• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإحسان إلى (الخادم)

أسرة

الإحسان إلى (الخادم)
1- الإحسان إلى (الخادِم) في القرآن الكريم: أ- تناول الطعام معه حتى لا يشعر بميزتك عليه، وإنّك تساويه في الإنسانيّة وإن كنتَ تستخدمه: قال تعالى على لسان موسى (ع): (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) (الكهف/ 62). تأمّل في استخدام ضمير الجمع: (آتِنا) (غداءنا) (سفرنا)، فموسى (ع) لم يتعامل مع فتاه (أي مُستخدمه) بصفته نبيّاً وهو مجرّد خادم، وإنّما تحدّث بلغة الجمع ليُشعر خادمه بإنسانيّته وإحسانه. ب- محادثته ومحاورته ومجالسته ومطارحة الرّأي معه: قال عزّ وجلّ على لسان موسى (ع) أيضاً: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (الكهف/ 60). إنّه يُفكِّر بصوتٍ مسموع، ويعتبر فتاه رفيقاً له في سفره، فلا يكتم عليه شيئاً بل يُطلعهُ على ما هو مُقبل عليه، وهذا إحسان آخر يُشعر الفتى أو الخادم بقُرب سيِّده منه. ت- إعطاء الخادم حرِّية التحدّث معك حتى لا يشعر بوجود حاجز للكلام والحوار بينكما: قال سبحانه على لسان فتى موسى (ع): (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا) (الكهف/ 63-64). لاحظ جوّ الألفة ورفع الكفلة، فالخادم لا يجد حراجة في الحديث مع سيدة بلغة الجمع أيضاً، وإذا كان ذلك من حق موسى (ع)، فإنّ الخادم يستخدم الأسلوب نفسه، ممّا يدلِّل على مدى إحسان موسى (ع) إليه، مما جعله يشعر بالحرِّية الكاملة، والملاحظ أنّ القرار يقرّ هذه اللّغة فيتحدّث بها أيضاً: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا) (الكهف/ 65)، والحال أنّ الباحث هو موسى (ع)، والإشارة غنيّة لا تحتاج إلى توضيح. ث- أمره بما ليس فيه معصية لله، حتى لا يشعر بالاستضعاف وأنّه واقع تحت ضغط سيِّده الذي يأمر وعليه أن يطيع: قال جلّ جلاله على لسان إمرأة العزيز: (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) (يوسف/ 32). على اعتبار أنّ يوسف (ع) كان فتاها (خادمها) بحسب ما أشارت إليه نسوة المدينة بقولهنّ: (امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا) (يوسف/ 30). وفي نفس المعنى، يقول سبحانه ناهياً عن إكراه الفتيات (الجواري والخادمات) على ممارسة البغاء ككسبٍ غير مشروع: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (النور/ 33). ج- الإحسان إلى الفتاة الخادمة (الجارية) بالزواج منها لإشعارها أنّها إمرأة شأنها شأن بقيّة النِّساء، لا يُفرِّق سيِّدها بينها وبين نسائه الأخريات، وإذا لم تكن له زوجة فهي حليلته بحسب شرع الله وسنّة رسوله: قال عزّ وجلّ: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) (النساء/ 25). ح- تعليمهم واجباتهم الدينية، فهم خدمنا في تصريف شؤون المنزل، ولكنّهم إخوتنا في الله، لهم بذمّتنا حقوق غير الحقوق المالية: قال تعالى في دعوة يوسف (ع) الفتيين السّجينين معه: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف/ 39). وإتاحة الفرصة لهم في أن يسألوا عمّا يجهلونه ويطلبون معرفته ممّا يتعلّق بحياتهم ومستوياتهم، ولذلك رأينا الفتيين يسألان يوسف (ع) عن تأويل مناماتهما بما عبّر عنه القرآن بالإستفتاء: (قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) (يوسف/ 41). الأمر الذي قد يُستوحى منه حقّ الخادم في طلب العلم. خ- الإستفادة ممّا يتمتّع أو يتميّز به الخادم من معرفة أو وجاهة عند أناس آخرين، فذلك يُعزِّز شعوره بالإحسان إليه وعدم استصغاره: قال تعالى على لسان يوسف (ع) للفتى الناجي: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) (يوسف/ 42).   2- الإحسان إلى (الخادم) في الأحاديث والروايات: أ. تطييبُ خاطره بأنّ الله تعالى سيرزقه خدّاماً في الجنّة بعدد مخدوميه: قال رسول الله (ص): "أيّما مسلمٍ خَدَمَ قوماً من المُسلمين إلا أعطاهُ اللهُ مثلَ عددهم خُدّاماً في الجنّة". ب. إشعاره أنّ الخدمة ليست انتقاصاً للقدر، فالمؤمنون خدمٌ بعضهم لبعض: قال الإمام الصادق (ع): "المؤمنون خَدَمٌ بعضهم لبعض". قال الراوي: وكيف يكونون خدماً بعضهم لبعض؟ قال: "يفيدُ بعضهم بعضاً". وفي هذا المعنى قال الشاعر: الناسُ للنّاسِ مِن بدوٍ ومِن حَضَرٍ **** بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خَدَمٌ ت- تحسيسه بإنسانيّته قدر الإمكان أسوة بما كان يفعل رسول الله (ص) مع خادمه (أنس)، الذي يقول عن تجربته في خدمة النبي الأكرم (ص). "خدمتُ رسول الله (ص) عشر سنين، ووالله ما قال لي أفّاً قطّ، ولا قال لي لشيءٍ لِمَ فعلت كذا؟ وهلّا فعلتَ كذا". بل يُروي أنّ أنساً أو خادماً آخر خدم رسول الله (ص) لمدّة طويلة، فسأله (ص) عن كيفيّة مكافأته، فطلب أن يدخل معه الجنّة، فوعدهُ (ص) بذلك، فما أعظمه من إحسان.   3- الإحسان إلى (الخادِم) في الأدب: يُحكى أنّ الإمام علي بن الحسين (ع) كان لا يسافر إلّا مع رفقة (رفاق) لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من خدّام الرِّفقة فيما يحتاجون إليه، فسافرَ مرّة مع قوم فرآهُ رجل فعرفه، فقال لهم: أتدرون مَن هذا؟ قالوا: لا، قال: هذا علي بن الحسين، فوثبوا إليه فقبّلوا يديه ورجليه، فقالوا: يا ابن رسول الله! أردتَ أن تصلينا نار جهنّم لو بدرت إليك منّا يد أو لسان، أما كنّا هلكنا، فما الذي حملك على هذا؟! فقال (ع): "إنِّي سافرتُ مرّةً مع قومٍ يعرفونني، فأعطوني برسولِ الله (ص) ما لا أستحقّ، فأخاف أن تعطوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحبّ إليَّ"!! إنّ مفهوم الخدمة يأخذ أحد شكلين: الخدمة الإلزامية، وهي كعمل الأجير الذي يوظِّف نفسه في خدمة غيره، وهذا الذي ندعو إلى الإحسان إليه، والتخفيف من شعوره بالمهانة، وأمّا الخدمة الطوعية، كما فعل الإمام علي بن الحسين (ع) فجميل بالإنسان تعلّمها، لأنّها دليل التواضع، وقد ورد عن السيد المسيح (ع) قوله: "سيِّد القَومِ خادمهم"، ممّا يرتفع بالخدمة إلى مصاف السيادة! أمّا إذا اضطرّت الظروف شخصاً للعمل كخادم، فلا ينبغي أن يكون مُستخدمه عاملاً إضافيّاً ضاغطاً عليه في استنفاد طاقته، وكأنّه اشتراه ولم يستأجره!   4- برنامج الإحسان إلى (الخادم): 1- التعامل مع الخادم بكلِّ احترام ورأفة ورحمة: لا تهينه ولا تذلّه، ولا تسبّه، ولا تُعيِّره، ولا تكلِّفه ما لا يطيق، وتعطيه الوقت الكافي لطعامه وصلاته وراحته. 2- أن تأكل معه في بعض الأوقات لتُشعر نفسك بالتواضع، وتُشعره بكرامته، وهكذا كان الأئمّة من أهل البيت (ع) يُعاملون مستخدميهم. 3- أن تُطعمه ممّا تأكل وتُلبسه ممّا تلبس، فلقد قال رسول الله (ص) كما يروي أبوذرّ: "أطعِمُوهُم ممّا تأكلون، وألبِسُوهُم ممّا تلبسون"! 4- محاولة تعليمه بما يرتقي بشخصيّته، والإستفادة منه إن كان لديه ما ينفع غير الخدمة. 5- والأهم من ذلك كلّه إشعاره أنّه أحد أفراد الأسرة، وإذا تحقّق ذلك فهو أرقى درجات الإحسان، وله من الآثار الطيِّبة ما يجعل الخادم مُخلصاً للعائلة مُضحِّياً من أجلها، مُتفانياً في خدمتها، موضعاً لثقتها، شاكراً لها، وداعياً لها بالخير.

ارسال التعليق

Top