي تُولّد في جسم شخص سليم، أعراضاً مشابهة لأعراض مرض المصاب. في حال الإنجاب، تلجأ بعض الحوال، لاسيّما في أوروبا، إلى مراجعة طبيب متخصص في المعالجة المثلية، أسابيع قبل الولادة، فيضع لها برنامجاً خاصاً بها، يُعين جسمها على تَقبُّل الإنجاب، وتخفيف الإحساس بالألم. ولا تُوجد وصفات شاملة، بمعنى تفي بالغرض لكلِّ المراجعات، إنما يتعيّن على الطبيب دراسة كلّ حالة على حدة، والتصرّف وفقها.

وفي الحديث عن المعالجة المثلية"، ينبغي القول، إنّ "شعبيتها" مُتزايدة، منذ أواخر القرن الماضي في أوروبا الغربية والولايات المتحدة. على الرغم من ذلك، لا تعود تقنية "هوميوباثي" هذه للقرن الماضي، إنما لنهاية القرن الثامن عشر، تحديداً عام 1796، حيث استنبطها طبيب ألماني يدعى صموئيل هانمان (1755-1843). واستند هانمان إلى مبدأ "التماثل" (أو "التشابه") بين الأمراض، من جهة، ومن جهة أخرى ضرورة مواجهة كلّ حالة مرضية على حدة، ودراستها بشكل يختلف عن أي حالة أخرى. بالتالي، إيجاد العلاج المناسب بشكل منفرد لكلِّ مريض. لذا، تعدّ "المعالجة المثلية" بالأحرى باهظة الكلفة، ولا تغطيها معظم مؤسسات الضمان الصحي.

3-  الوسائل "الحركية": ومنها "التدليك الطبي الخاص" (kinesiotherapy)، و"المعالجة اليدوية" (بالإنجليزية "chiropractic" وبالفرنسية "chiropraxie"). وهناك أيضاً تدليك عضلات الجسم والوجه، وعظامهما وأطنابهما، بشكل مُعيّن ويخضع لمبادئ تقنية علاجية حديثة غير تقليدية تسمّى "osteopathy". ومن هذه، هناك تقنية أخرى، تتفرع منها إنما تختلف عنها إلى حد ما، تدعى "etiopathy". وهذه الأخيرة تجمع بين تقنية "أوستيوباتي" المذكورة، حديثة العهد، ووسائل "التجبير" والمجبّرين" القديمة. في أي حال، تنفع تلك الوسائل "الحركية"، بشكل عام، في تهدئة ألم الانقباضات، إنما لا تقضي عليه. لكن، تُفضّل بعض الحوامل تلك الحركات اليدوية على التخدير. وفي أوروبا بشكل خاص، يتزايد عدد من يلجأن إلى التقنيات الحركية هذه، بدلاً من التخدير.

4-  التنويم المغناطيسي: أجل، ثمّة حوامل يلجأن إلى التنويم المغناطيسي الذاتي (أي أنهنّ ينومن أنفسهنّ بأنفسهنّ مغناطيسياً، قبيل بدء الوضع. وهذا يُسهم في خفض آلام المخاض بشكل ملحوظ. لكن هذه "التقنية"، الهامشية جدّاً لا تنفع سوى مع فئة معيّنة، مُدرّبة جيداً على التنويم المغناطيسي، وتقنيات تنفُّس خاصة.

5-  الإنجاب في مغطس ماء دافئ: هذه الطريقة، هي أيضاً، بالأحرى هامشية، لا يلجأ إليها سوى عدد قليل. لكن، ثبت أنّ الماء الدافئ يُسهم فعلاً في تخفيف آلام المخاض.

وأخيراً، ينبغي التذكير بأنّ بعض الأطباء ينصحون مراجعاتهم بالتهيؤ نفسياً للإنجاب، من خلال أخذ جلسات في تقنيات معيّنة، تجمع العلمَ و"الفلسفة"، الغرض منها التشديد على ما يسمّى "التفكير الإيجابي". كما ينصحون بمتابعة جلسات في الـ"يوغا"، باعتبارها تُعين على التوفيق بين الفكر وأحاسيس الجسم، ما يُسهم في رفع قُدرات الحامل على تجاوز الألم، حتى إن كانت من أتباع نَهج نَبْذ التخدير.

 

ارسال التعليق

Top