هناك آيات متعدّدة في سُور مختلفة تتحدّث عن أهميّة الأمانة ولزوم رعايتها في سلوك الإنسان الفردي والاجتماعي، ومن هذه الموارد نذكر:
1- وجوب مُراعاة وحفظ الأمانة بصورة مطلقة:
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ (المعارج/ 32).
إنّ (الأمانات) الواردة في هذه الآية ذكرت بصورة الجمع، وهي إشارة إلى أنّ الأمانة لها أنواع وأشكال مختلفة. والكثير من المُفسِّرين ذكروا أنّ مفهوم الأمانة في هذه الآية لا يقتصر على الأمانة المالية، بل يشمل الأمانات المعنوية كالقرآن الكريم والدِّين الإلهي والعبادات والوظائف الشرعية، وكذلك النِّعم الإلهية المختلفة على الإنسان في حركة الحياة المادّية والمعنوية.
2- خيانة أمانة النفس خيانةٌ لله تعالى ولرسوله (ص):
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (الأنفال/ 27).
الآية كما هو واضح تنهى عن ثلاثة أشياء مخاطبة المؤمنين في هذا النهي وهي: خيانة الله، خيانة الرسول، خيانة أمانات الناس.
الخيانة هي نقض الأمانة التي هي حفظ الأمن لحقّ من الحقوق بعهد أو وصية ونحو ذلك. قال الراغب: الخيانة والنفاق واحد، إلّا أنّ الخيانة تُقال اعتباراً بالعهد والأمانة، والنفاق يُقال اعتباراً بالدِّين، ثمّ يتداخلان، فالخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السرّ. ونقيض الخيانة: الأمانة، يُقال: خُنْتُ فلاناً، وخُنْتُ أمانة فلان، وعلى ذلك قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾.
فقوله: ﴿لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ﴾ نهي عن خيانة أمانة الله ورسوله وهي بعينها خيانة لأمانة المؤمنين أنفسهم، فإنّ من الأمانة ما هو أمانة الله سبحانه عند الناس كأحكامه المشرعة من عنده، ومنها ما هو أمانة الرسول كسيرته الحسنة، ومنها ما هو أمانة الناس بعضهم عند بعض كالأمانات من أموالهم أو أسرارهم، ومنها ما يشترك فيه الله ورسوله والمؤمنون، وهي الأُمور التي أمر بها الله سبحانه وأجراها الرسول وينتفع بها الناس ويقوم بها صلب مجتمعهم كالأسرار السياسية والمقاصد الحربية التي تضيع بإفشائها آمال الدِّين وتضلّ بإذاعتها مساعي الحكومة الإسلامية فيبطل به حقّ الله ورسوله ويعود ضرره إلى عامة المؤمنين.
فهذا النوع من الأمانة خيانته خيانة لله ورسوله وللمؤمنين. فالخائن بهذه الخيانة يخون الله والرسول وهو يعلم أنّ هذه الأمانة التي يخونها أمانة لنفسه ولسائر إخوانه المؤمنين، وهو يخون أمانة نفسه. فالمراد بقوله: ﴿وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي وتخونوا في ضمن خيانة الله والرسول أماناتكم، والحال إنّكم تعلمون أنّها أمانات أنفسكم ومع هذا تخونونها. وأيّ عاقل يقدم على خيانة أمانة نفسه والإضرار بما لا يعود إلّا إلى شخصه في نهاية المطاف؟.
3- الأمانة هي الولاية الإلهية:
قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ (الأحزاب/ 72).
الأمانة كما قلنا هي أن يودع شيء ما عند الغير ليحتفظ به، ثمّ يردّه إلى المُودع عند مطالبته به. والآية الكريمة تشير إلى شيء ما ائتمن الله تعالى الإنسان عليه ليحافظ على سلامته واستقامته، ثمّ يردّه إليه سبحانه كما أودعه.
ويستفاد من قوله: ﴿لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ﴾ (الأحزاب/ 73).. إلخ، أنّه أمر يترتَّب على حمله الإيمان وعلى عدم حمله النفاق والشرك. فينقسم حاملوه باختلاف كيفية حملهم إلى منافق ومشرك ومؤمن.
فالأمانة المذكورة في الآية الكريمة لا محالة مرتبطة بالدين الحقّ الذي يحصل التلبّس به وعدم التلبّس به إمّا النفاق والشرك أو الإيمان. ولهذا فسرّ بعض المفسرين الأمانة في الآية الكريمة بالولاية الإلهية، أي الطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر، التي عرضها الله على عباده فانقسم الناس في حفظ هذه الأمانة وعدمها إلى مؤمن ومشرك ومنافق.
4- تحقيق العدالة من مصاديق الامانة:
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ (النساء/ 58).
إن هذين القانونين المهمين (حفظ الأمانة، والعدالة في الحكم والحكومة) يمثّلان قاعدة المجتمع الإنسانيّ السليم، ولا يستقيم أمر مجتمع، سواء كان مادياً أو إلهياً من دون تنفيذ وإجراء هذين الأصلين.
يمكن القول إنّ الحكم بالعدل من مصاديق الأمانة، لأنّ الأمانة بمفهومها العامّ تشمل جميع المقامات والمناصب الاجتماعية التي تعتبر أمانات إلهية، وكذلك أمانات بشرية من قبل الناس بيد أصحاب المناصب هذه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق