• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المنبه.. حل جديد للطفل العنيد

المنبه.. حل جديد للطفل العنيد
   كانت إحدى الأُمّهات تهتم كثيراً بترتيب البيت وتنظيفه، وكانت كلّ الأمور تسير في البيت على ما يرام إلّا غرفة ابنها حسام، فقد كانت مثالاً لغرفة الابن المزعج، ولم يجد حسام سبباً مقنعاً لترتيب سريره فكان يقول: ما الهدف من ترتيبه ما دامت سأفسد ذلك الترتيب كلّ ليلة؟ ولم يجد سبباً وجيهاً لجمع الأشياء المبعثرة على أرضية حجرة نومه فكان يقول: أعرف مكان كلّ شيء ويعجبني منظر الحجرة هكذا، وكان لا يعلق ملابسه وكان يبرر ذلك بقوله: لا يهمني أين أتركها المهم أن أعثر على ما أريد وقتما أحب، وبالطبع لم تقتنع أُمّه بأي من هذه العلل، ولذلك كانت مشاكل غرفة حسام يوميّاً لا تتوقف وبلا هوادة، وكان حسام يرد عليها بتبجح أو يتجاهلها، وكان الأب يحتار بينهما في تلك المعارك، فتارة يناصر زوجته وأخرى يتفق مع ابنه، وطبعاً في كلّ الأحوال يخسر أحد الطرفين فكان جزاؤه أن يغضب منه الطرف الذي لم ينصره، وهنا قررت الأُم استشارة إحدى خبيرات التربية، والتي نصحتها بالتالي:

في البداية علينا أن نتفق أنّ أولويات الطفل تتعارض مع أولويات أحد والديه، فالحجرة المرتبة لا تهمه كثيراً لأنّها ستأخذ من وقت ما يحبه من لعب وتلفزيون وخروج مع أصحابه، فماذا يضيع وقته في ترتيب السرير وتعليق الملابس؟ كما أنّ هناك مشكلة أخرى:

وهي أنّ الآباء والأُمّهات قد يطلبون من أبنائهم فعل شيء ما ويتركون النهاية مفتوحة، فمثلاً يقولون له: نظف غرفتك (ولكن متى)، اكتب الواجب (وينهيه متى)، ألق القمامة (ولا يحددون وقتاً فينتظر حتى تمر سيارة القمامة)، والحل العملي بسيط جدّاً يكمن في شراء ساعة ميقاتية (منبه) واستخدامها، فعلى الوالدين أن يطلبا من الطفل إنجاز المهام في إطار زمني محدد.

 

أبي الحبيب: إذا طلبت مني تنفيذ مهمة معينة، فحدد لي إطاراً زمنيّاً، وما أجمل أن نتفاوض معاً على موعد إنهاء تلك المهام...

 

فتقول الأُم لابنها مثلاً: حسام؛ متى أتسلم منك غرفتك وقد علقت ملابسك؟ إن لم تحدد أنت موعداً فسأحدده أنا بدلاً منك، ثمّ تضبط المنبه على هذا الموعد (الذي يتفقان عليه أو تحدده هي) وتقول: عليك أن تسلمني غرفتك قبل أن يرد ذلك المنبه، وإذا جادل الطفل تضبط المنبه بلا كلام وتنصرف، وإن أدى الطفل مهمته في الوقت المحدد وبصورة سليمة نشكره ونكافئه، أما إذا لم يفعل فإنّه يفقد أحد الامتيازات المتاحة له أو يتلقى "نقطة سلبية" نجمعها مع مثيلاتها، وعندما يبلغ المجموع عشرة فله عقاب نحدده أو غير ذلك من العقوبات التي يراها الوالدان مناسبة... ويمكن استخدام تلك الفكرة في كثير من المهام التي نطلبها من أطفالنا، المهم أن نتفق معهم على وقت محدد عندها ينطلق جرس المنبه، ويكون شعارنا "أنّه: المهمة قبل أن ينطلق جرس المنبه"، ويمكنك أيضاً أن تتفق مع ابنك عندما يخرج للعب على موعد عودته، بشرط أن تعطيه ساعة مزودة بجرس ميقاتي أو يكون من الطبيعي معه موبايل به منبه، ونتفق على موعد عودته للبيت عندما يرن الجرس...

 

كيف تطبق فكرة "المنبه" في بيتك بنجاح؟

ادع إلى عقد اجتماع أسري: أشرحي لأطفالك كم التعب الذي يسببه لك إهمالهم في أداء بعض المهام المنزلية، كتعليق الملابس وجمع اللعب وغيرها، مما يضيف عليك عبئاً كبيراً ويتعبك مما يجعلك عصبيّاً معهم وهذا بدوره يحزن قلبك، وأعطهم مثالاً بالتفصيل فمثلاً: ناقش معهم أن تضييع الوقت قبل المدرسة في الاستيقاظ والإفطار وغيرها يرهق الجميع ويجعل بداية اليوم غير جيدة، وذكرهم كيف أنك تقضي يوميّاً 30 دقيقة في الصراخ والعتاب والمشاكسة حتى يجهزوا، ولما استعد الجميع للخروج أخيراً، قبلت كلّ واحد منهم متمنياً لهم يوماً سعيداً ودعوت لهم بأن يحفظهم الله تعالى ويوفقهم، والمشكلة أنني لن أستمتع بيومي بعد أن أتعرض لنصف ساعة من الصراخ... ويمكن أن يدور الاجتماع حول السؤال التالي: فيم تضايقون أمكم طوال اليوم؟ كيف؟ ولماذا؟ وما النتيجة؟

اسألهم عن اقتراحاتهم وحلولهم: اختر مشكلة واحدة لحلها في ذلك الاجتماع، ولتكن مثلاً مشكلة عدم عودتهم في الموعد المحدد عندما يخرجون للعب، وما يترتب عليها من قلقك وتعبك واضطرارك للخروج والبحث عنهم وضربهم وتوبيخهم أحياناً، وابدأ في سماع مقترحاتهم واحرص على الإنصات دون المقاطعة، ويمكنك تدوين تلك المقترحات، فقد يخبرك أحدهم بفكرة بارعة قد تنجح، ولكن لا تتوقع حدوث ذلك دائماً، إنّ الأطفال في الغالب سيشكون لأنّهم "يريدون اللعب أكثر"، "الوقت المتاح قليل" "أصدقاؤهم يخرجون أكثر منهم"، ناقشهم واستمع لهم وتوصلا معاً لحل وسط، وإن وجدت الاجتماع قد تحول إلى ساحة جدال؛ فعليك أن تتجاهل هذا الجدال ولا ترهق نفسك بخوض تلك المعركة، فقط ركّز على الحلول العملية...

 

الأطفال في الماضي كانوا يخضعون لأوامر الوالدين دون نقاش... ولكن أطفال اليوم بحاجة إلى من يستمع إلى آرائهم.

 

قدِّم لكلّ طفل المنبه الخاص به: اشرح لهم فكرة الاتفاق على إنهاء كلّ منهم لمهامه في وقت محدد، وعلى كلّ منهم أن ينفذ ما سنتفق عليه وينهي مهمته قبل أن يرن جرس المنبّه، فمثلاً:

وقت الاستحمام يطول مع أحدهم جدّاً، لذلك ستناقش معه حول وقت استحمامه وما الوقت الذي يريده، وبعد تفاوض ونقاش نتفق معاً ونضبط المنبه عند دخوله للحمام، وعليه أن يخرج عندما يرن الجرس، وإلا ستكون هناك عقوبات سنخبركم بها، ولا ننسى المكافآت في نهاية كلّ أسبوع... ثمّ أعطِ كلّ طفل منبهاً خاصّاً به يكون ملكاً له، وعن طريقه سنضبط الوقت، ثمّ فاجئهم بوجود منبه خاص بالأم والأب لنضبطه مع المنبه الخاص به حتى لا يختلس أحدهم مدة زمنية أطول...

ابدأ بـ 3مهام فقط: ناقش مع كلّ طفل أكثر 3 مهام لا يؤديها في وقتها وما يترتب عليها من أضرار، ثمّ اتفق معه على أننا سنطبق فكرة "المنبه" مع تلك المهام الثلاث، وإذا كان الطفل صغيراً يمكنك الاكتفاء في البداية بمهمة واحدة تكون مزعجة وعلاجها ضروري، ومن المهم أن تراعي الفروق الفردية والعمرية بين أطفالك، فطفلك المهمل قد يحتاج إلى ساعة لترتيب غرفته، بينما تحتاج ابنتك المنظمة إلى عشرين دقيقة فقط، قم بعمل استثناءات كلما دعت الضرورة، فعلى سبيل المثال إذا كان طفلك لديه امتحان فليس هناك مانع من أن نعفيه من المهام المنزلية تلك الليلة، لكننا بعد ذلك نواصل أداء المهام في وقتها المحدد.

استخدم المنبه أو افقد السيطرة على أطفالك: إنّ كثيراً من الآباء يطبق فكرة "المنبه" في بيته بحماس شهراً أو شهرين، وعندما يلحظ في طفله تغيراً نحو الأفضل؛ يصاب أولياء الأمور بالكسل، وينتهي الأمر بالمنبه إلى درج من الأدراج، والطريف أنّ الأطفال يلاحظون أنّ المنبه لم يعد يستخدم؛ وإذا اكتشف الأطفال ذلك فسيظل بعضهم يحترم مواعيده بينما سيركن البعض الآخر إلى الكسل، وإذا رأيت ذلك يحدث فقد حان الوقت للبحث عن المنبه في الأدراج، وتطبيق نظام التوقيت مجدداً، وهنا قد تصادفك بعض الاحتجاجات من أبنائك، ولكن الفكرة ستنجح ثانية إن شاء الله، وتصبح والداً أكثر سعادة وأبناؤك أكثر احتراماً لطلباتك ورعاية للوقت...

 

استخدامات مبدعة للمنبّه:

·      إذا كان طفلك يرفض دوماً الخروج من حوض الاستحمام، يمكنك أن تقولي له: سأضبط المنبه على خمس دقائق وعندما يرن الجرس ستخرج، فيعترض الطفل.. هذا وقت قليل، ومن ثمّ نتفاوض ونتفق وننفذ...

·      إذا كان من عادة طفلك أن يرفض إطفاء الكمبيوتر، فاتفق معه على مدة جلوسه، واضبط المنبّه وأخبره أن يقوم عندما يرن الجرس، وحدد عقاباً إذا لم يغلق الجهاز فوراً، ويمكن استخدام العد التنازلي بمعنى: أن تضبط المنبّه على وقت محدد، وعندما يرن يكون من حقّ الطفل الجلوس بعدها عشر دقائق، وعندما يرن في المرة الثانية يتبقى أمامه خمس دقائق، وعندما يرن في المرّة الثالثة يقوم فوراً، وإذا لم يستجب ولم يقم فوراً يخصم منه وقت من استمتاعه بالكمبيوتر في اليوم التالي...

·      إذا طلب طفلك منك اللعب معه وأنت مشغولة، يمكنك أن تقولي له: أنا أعلم أنك تريدني أن ألعب معك وأنا أيضاً أحب ذلك، ولكنني بحاجة لأن أتكلم على الهاتف أو أعد الطعام أو غيرها، وعندما أنتهي من عملي سيسرني اللعب معك، لذلك سأضبط المنبّه ليرن بعد عشر دقائق، العب وحدك الآن وعندما يرن الجرس يصبح بإمكاننا اللعب معاً"...

·      ويمكن للأُم إذا طلب منها طفلها اللعب معها وهي مشغولة أن تقول له: كم أكون سعيدة للعب معك، لكني مشغولة جدّاً بإعداد الطعام لكم وغسل ملابسكم، لكن ما رأيك أن أضبط المنبّه ليرن بعد أربع دقائق نلعبها معاً، هيا نلعب بمرح وحب، وعندما يرن الجرس تقوم الأُم باحتضان طفلها قائلة: كم كان وقتاً جميلاً، لقد استمتعت باللعب معك، سنكرر ذلك معاً كثيراً إن شاء الله...

·      إذا رفض الطفل تغيير ملابسه، فيمكن للأُم أن تلجأ لفكرة السباق مع المنبه، فتقول لطفلها: "إنّك تخلع ثيابك بسرعة كبيرة، لذلك أنا واثقة من أنك ستهزم الساعة وترتدي ثيابك قبل أن يرن المنبّه"...

 

       الكاتب: عبد الله محمّد عبد المعطى/ خبير تربوي

المصدر: كتاب أطفالنا كيف يسمعون كلامنا؟ (50 طريقة عملية لتشجيع طفلك العنيد على طاعتك)

ارسال التعليق

Top