◄يعتبر التآخي في الإسلام أمراً هاماً وحاجة لا يمكن للإنسان المؤمن الاستغناء عنها، حيث يقول الرسول الأكرم (ص): «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد فائدة الإسلام مثل أخ يستفيده في اللَّه».
فإن كون الاخوة بهذه المكانة التي تجعلها أعظم فائدة بعد الإسلام ليكشف عن جوانب عظيمة وأبعاد مختلفة يراد للمؤمن أن يحيا بها كجزء من كل، مجسداً في علاقته مع الآخرين أسمى المعاني التي تسير به نحو الكمال الذي ينشده ليلاً ونهاراً. كما جاء عن الصادق (ع): «المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدة فيخلفه».
وليس اتخاذ الاخوان أمراً يمكن الزهد فيه أو الاقتصار على فردين أو ثلاثة، بل طالما أمكن ذلك وتيسّر فإن الواحد منايجدر به أن يبادر مع مراعاة موازين الإخاء وسلوك الطريق الصحيح في الاختيار إلى إضافة اسم جديد للائحة اخوانه في اللَّه رامياً إلى اكتساب ثمرتين أولاهما في الدنيا وثانيتهما في الآخرة ومما ورد في الحث على الاستكثار قول رسول اللَّه (ص): «استكثروا من الاخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة».
ويبرز عنصر جميل في التآخي هو السكينة والاطمئنان، لأن المؤمن يشعر شعوراً صادقاً براحة نفسية مع أخيه المؤمن كأنه المبحر في أمواج هائجة وقد وصل إلى شاطئ الأمان، أو كأنه التائه في الصحراء مع حرّ الظمأ وقد انتهى إلى ريّ الماء، في الحديث: «إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن الظمآن إلى الماء».
وعن الصادق (ع): «لكل شيء يستريح إليه وإن المؤمن ليستريح إلى أخيه المؤمن كما يستريح الطير إلى شكله».
ومن منا لا يرغب بهذه الراحة التي لو لم يكن للإخوة فائدة غيرها لكفت وأغنت، فكيف إذا كان لها من الثمرات ما لا يمكن عدّه وإحصاؤه من قبيل ما جاء في الحديث: «من استفاد أخاً في اللَّه عزّ وجلّ استفاد بيتاً في الجنة».
أو قوله (ص): «النظر إلى الأخ توده في اللَّه عزّ وجلّ عبادة».
دور التآخي في بناء الفرد:
إن للأخوة الدينية دوراً رائداً في بناء الشخصية المؤمنة، حيث تساعدها على الاتصاف بمجموعة من الفضائل وتشعرها بمسؤولية ولو على نطاق خاص انطلاقاً من معرفة ما لها من مدلول وعمق في الإسلام فيعرف الإنسان قدره من خلال معرفة قدر أخيه وما له من حق عليه، ويكون الالتزام بآداب العلاقة مع الآخرين باعثاً على إنتاج صورة متكاملة ومسلك مستقيم، أول المستفيدين منه صاحب هذا الدور مع ما يتركه من ذكر حسن وسمعة طيبة إن هو بقي على ما بدأ عليه في بداية الطريق، لذلك من وصف بأنه أخ حقاً وصدقاً، بحيث أنه أقام حدود الإخوة وراعى حقوقها والتزم آدابها فهو على الصعيد الفردي في سعادة وتقدم دائمين بيد أنه سيفتح له النجاح في هذه المدرسة الأخوية نجاحاً في مدارس ومجالات أخرى ربما اتسعت ميادينها إلى ساحة حياته جمعاء، وأما إذا لم يوفّق لاكتساب الأخوان وفشل في هذه المهمة التي تعتبر مفصلاً في دورة حياته، فإن ذلك ما سيترك عوامل سلبية ونتائج غير مرضية سرعان ما تظهر في كثير من قضاياه وربما حوّلتها إلى مشاكل مستعصية سيّما أن هذا العجز ليس بالشيء الذي يمكن التغاضي عنه وقد اعتبره أمير المؤمنين عليه السلام خطيراً ووصف صاحبه بأعجز الناس يقول عليه السلام: «أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم».
وهنا أوضح عليه السلام أن هناك صنفاً من الناس تكون درجة العجز لديهم أكبر وأخطر من الصنف الآخر وهم الذين لا يحسنون الاستمرار مع الآخرين في العلاقة الاخوية بعدما أن كان بينهم في بداية أمرهم ترابط وتازر ولكن ضاعت المودة وعادت كأن لم يكن بينهما شيء أو كأن الزمان لم يكن لأيامه ولياليه وجود ينبّههم إلى ما أنساهم الشيطان، وما هذه الظاهرة بعزيزة في الحياة، فكم نشاهد شخصين دامت العلاقة بينهما سنين عديدة ثم افترقا إلى غير رجعة حيث أخذت العداوة بينهما مأخذها وأبدت ثغرات، أحكم من خلالها غلق الباب الذي منه يسري نسيم المودة وتدوم ذكريات التعاون وهنا إذا قصرنا النظر على الجوانب السلبية في حدود ما تتركه هذه الأزمة من مشاكل على الصعيد الفردي بحيث لا يقر لشخصية الإنسان المؤمن قرار ولا يهدأ له بال حتى في علاقته مع اللَّه تعالى فيتخبط قائماً وقاعداً يستحضر ما لديه من الكم الهائل من سيرته مع أخيه سواء في محطاتها الجميلة التي يؤدي تذكرها إلى الرغبة والشوق لإعادة المياه إلى مجاريها وتجديد العلاقة معه، أو في المحطات السيئة وكان السوء صادراً من طرفه وليس من طرف أخيه فيؤدي ذلك إلى الندم والمؤاخذة ليظلّ معذباً وهو يقارن بين فترة المواصلة وفترة المقاطعة. فيتضح أن التخلي عن الأخ والزهد فيه هو عامل هدّام في حياة الفرد كما كان التآخي عاملاً بناءً على هذا الصعيد، فقد جاء عن مولانا الصادق عليه السلام في الحث والتأكيد على طلب المؤاخاة قوله عليه السلام: «واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض وإن أفنيت عمرك في طلبهم، فإن اللَّه عزّ وجلّ لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيين، وما أنعم اللَّه على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق لصحبتهم».
فنعمة مصادقة الاخوان هي نعمة إلهية لا مثيل لها على الإطلاق.
دور التآخي في بناء المجتمع:
إن اللَّه تعالى يحب لنا أن نعيش متماسكين، يساعد بعضنا بعضاً وليس أشتاتاً متفرقين قد ذهبت بنا المذاهب كلّ مذهب، فضاعت الأهداف ومعها فقدنا السبل والوسائل إليها، ولا يتصور مجتمع واحد يشترك أهله في تحمل شؤونه وشجونه، وهو لا تحكمه روح المؤاخاة، بل لو سادت روحية الاخوة فيه شكلاً لا مضموماً ومظهراً لا جوهراً كذلك لا يقدر لهذا المجتمع النجاح، فحتى يؤتي أكله ويتجه إلى حيث أراد اللَّه تعالى له لا بد أن تكون الأعمال ترجمان الأقوال، والمواقف معربة عما تحويه الضمائر وتكنّه السرائر فترى من يتغنى بالصلة المميّزة مع فلان من الناس ويعتبره أخاه، هو لا يخذله في وقت الشدة ولا يتركه للدهر فيكون عوناً له على الدهر لا عوناً للدهر عليه وكذلك من يكثر الثناء والمديح أو ابداء الاعجاب بشخص ما لما يتحلى به من صفات، لا يترك زيارته إذا مرض ولا السؤال عن حاله فيؤلمه ما آلمه ويسعده ما أسعده.
وهنا يتجلّى الدور الفعّال للتآخي في الحياة الاجتماعية، إذا قام كل فرد بما توجبه عليه أخوته الإيمانية اتجاه الآخرين يقول الصادق (ع): «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإن روح المؤمن أشد اتصالاً بروح اللَّه من اتصال شعاع الشمس بها».
فالتآخي مما يكسب المجتمع قوة في جوانب عديدة منها:
1 القدرة العالية على تجاوز ما يعصف به من ملمّات صعبة وفتن ومحن.
2 الارتقاء إلى قمة البذل والعطاء والايثار.
3 توحيد المنطلق الإيماني في النظرية والتطبيق.
4 سيادة روحية الجماعة واضمحلال روحية الفرد والشخصانية.
5 الحصانة الأخلاقية في اتجاهاتها الثلاثة مع اللَّه تعالى ومع الناس ومع النفس.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق