• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

«حب الله»

أسرة البلاغ

«حب الله»

(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة/ 24).

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (البقرة/ 164).

سُئل الإمام الصادق (ع) عن الحب والبغض أمن الإيمان هو؟ فقال: وهل الإيمان إلّا الحب والبغض؟ ثمّ تلا هذه الآية: (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات/ 7).

وفي أخبار داود (ع): "إنّ الله عزّ وجلّ قال: يا داود أبلغ أهل أرضي اني حبيب لمن أحبني، وجليس لمن جالسني، ومؤنس لمن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمن أطاعني، ما أحبني عبد أعلم ذلك يقيناً من قلبه إلا قبلته لنفسي وأحببته حبّاً لا يتقدمه أحد من خلقي، من طلبني بالحقّ وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني".

 عن أبي عبدالله (ع) قال: هل الدين إلّا الحب؟ انّ الله عزّ وجلّ يقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران/31).

عن أبي جعفر (ع) في حديث له قال: يا زياد ويحك وهل الدين إلا الحبّ؟ ألا ترى إلى قول الله (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران/ 31)، أو لا ترى قول الله لمحمّد (ص): (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات/ 7)، وقال: (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) (الحشر/ 9)، فقال: الدين هو الحب والحب هو الدين.

قال رسول الله (ص): "مَن أحبّ أن يعلم ما له عند الله عزّ وجلّ فلينظر ما لله تعالى عنده فأنّ الله ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه".

وعن الإمام الصادق (ع): "قد يكون حب في الله ورسوله وحب في الدنيا فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله وما كان في الدنيا فليس بشيء".

الحبّ حالة عاطفية تجعل قلب الإنسان يتعلق بالمحبوب ويرتبط به، والله عزّ وجلّ قد خلق هذا الاستعداد عند الإنسان من أجل أن يتحرك ذاتياً في صراطه المستقيم وهو ملتذ ومستبشر.

وللحب مراتب وأنواع وهو قابل للشدة والازدياد، والحد الأعلى من مراتبه هو حب الله والحد الأدنى هو حب الدنيا وما فيها، ففي الحديث الشريف انّ (حب الدنيا رأس كلّ خطيئة).

والقلب الذي يغمره حب الله يحرك الإنسان ويجعله دائم التعلق بخالقه على عكس القلب الفارغ من حب الله والذي يحب غيره، لأنّ القلب إما أن يحب الله أو يحب غيره فهو لا يخلو من حب أبداً.

وانّ علاقة الإنسان بالنّاس الآخرين أو الموجودات الأخرى تتحدد تبعاً لنوع هذا الحب ودرجته، لأنّ الحب يعتبر أعم دافع ذاتي يوجه الإنسان في حياته، وهذه العلاقات والروابط بين الإنسان وبين ما يحبه في حياته يتحدد تبعاً لها مصيره وعاقبته في العالم الآخر بعد موته، لأنّ المرء يحشر مع من أحب، فالذي يقرر المصير في اليوم الآخر هو نوع الحب الذي يمتليء به قلب الإنسان في حياته الدنيا.

لذلك اهتم القرآن الكريم بقضية الحب واعتبره من القضايا الأساسية التي ينبغي أن يحتويها وجدان الإنسان المؤمن الذي يريد أن يتحرك نحو الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران/ 31)، فعندما يبدأ الإنسان هذه الحركة بحبه لله تعالى ينفتح أمامه الطريق إلى الله وتتلاشى الأبعاد اللامتناهية بينه وبين ربّه لأنّ إقبال الله للإنسان الذي يسير نحوه يكون أكبر من حركته نحو الله.

ففي حالة كون القلب مملوء بحب الدنيا فأنّه يكون مقفلاً مطبقاً عليه وموصداً (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد/24)، فيتجمد القلب في موقعه في العالم المادي ويكون مشلولاً عن كلّ حركة باتجاه السماء.

وإذا استطاع القلب أن يحطم هذه الأقفال التي جمدته عن الحركة وحجبته عن التطلع إلى خالقه، فيمكنه عندئذ أن ينطلق نحو السماء ليمتليء بالنور الدافق الذي أحاط بكلّ شيء في الوجود، فهو بمقدار ما يتمكن من الانفكاك من أسر هذه القيود والأقفال يمكنه أن يغمر بالنور الإلهي لأنّ الله عزّ وجلّ يبادل عباده الحب بعد أن يتغلب عبده على العوائق والقيود التي تحجب قلبه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة/ 222).

فالتوبة التي انتجت حب الله هنا للعبد هي حالة رجوع العبد إلى الله، لأنّ في رحلة العودة هذه أوّل نقطة يبدأ فيها الإنسان وينطلق منها للحركة نحو الله تعالى هي القلب.

وكذلك في الطهارة، لأنّ أعلى مراتب الطهارة هي تنزه القلب عن الأرجاس الناتجة عن حبه للدنيا لأنّ حبها رأس كلّ خطيئة كما مر.

إذن بداية العودة الله تعالى تكون بتوجه القلب إلى الله الذي ينتج عن حب الله تعالى.

وعند ذلك تبدأ حالة تطهر القلب، ونقاوته وامتلأئه بالنور، قال موسى (ع) "يا رب أين أنت فاقصدك؟ فقال: إذا قصدتني فقد وصلت".

ارسال التعليق

Top