"أنا في زيارة قصيرة إلى الوطن..
لابدّ أن ألقاكِ..
سأمر عليكِ في السابعة مساءً.."
هكذا كانت مكالمته لها حديثاً من طرف واحد، هو مرسل وهي تستقبل بلا اعتراض وبلا ردود.. وضعت السماعة وهي تتمتم لنفسها "واثق هو بأنني أشتاق إليه. متأكد أنني سأفرغ نفسي للقائه".
وحديثها مازال دائراً مع نفسها.. "يغيب ويهجر كيفما يشاء ويعود وقتما شاء ليجدني دوماً في انتظاره".
نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط.. إنها تقترب من العاشرة صباحاً.. لديها وقت كافٍ لتعد له ما يشتهي من مأكولات من صنع يديها. أعدت قائمة بالمشتريات التي ستحتاج إليها.. ذهبت إلى حجرتها لتبدل ملابسها، نظرت نظرة طويلة إلى المرآة وكأنّ هذه المرأة تشبهها.. لابدّ من الذهاب الفوري لمصفف الشعر.. تريده أن يراها بشكل جديد مختلف.
راجعت قائمة المشتريات من جديد وحذفت العديد منها. لم تبقِ إلا على الورود، الشموع. أما المأكولات والحلويات فستطلبها جاهزة. لا وقت يكفي لأن تعد ما لذّ وطاب.
أدارت محرك سيارتها بعد أن رتبت أولويات طريقها.. الشوارع مزدحمة على غير عادة في مثل هذا الوقت من الصباح.. الازدحام أجبرها على تعديل خط سيرها.. بدأت بمصفف الشعر وانتهت بمحل الورد وعادت إلى البيت. أكدت على المطعم أن يرسل الطعام في الموعد المحدد، بدأت تعيد ترتيب البيت وفقاً لما يُحب. عدلت وضع طاولة الطعام، بحيث يكون مقعده مواجهاً للمرآة ويعكس صورته لها طوال الوقت وهي بجواره.. وزعت الورود في كل ركن قد يرمقه بعينيه.. جلست مكانه وبدأت ترتب الصحون الفارغة.. الشوربة طبق أساسي لا غنى له عنه.. يليه طبق اللحم المشوي والأرز، وتأتي السلطة في نهاية أولوياته.. ذهبت من مكانها، وهي تتمتم "كأس الماء، دائماً ما أنسى وضع الماء على مائدة الطعام..". وراحت تتطلع إلى ساعة الحائط. الوقت مر مسرعاً، باقٍ ساعة واحدة على قدومه.
تدخل لتغتسل مسرعة.. ترتدي ثوباً جديداً.. تسريحة شعرها الجديدة غيرت من مزاجها.. دققت النظر تحتاج بعض الحُمرة على وجنتيها، على الرغم من حبه لها من دون ألوان صناعية.. همست في ذاتها:
"يجب أن أظهر بمظهر يرضيني وحتماً سيرضيه".
دق جرس الباب.. إنّه الطعام، أرسله المطعم في وقته.. تفاءلت بأمسية سعيدة.. وزعت الشموع، بحيث أصبحت مصدر الإضاءة الوحيد.
لم يتبق سوى ربع ساعة فقط، على موعده.. دائماً هو دقيق في مواعيده، قلما يتأخر عن موعده إلا دقائق.. تلف في المكان.. تقف عند كلّ ركن وعيناها تدوران هنا وهناك لا تريان إلا ما يحب.. دقيقة واحدة ويكون معها، هنا أسرعت تنثر عطره المفضل على جسدها، بحيث فاحت رائحته في المكان.. أشعلت شمعتين أخريين عند المدخل، ومثلهما على طاولة الطعام.
ظلت واقفة خلف الباب واضعة كفها ناحية جرس الباب.
دق الجرس.. علت خفقات قلبها حتى كاد يقفز فرحاً.. وقبل أن تمد يدها لتفتح مرحبة، نظرت من العين السحرية.. وصُدِمت عندما وجدتها بصحبته.. أسئلة كثيرة دارت في رأسها وأدارته حتى سقطت مغشَى عليها.. والدموع تنهمر رغماً عنها وهو يعاود دق الجرس تارة وطرق الباب تارة.. يرن تليفون البيت.. مرة.. ويعاود طلب محمولها مرة أخرى.. ولا مجيب.. ومن بصحبته تسأله:
"هل أنت متأكد من العنوان؟".
ينهرها بلطف: "طبعاً متأكد مئة في المئة".
الشموع تبكي من حولها حتى جفت دموعها.. كف عن الطرق واستسلم عائداً. أفاقت.. وجدت نفسها في سريرها في حجرتها بملابس نومها.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق