بقدر ما هو مهم أن نقضي الوقت مع بعضنا البعض كأسرة واحدة متماسكة، من المهم أيضاً ألا يطغى ذلك على التواصل الشخصي ما بين الأفراد.
لا يمل المرء من التنويه بأهمية قيام الأسرة مجتمعةً بنشاطات قيمة تعود بالفائدة على جميع أفرادها كلما سنحت الفرصة، سواء أكان ذلك بقصد الذهاب في رحلة خلال العطلة الأسبوعية أو نزهة إلى الحديقة أو حضور فيلم أو حتى تناول وجبة طعام بسيطة. بالمقابل، فبقدر أهميّة هذا الوقت الذي يجمع أفراد العائلة بأكملها، من المهم أيضاً تخصيص جزء منه للعلاقات المباشرة بين كلّ فردين من أفراد الأسرة.
وتكمن قيمة هذا الوقت وأهميته في فتح قناة للتواصل المباشر، بغية إتاحة المجال للأشخاص لقول ما قد يخشون أو يخجلون من التحدث فيه أمام العائلة بأسرها. ولا يخفى على أحد أنّ جميع الصغار لديهم أسرارهم الخاصة التي يحافظون عليها – وإن كنا لا نراها بذات أهمية أسرار الكبار – أو قد يحتاجون إلى أن ينتقدوا تصرّف أحد إخوتهم مثلاً، أو الخوض في أمر حدث لهم في المدرسة، أو عن مشكلة خاصة، أو توجيه أسئلة من أي نوع كانت على نحو فردي ومباشر.
ويمكن القول بكلمات أخرى أنّ قضاء الوقت والتواصل على المستوى الشخصي الخاص يتيح مجالاً من الخصوصية التي تبني العلاقة وتوطدها بين الآباء والأبناء من جهة، وبين أفراد العائلة كلّها من جهة أخرى. ونذكّر أنّ هذا الوقت هو سيف ذو حدّين، ففي حين أنّه مفيد جدّاً لترسيخ الأواصر، إلّا أنّه يفترض بنا الحرص على ألا يطغى على وقت العائلة ككلّ بل يتكامل معه.
وفي هذا الإطار، من الضروري الانتباه إلى أنّ هذا الأمر لا يشكّل بديلاً عن الوقت العائلي الذي يجمع الكلّ سوية، إنّما هو أمر مكمل له ولا يغني عنه بأي شكل من الأشكال، وإن كان يبدو مستساغاً للبعض منا كونه يختصر الوقت الذي نجهد لتوفيره لصغارنا، فيرى بعض الأهالي – على سبيل المثال – أنّ التناوب في رعاية الأولاد يتيح مزيداً من الوقت لهم. وهذا ليس حلاً بأي شكل من الأشكال، فالوقت الذي تقضيه العائلة كلّها مع بعضها البعض من ذهب، ولا شيء يعوض عنه.
والمقصود هنا هو استكمال الأنشطة العائلية بنذر يسير من الوقت يمضيه أفرادها مع بعضهم للتواصل الشخصي المباشر. وهو أمر من الحياة اليومية، فبطبيعة الأحوال يمضي الصغار شيئاً من الوقت في اللعب مع بعضهم البعض، في حين يمضي الآباء أيضاً وقتاً بمفردهم للتواصل والحديث في الشؤون اليومية وحياة العائلة.
وقد يكون هذا الوقت على شكل أنشطة بسيطة تجمع كلاً من الوالدين على حدة في قناة تواصل مباشرة مع أحد الصغار، وقد تكون مثلاً ممارسة المشي لبضعة دقائق على هامش نزهة في الحديقة، أو فنجاناً من القهوة خلال تسوق العائلة في المركز التجاري، أو مساعدة أحد الأبناء لأحد الوالدين في الاهتمام بالواجبات المنزلية.
خلاصة القول، في خضم حياتنا العصرية المتّسمة بمحدودية الوقت، ينسى كثيرون أهمية قضاء الوقت ضمن إطار الأسرة والمحافظة على الأواصر العائلية وتمتينها قدر المستطاع، سيما وأنّ دروبنا قد تتباعد مع الأيام، فقد يعمل أبناؤنا في المستقبل بمدن أو دول أخرى، ولا يبقى في أذهانهم عن العائلة سوى الصور والذكريات الحميمة التي جمعوها على مرّ السنين.
سابين رزق سكاف/ )أخصائية في علم النفس، معهد العلاقات البشرية(
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق