• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التلفاز.. خطر بالغ على صحة الطفل

التلفاز.. خطر بالغ على صحة الطفل

ما السر الذي يجذب الأطفال لمشاهدة التلفزيون؟ بالتأكيد إنّها تلك الصور المتحركة والمندمجة مع الأصوات المختلفة والأقاصيص الشائعة التي تجتمع مع بعضها لتشكل عنصر جذب كبير للأطفال.

وبالطبع، إنّ الأطفال اليوم معرضون لمتابعة جميع المواد المطروحة عن طريق وسائل الإعلام المختلفة التي يمكن أن تؤثر في سلوك الطفل بشكل سلبي أحياناً، وإيجابي في أحيان أخرى. ويمكن للتلفزيون أو غيره من وسائل الإعلام، أن تكون وجهة تعليمية وتثقيفية مهمة للطفل، ولكن من المؤكد أن هناك العديد من الآثار السلبية لوسائل الإعلام، خاصة التلفزيون، إذ إنّها قد تؤثر على صحة الطفل الجسدية والنفسية.

قبل البحث في سلبيات التلفزيون ومدى تأثيره في الأطفال، من الواجب معرفة مدى أهمية التلفزيون في حياة أطفالنا. ففي مقال نشرته جامعة ميتشيغان، قسم الصحة عن علاقة التلفزيون والطفل، أظهر المقال أن معدل ساعات المشاهدة التي يقضيها الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و5 سنوات يصل إلى 32 ساعة أسبوعياً. أمّا الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و11 سنة، فإنّهم يقضون نحو 28 ساعة أمامه. إضافة إلى ذلك، فإن نسبة الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و18 سنة، ويمتلكون أجهزة تلفزيون في غرفهم الخاصة، تصل إلى 68%، حيث أظهر المقال أن هؤلاء الأطفال يمضون أوقاتاً أكثر بساعة ونصف الساعة في مشاهدته مقارنة بالأطفال الذين لا يمتلكون واحداً في غرفهم، تلك الحقائق والأرقام توضح مدى الدور الذي يلعبه التلفزيون في حياة الطفل، ما يؤكد أهمية قيام الأهل بمحاولة السيطرة على البرامج التي يشاهدها الطفل في سبيل تنمية الآثار الإيجابية لمشاهدة التلفزيون.

    

- الآثار السلبية:

يترتب على مشاهدة الطفل برامج التلفزيون لفترة طويلة العديد من الآثار السلبية، خاصة على صحته. ومن التأثيرات السلبية قصور الطفل في حياته الاجتماعية والأسرية، إضافة إلى تأثير التلفزيون على صحته الجسدية والنفسية. فمشاهدة التلفزيون تأتي عوضاً عن محاولة الطفل تأدية العديد من النشاطات الأخرى والتي قد تكون أكثر إفادة له، مثل النشاطات الجسدية المختلفة والقراءة، حتى أنّها تكون بديلاً عن ممارسة الألعاب مع أقرانه، ما قد يؤدي إلى عزلة الطفل، وبمعزل عن ابتعاد الطفل عن النشاطات المسلية، يُمكن لمشاهدة التلفزيون أن تتسبب في تقصير الطفل في أداء واجباته المدرسية، فضلاً عن الواجبات المنزلية المفروضة عليه من قبل والديه، ما قد يؤدي إلى انحدار مستواه الدراسي، والتقليل من إحساسه بالمسؤولية، ويشير خبراء التربية إلى أن مشاهدة التلفزيون بشكل عام، سواءً كان الطفل وحيداً أو مع الوالدين والإخوة، تسهم في التقليل من التفاعل والتخاطب بين الطفل وأفراد أسرته.

    

- نسبة التوحد:

وعلى صعيد الآثار الصحية، أظهر الباحثون في جامعة "كورنلل"، وجود علاقة بين نسبة التوحد ومشاهدة التلفزيون من الأطفال تحت سن الثالثة، وقد اعتمدت الدراسة على حقيقة أن أولى حالات التوحد قد ظهرت في عام 1980، أي في الوقت ذاته الذي بدأ فيه انتشار التلفزيون بشكل كبير داخل البيوت، واعتمد البحث عن النسب والإحصائيات المتعلقة بالتوحد في ولايتي كاليفورنيا وبنسلفانيا بين عامي 1972 و1989، حيث وجد الباحثون أنّ الارتفاع في نسب تشخيص التوحد كان أسرع في المناطق التي ينتشر فيها التلفزيون داخل المنازل، مقارنة بالمناطق التي لا تضم منازلها جهازاً ويختتم سين نيكلسون، البروفيسور المساعد في جامعة "كورنلل" بحثه بالتأكيد على أن نسبة تعادل 17% من زيادة حالات التوحد في كاليفورنيا وبنسلفانيا خلال الفترة بين عامي 1970 و1980 تعود إلى زيادة نسبة وجود التلفزيون في المنازل.

    

- بدانة الأطفال:

إضافة إلى مرض التوحد، يبرز العديد من المشكلات الصحية التي يمكن أن يتعرض لها الطفل نتيجة جلوسه الطويل أمام شاشة التلفزيون، وخاصة الآثار الصحية التي قد يصعب على الأهل الانتباه إليها إلا بعد فوات الأوان. وتشكل البدانة أهم الأمثلة على المشكلات الصحية وأكثرها انتشاراً بين الأطفال والشباب. وأكدت دراسة أجراها كلاً من فريدريك ج، زيمرمان وجانيس ف. بيل في جامعة "كاليفورنيا"، كلية الصحة العامة، أنّ العلاقة بين مشاهدة التلفزيون وبدانة الطفل هي علاقة مباشرة، نظراً لكثرة الإعلانات التي تشجع الطفل على المأكولات غير الصحية، وقد أظهرت الدراسة أن إبعاد الطفل عن الإعلانات، يسهم في التقليل من تناوله المأكولات السريعة، وبالتالي حمايته من البدانة، ولفتت الدراسة إلى أن نحو 90% من الأطفال يشاهدون التلفزيون بشكل منتظم قبل بلوغهم عمر السنتين، لذا فعند بلوغ الطفل سن الخامسة، يصل معدل مشاهدته إلى الإعلانات المتعلقة بالطعام إلى ما يقرب من 4000 إعلان سنوياً، حيث يشاهد الطفل خلال متابعته الرسوم المتحركة فقط، إعلاناً واحداً للمأكولات السريعة كلّ خمس دقائق والتي تكون على الأغلب مأكولات فقيرة بالمواد المغذية والصحية، وصرّح زيمرمان بأن هذه الإعلانات تدفع الأطفال إلى أكل كميات كبيرة من الأطعمة التي يجب أن تشكل جزءاً ضئيلاً جدّاً من أنظمتهم الغذائية، مثل الحبوب الغنية بالسكريات، المشروبات الغازية، والأطعمة السريعة المليئة بالدهون، ويضيف زيمرمان: إن هناك العديد من المأكولات الصحية والمغذية المتاحة التي تُمثل خياراً أفضل من تلك التي يتم الإعلان عنها في التلفزيون، فضلاً عن توافر الكثير من البرامج الجيِّدة، التي لا تجد طريقها إلى الشاشة لعدم وجود الدعم اللازم، مطالباً الأهالي بترغيب أولادهم في متابعة البرامج التثقيفية والتعليمية، من حين إلى آخر والتي قطعت شوطاً كبيراً في توفير المادة الجيِّدة، إضافة إلى تزويدهم بالبرامج التعليمية المسجلة على الأقراص المدمجة والتي يمكنها أن تجذب النشئ، وتتميز بعدم احتوائها على أيّة إعلانات.

    

- أفلام العنف:

يتأثر الأطفال بالعديد من شخصيات البرامج التي يشاهدونها، وفي بعض الأحيان تُظهر هذه الشخصيات بعض السلوكيات التي تتنافى مع طريقة تربية الطفل، أو قد تظهر البرامج العديد من مشاهد العنف والدم التي قد تؤثر على سلوك الطفل. ونظراً لقضاء الأطفال أوقاتاً طويلة في مشاهدة التلفزيون، فإنّ نسبة تأثرهم بالشخصيات تزداد. فعلى سبيل المثال: قد تُبدي الشخصية المفضلة لدى الطفل عادات سيئة مثل التدخين، وبذلك تتكون لدى الطفل قناعة بأنّ التدخين عادة جيِّدة اقتداءً بشخصيته المفضلة. ومن أهم السلوكيات التي يتوجب على الأهل الحذر منها، العنف، فقد ظهرت آلاف الدراسات منذ عام 1950 بتساؤل يرتكز على العلاقة بين العنف الذي تعرضه وسائل الإعلام ومثيله عند الأشخاص، وأثبتت جميع هذه النظرية. كما أكدت أنّ البرامج المخصصة للأطفال تحتوي في مضمونها على مشاهد عنف أكثر بكثير من برامج البالغين، ومعظم هذه المشاهد تروج للعنف بطريقة مرحة وفعالة للحصول على المبغى من دون عرض المخاطر والنتائج المترتبة على المشاهد. ومن الجدير بالذكر أنّ الأطفال تحت سن الثامنة لا يستطيعون التفريق بين ما هو واقع وما هو خيالي، وبذلك يكونون عرضة للتعلم وتطبيق العنف الذي يشاهدونه على أنّه واقع.

وفي دراسة لجامعة "ميتشيغان" أجرتها على مدى 17 عاماً، أظهرت النتائج أنّ الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون لمدة طويلة خلال فترة نشأتهم، لديهم القدرة على ارتكاب أعمال عنف أكثر من غيرهم لفترات أقل. وبذلك أثبتت الدراسات أنّ السبب الرئيس في تكوّن العنف عند الأطفال يعود إلى مشاهدة البرامج التلفزيونية غير الملائمة لفترات طويلة، من دون إرشاد من ناحية الأهل، وقد ينمو هذا العنف مع الطفل ليرافقه حتى مراحل البلوغ، وبذلك يكبر الطفل ليصبح شخصية خطرة على نفسه والمجتمع.

    

- ما الذي يتوجب على الأهل فعله؟

إنّ من أهم الخطوات التي يتوجب على الأهل العمل بها، تحديد ساعات مشاهدة التلفزيون للطفل، إضافة إلى مراقبة البرامج التي يتابعها، وخاصة في حالة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثماني سنوات، وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الأهل تجنب وضع التلفزيون في غرفة الطفل، ما يساعدهم على مراقبة ما يشاهده، وسيسهم أيضاً في تقليل الفترة التي يقضيها في المشاهدة.

ومن المهم أيضاً أن يجلس الأهل مع الطفل عند مشاهدة التلفزيون، من حين لآخر، ليتمكنوا من تفسير المشاهد المعروضة على الشاشة، وبشكل لا يؤثر على شخصية الطفل.

ويطالب الاختصاصيون الأهالي بضرورة اختيار البرامج التعليمية المسلية والمناسبة للأطفال، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن السنتين والذين ليست لديهم القدرة على اختيار ما يشاهدونه، حيث يمكن لهذه الخطوة أن تقلل من تأثر الطفل بمشاهد العنف، لافتين إلى أنّ الدراسات الحديثة أظهرت أنّ الأطفال الذين يشاهدون البرامج التثقيفية في مجال الإعلام، يُظهرون تأثراً أقل بمشاهد العنف.

وعموماً، ينبغي على الأهل العمل على ملء أوقات أطفالهم بالنشاطات المفيدة مثل القراءة وممارسة الرياضة، وغيرهما من النشاطات التي تلهيه عن المشاهدة، وتعمل على تطوير شخصيته وبنائها بشكل أفضل.

 

* فادية عمار       

ارسال التعليق

Top