• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإنفاق الأسري.. ضوابط ومحاذير

الإنفاق الأسري.. ضوابط ومحاذير

الأسرة مؤسّسة اجتماعية من أهم وأخطر المؤسّسات الاجتماعية وأكثرها تأثيراً في الحياة البشرية، فعليها مسؤوليات إنسانية كُبرى؛ لذا شرّع لها الإسلام القوانين والأحكام والأخلاق والوصايا والتعاليم، لترسيخها وتنميتها، والحفاظ على سلامة بنائها أو أدائها الوظيفي في المجتمع..

    فالأسرة هي اللّبنة الأساسية في بناء المجتمع، وهي المصنع المسؤول عن بناء الإنسان، وإنّ صلاح الأسرة صلاح المجتمع، وفسادها فساد للمجتمع.. وتشترك عناصر عديدة في بناء الأسرة وتطوّرها واستقامة وضعها واستقرارها، وأبرز هذه العناصر: عنصر القانون والنظام، والمال والاقتصاد، والعواطف والمشاعر، والأخلاق والأوضاع النفسية السائدة فيها، ونمط الثقافة والتربية والتكنولوجيا المستخدمة في حياة الأسرة..

    فكلّ هذه العناصر تؤثِّر في بنائها الداخلي إضافة إلى تأثير الظروف المحيطة بها: كالمجتمع والدولة والإعلام والتحوّلات البشرية في العالم الخارجي.. ويُشكِّل العامل الاقتصادي ودخل الأسرة ركناً أساساً في بناء الأسرة وتطويرها وإصلاحها، وتفادي الكثير من المشاكل.. ويأتي الإنفاق وتنظيم الميزانية في الدرجة الثانية بعد موارد الأسرة ودخلها..

    إنّ تنظيم ميزانية الأسرة (المورد المالي والنفقة والتوفير) أمر ضروري لتنظيم وضعها بشكله العام، بل ويؤثِّر التنظيم سلباً وإيجاباً على وضع الاقتصاد العام للدولة والمجتمع..

    إنّ اقتصاد الأسرة في عالمنا الإسلامي هو اقتصادي عفوي بصورة عامّة لا يخضع للدراسة والتخطيط، ويرتبط بميول أفراد الأسرة واتجاهاتهم الخاصّة..

    إنّ الإسراف والتبذير أو التقتير، أو العفوية والارتجال في الصّرف، أو الإتِّكالية وعدم البحث عن مصادر كافية للرِّزق ولسدِّ احتياج الأسرة.. كلّ هذه الأسباب تعود على اقتصاد الأسرة بالسلبية والتدهور والفقر والحاجة.. وبالتالي تتأثّر مقوّمات الحياة الأسرية جميعها.

    وبسبب تدهور اقتصاد الأسرة، تنشأ المشاكل والخلافات الأسرية بين الزوج والزوجة أو الأب والأبناء، بسبب الحاجة والبطالة وضيق النفقة، ومنها تشرّد الأبناء، وربّما سقوط البعض منهم في الانحراف الأخلاقي والسلوكي؛ كالتسوّل والسّرقة والإحتيال وممارسة الفاحشة... إلخ. ومن ثمّ الجريمة والسجون والعذاب.. ومنها التخلّف الدراسي والتعليمي والصحِّي للأبناء..

    إنّ الأسس العلمية التي تُنظِّم إقتصاد الأسرة هي:

    1- العمل والكسب والإنتاج وتحصيل المال الكافي لأوضاع الأسرة.

    2- تنظيم النفقة.

    3- الإدِّخار والإحتياط للمحتملات.

    إنّ اقتصاد الأسرة يعاني من العناصر الآنفة الذِّكر جميعها.. فالاتِّكالية والبطالة واللامبالاة بالمستوى المعاشي للأسرة من قِبَل بعض الآباء والأزواج والأبناء، ينعكس سلباً على وضع الأسرة المعاشي والنفسي والسلوكي.. لذا أوجبت الشريعة الإسلامية الكسب والعمل وطلب الرِّزق من أجل توفير العيش الكريم، كما أوجبت النّفقة على الأبناء الصغار والزوجة والأبوين العاجزين.. وأوجبت على بيت مال الدولة النفقة على مَن لا مُعيل له، ومَن لا يكفيه مورده السنوي..

    وتنظيم النفقة في الأسرة من أهم عناصر الاستقرار الاقتصادي وتوجيه المورد بشكل متوازن يُسيِّر شؤون الأسرة، ويُغطِّي الحاجة فيها..

    فأوّلاً، لابدّ من أن يعمل كلّ قادر على العمل في الأسرة، فلا يكتفي الأبناء بعمل الأب، ويصبح المعيل الوحيد للأسرة، كما أنّ الزوجة التي بإمكانها أن تعمل عملاً مناسباً، بالتوافق مع زوجها، عليها أن تعمل من أجل توسعة الرزق، وتنمية مورد الأسرة..

    وصاحب المرتّب التقاعدي الذي لا يكاد يسدّ أبسط متطلّبات الأسرة، من الضروري له، إن كان مستطيعاً أن يعمل عملاً إضافياً..

    فالقيَم الإسلامية تعتبر التوسعة على العيال أفضل من الصدقة.. وتعتبر الكسب وطلب الرِّزق جهاداً وعبادة..

    جاء في الحديث النبوي الشريف: "التوسعة على العيال أفضل من الصدقة".

    وجاء في الأحاديث الحثّ والوعد بالأجر والثواب لمن يحمل لعياله الهدايا وما يسرّهم ويفرحهم.

    إنّ النفقة في كثير من الأسر تواجه مشاكل خطيرة، أهمّها:

    1- عدم الاهتمام بتوفير حوائج الأسرة: وكما قدّمنا، فإنّ الشريعة الإسلامية اعتبرت الكسب وطلب الرِّزق من أجل العيش الكريم عملاً واجباً، كما أوجبت على الدولة سدّ احتياجات الأفراد والأسر من بيت المال. فقد شرّع القرآن الكريم القوانين والنّظم والمفاهيم المالية.. وأوجبت الشريعة الإسلامية على الزوج والأب النفقة على الزوجة والأبناء الصغار، كما أوجبت النفقة على الوالدين العاجزين عن توفير احتياجاتهم المعاشية..

    2- والدراسة الميدانية تؤكِّد ظاهرة الاتكالية والبطالة، وعدم المبالاة بالكسب والعمل.. فنجد نسبة عالية من الأزواج والآباء والأبناء القادرين على العمل يعيشون حالة البطالة أو يكتفي بأقلِّ الموارد التي تسدّ حاجة أسرته، ويتّكل على مورد أو مساعدة من الآباء أو الأقرباء.. إلخ، أو المساعدات الاجتماعية، ممّا يجعل الأسرة في ضيق معاشي وظروف نفسية ومعنوية مادية صعبة، فتتحوّل الأسرة إلى بؤرة مشاكل وخلافات، أو تُعرّض للانحلال والطلاق، أو تشرّد الأبناء، أو حتى السقوط الأخلاقي في الكثير من الحالات..

    لذا جاء في الحديث النبوي الشريف: "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله".

    إنّ توفير النفقة المتوازنة على الأسرة التي تُغطِّي حاجتها وتحقِّق سعادة الأسرة وتقدّمها وتماسكها، وتفسح المجال أمام الأبناء لأن يشقوا طريقهم في مسيرة الحياة.

    2- الإسراف والتبذير: إنّ من المشاكل الأساسية أيضاً في اقتصاد الأسرة، هي مشكلة الإسراف والتبذير، سواء من الآباء أو الزوجات أو الأبناء.. فالأسرة التي لا تنظِّم نفقاتها بشكل متوازن مع دخلها.. فتنفق بشكل غير متوازن إنفاق إسراف وتبذير، تضع نفسها في أزمات اقتصادية، كالديون أو بيع بعض الممتلكات والمدخرات الضرورية، أو مواجهة الحاجة والضِّيق.

    ويأتي الإسراف والتبذير من الآباء أحياناً الذين لا يحسنون التصرف بالمال، أو من الزوجات المسرفات والمبذِّرات، أو من الأبناء العابثين..

    والإسلام إذ يُحرِّم الإسراف والتبذير ويدعو إلى الاعتدال والتوازن في النفقة، إنّما يريد حماية الأسرة والمجتمع من الفقر والحاجة.

    جاء ذلك في الحديث النبوي الشريف: "ما عال مَنِ اقتصد".

    وجاء في وصيّة الإمام علي (ع) لابنه الحسن: "اقتصد يا بني في معيشتك، واقتصد في عبادتك...".

    وحدّد القرآن الكريم الإنفاق المتوازن من غير إسراف ولا تضييق أو شُحّ في موارد عديدة، قال تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) (الإسراء/ 29-30).

    وقال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء/ 27).

    وقال سبحانه مادحاً الإنفاق المتوازن، واعتبره صفة لعباد الرّحمن، قال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان/ 67).

    إنّ الأسرة بحاجة إلى توعية وتثقيف على الاعتدال في النفقة، وترك الإسراف والتبذير في المأكل والملبس والسفر والسياحة والأناقة والأثاث... إلخ. وإنّ من أسباب الإسراف والتبذير هو التظاهر والتنافس لالفات النظر، قناعة من البعض أنّ ذلك يعني التفوّق على الآخرين، ويُحقِّق المكانة المرموقة في المجتمع..

    ويصدر الإسراف والتبذير أحياناً من الجهل وعدم توفّر الوعي الانفاقي، وعدم معرفة قيمة المال في الحياة، أو من مرض النهم والبطر والنرجسية..

    والحديث الشريف يوجِّهنا بهديه النيِّر: "قوام العيش حُسن التقدير، وملاكه حُسن التدبير".

    3- الشّحّ والتقتير: الشّح والبُخل مرض نفسي وسلوكية مذمومة.. وعندما يكون الزوج بخيلاً وشحيحاً ومقتراً على أسرته وأبنائه إلى حد الحرمان، أو عدم إشباع الحاجة.. أو تكون الأُم شحيحة بخيلة في الإنفاق على الأبناء، عندما تكون هي المتولِّية للصّرف والنفقة..

    إنّ الحرمان وضيق النفقة مع إمكانية التوسّع وتغطية الحاجة، له انعكاساته السلبية على نفسية أفراد الأسرة: الزوجة أو الأبناء أو الوالدين والأرحام..

    إنّهم يشعرون بظلم الأب أو الأُم وبالحرمان والتقتير، مما يدفع البعض إلى الشعور بالنقص تجاه الآخرين، ونشوء ظاهرة الحسد لسواه والكراهية للآخرين، والاتجاه إلى الطلب من الأقارب والجيران والأصدقاء، مما يذلّهم ويضعف مكانتهم، وربّما اللجوء إلى السرقة والاحتيال للحصول على المال، وربّما السقوط الأخلاقي وارتكاب الجريمة عندما لا يكون هناك وازع ديني أو اجتماعي يمنع، كما يدعو الحرمان إلى كراهية الزوجة أو الأبناء للزوج أو الآباء أو الأخوة..

    فإنّهم يتصوّرونهم سبباً لحرمانهم والتقتير عليهم وإذهالهم، في حين يرون أقرانهم من البنين والبنات أو الآباء أو الزوجات يعيشون بعناية وتوسعة في العيش والنفقة..

    لذا نجد القرآن الكريم يدعو إلى الإنفاق والإحسان، ويستنكر ويُحذِّر من الشح والبخل والتقتير، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان/ 67).

    (.. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/ 9).

    (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق/ 7).

    بل واعتبر الرسول (ص) التوسعة على العيال أفضل من الصدقة، إذ قال: "التوسعة على العيال أفضل من الصدقة".

    وقال (ص) في معرض حثِّه على النّفقة والبذل: "إبدأ بمن تعول".

    وجاء في حديث نبوي آخر: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

    وجاء في حديث شريف آخر: "أهلك أحق ببرِّك".

    وجاء في الحديث الشريف أيضاً: "إنّ أحسن الناس عيشاً مَن حسُن عيش الناس في عيشه".

    وقال علي بن شعيب: دخلتُ على علي بن موسى الرضا (ع)، فقال لي: يا عليّ: "مَن أحسن الناس معاشاً؟ قلت: يا سيِّدي! أنت أعلم به منِّي، فقال: يا عليّ! مَن حسُنَ معاش غيره في معاشه.. يا عليّ! مَن أسوأ الناس معاشاً؟ قلت: أنت أعلم. قال: مَن لم يعش غيره في معاشه".

    وعن الإمام الصادق (ع) قال: "خمس خصال مَن فقد منهنّ واحدة لم يزل ناقص العيش، زائل العقل، مشغول القلب، فأوّلها صحّة البدن، والثانية الأمن، والثالثة سعة الرِّزق، والرابعة الأنيس الموافق. قلت وما الأنيس الموافق؟ قال: الزوجة الصالحة، والولد الصالح، والخليط الصالح. والخامسة، وهي تجمع هذه الخصال: الدِّعة".

    4- الإنفاق المحرّم: إنّ من أخطر ما تواجهه الأسرة في حياتها الاقتصادية، هو إنفاق الآباء أو الأبناء موارد الأسرة في اقتراف المحرّمات، كشرب الخمر والقمار والمخدّرات وارتكاب الفواحش، أو في وسائل اللّهو والعبث المحرّم..

    فالأب أو الإبن الذي يتسلّم مورده اليومي أو الشهري، ثمّ يتّجه به إلى حانات الخمور أو بيع المخدّرات، أو نوادي ودور الفجور، ثمّ ينفق ما كسبه في هذه المحرّمات، ويترك أسرته وأبناءه للفقر والحاجة والحرمان، وربّما إلى التسوّل والتسيّب والتشرّد والانحلال، فإنّه إنسان لا يشعر بمسؤولية تجاه أسرته، وليس مؤهّلاً أن يكون ربّ أسرة، فإنّه جانٍ على أسرته..

    إنّ من أولى واجبات الدولة والمجتمع هو محاربة هذه المحرّمات ومنعها، ومعاقبة مرتكبها، وإجبار مَن يمارسها على الإنفاق على أفراد أسرته الواجبين النفقة عليه..

    ومن الإنفاق الضار باقتصاد الأسرة هو التدخين.. فالتدخين بالإضافة إلى الضرر الصحي الناتج عنه، فإنّه يستهلك جزءاً كبيراً من مورد المدخِّنين الذي يضرّ بنفقات الأسرة..

    إنّ معظم المدخِّنين إنّما يستهلك مخصّصات أسرته ويحيلها رماداً، ويفرض عليها الفاقة والحرمان..

    فلو أنّ المدخِّنين فكّروا في مصلحة الأسرة، ولجأوا إلى تلك التدخين، وأنفقوا هذا المال المستهلك في التوسعة على أسرهم أو لتوفيره لمستقبل حياتهم، لكان خيراً لهم ولأسرهم..

    إنّهم يشاركون من حيث يشعرون أن لا يشعرون بحرمان أسرهم والتضييق عليهم وتحريق حقوقهم وإحالتها رماداً..

    5- عدم التحسّب للمستقبل (انعدام التوفير): ومن المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الأسرة، هي مشكلة انعدام التوفير.. فمعظم الأسر تنفق ما يرد إليها دون أن تُفكِّر في المستقبل واحتمالاته.

    إنّ بإمكان معظم أصحاب الموارد، المرتّبات الشهرية، أو الأعمال الحرّة، أو يوفِّر جزءاً من مورده لاحتياطات المستقبل.. كالمرض والشيخوخة والحوادث والطوارئ.. وكثيراً ما يتوفّر مبلغ على مرِّ السنين، يمكن أن يكون رأسمال عمل أو مشروع إنتاجي وإن كان صغيراً.. وإنّ التوفير في المصارف والبنوك أفضل من ادِّخاره في البيوت، فهذا الإدخار يوفِّر له الحفظ والاطمئنان عليه أوّلاً، وثانياً: يُساهم في تحريك عجلة الاقتصاد والإنتاج في البلاد.. كما يفسح المجال أمامه للاقتراض من تلك البنوك والمصارف وتنمية رأسماله وتسهيل حاجته المالية..

    إنّ تحويل ما يُستهلَك في التدخين أو الإسراف والتبذير أو ما يمكن أن يُستغنى عنه أو يقتصد فيه إلى الادِّخار والتوفير، سيوفِّر للأسرة رصيداً تعتمده في ظروف المحنة والحاجة، ومساعدة الأبناء على مواصلة دراساتهم، إضافة إلى اقتطاع جزء من المورد الأصل للإدِّخار والتوفير..

    إنّ من الضروري أن تدرس كلّ أسرة وضعها الاقتصادي، وتضع خطّة إنفاق متوازنة، تحسب فيها الحاضر والمستقبل، وأن تقدِّم الجانب الإنساني والأخلاقي فيها على الجانب المادي..

    

    - القناعة:

    وما دمنا نتحدّث عن اقتصاد الأسرة والإنفاق الأسري أو الشخصي، فلابدّ لنا من أن نتحدّث عن مسألة أخلاقية ونفسية، لها انعكاسات سلوكية هامّة على حياة الفرد والأسرة، إنّها "القناعة".

    في القول المأثور: "القناعةُ كنزٌ لا يفنى".

    إنّ المُسرف والهلع والنّهم والجشع والمتهالك على اللّذّة والشهوة، لا يشعر بالراحة النفسية، ولا يقتنع بما عنده؛ لذا تراهُ يحمل روح الحسد والتهالك على المادة والإشباع الشهواني والحسِّي، مما يسوقه إلى الوقوع في المعصية والمحرّم من أجل أن يُشبع شهوته أو رغباته النفسية المتهافتة..

    إنّ الإنسان الذي يعمل بكلِّ جهده المستطاع من أجل توفير العيش الكريم، يحتاج إلى القناعة، فالنفس القلقة المضطربة التي وصفها القرآن بقوله: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج/ 19-25).

    إنّ مَن يفتقد القناعة، ينساق إلى المحرّم والرذيلة؛ لذا جاء في الأحاديث الشريفة: "مَن قنعت نفسه أعانته على النزاهة والعفاف"، "مِن عزِّ النفس لزوم القناعة".

    وجاء في الحديث النبوي الشريف: "أوحى الله تعالى إلى داود (ع): وضعتُ الغنى في القناعة، وهم يطلبونه في كثرة المال، فلا يجدونه".

    وجاء أيضاً: "انظر إلى مَن هو دونك، ولا تنظر إلى مَن هو فوقك في القدرة، فإنّ ذلك أقنع لك بما قسم لك".

    وجاء أيضاً: "مَن لم يقنعهُ اليسير، لم ينفعهُ الكثير".

    وجاء أيضاً: "إنّ في ما نزل به الوحي من السماء: لو أنّ لابن آدم واديين يسيلان ذهباً وفضّة لابتغى إليهما ثالثاً".

    إنّ الجشع والهلع والتكالب على المكاسب المادية، وغياب القناعة، هي السبب في الصراع والنزاع، والحسد والانتقام، بل وفي إذلال النفس وإسقاطها، وارتكاب المحرّم والقلق، وفقدان الاستقرار والراحة النفسية.

ارسال التعليق

Top