• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

غزة تولد من جديد

غزة تولد من جديد

يخيل لمن يزور غزة أول مرة أنه إزاء منطقة تمتلئ إحباطا وكآبة، يعسكر المقاومون في كل جنباتها، ويعم الدمار أرجاءها، وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
معذور من ظن ذلك، فأخبار الحصار والحروب سبقت سواها من الأخبار وغطت عليها.
لكن سرعان ما يتبدد هذا الانطباع بمجرد أن يحط الزائر رحاله وينتقل إلى جهة غزة من معبر رفح، إذ تشده المفارقة الواضحة بين حالة المعبر في الجهة المصرية وحالته ونظافته وترتيبه وإضاءته في غزة.
لا أخفيكم أنني لم أتوقع أطفالا يلعبون في الطرقات والجنائن، ونساء وفتيات يسرن في الشوارع العامة، وأكثر منه لم أتوقع حياةً تتقد نشاطا ودأبا وحيوية.
مظاهر الاحتفاء والفرح تملأ الأرجاء، والأعراس بالعشرات يوميا، ولم يمر يوم من أيامي في غزة دون أن ألحظ مواكب الأعراس هنا وهناك.

الاحتفاء بالمقاومة
روح جديدة دبت في نفوس الغزيين عقب الحرب الأخيرة، هذا ما تسمعه من القاصي والداني هنا، ذلك أنهم يشعرون بالفخر والتقدير المتناهي لأداء المقاومة فيها.
يقول الصحفي الغزي أحمد فياض إن الناس هنا قبل الحرب كادوا يحبطون من المقاومة ومن "هدوئها القاتل وحجم عملياتها شبه المنعدم"، لكنهم بعد الحرب الأخيرة ردت إليهم الروح وأيقنوا أن المقاومة كانت تعد العدة لمثل هذه الحرب ولم تركن إلى الأرض.
وافقه زميله الصحفي محمد الأسطل الذي قال إن حالة الناس بعد الحرب الأخيرة على النقيض تماما من حالتهم بعد حرب عام 2009، "فقد كنا نسمع حينها تعليقا على المقاومة: دمرونا دمرهم الله.. ذبحونا ذبحهم الله. أما بعد الحرب الأخيرة فإنهم جميعا يقولون: الله يسلم المقاومة رفعت رأسنا ومرغت أنف إسرائيل في التراب". ومن الشاذ جدا أن تجد أحدا ينتقد المقاومة الآن وأصبحت محل إجماع كل الفلسطينيين ناهيك عن الغزيين.

الانقسام
وعلى الرغم من الوجه الكالح للحروب فإن الحرب الأخيرة وفوق إنجازاتها كان لها فعل السحر في إنهاء حالة الانقسام على الأرض وتجسير الهوة بين المنقسمين ليس في غزة وحدها بل في الضفة قبلها.
يقول الصحفي محمد فروانة، كان للعائلة الواحدة قبل الحرب الأخيرة مجلسان أحدهما لأنصار فتح والآخر لأنصار حماس، وكانت مظاهر الانقسام تنسحب على كل مظاهر الحياة، أما بعد الحرب فإن أنصار فتح نزلوا للشوارع قبل حماس للاحتفاء بالنصر وبالمقاومة، فضلا عن مظاهر التضامن غير العادية التي شهدتها الضفة.

الجعبري
أينما وليت وجهك تقابلك اللافتات والشعارات والأعلام المرفرفة، وقاسمها جميعا هو الاحتفاء بالمقاومين والشهداء، ولا تكاد تجد صورة لزعيم من الأحياء، وكل الصور لشهداء من مختلف الفصائل: ياسر عرفات من فتح، وفتحي الشقاقي من الجهاد الإسلامي، وأبو علي مصطفى من الجبهة الشعبية، وأحمد ياسين وأحمد الجعبري من حماس، والكثير الكثير من الشهداء الفلسطينيين في غزة وفي غيرها.
والجعبري هنا حالة خاصة، إذ إنه ملهم المقاومة وأيقونتها الرائجة، يتغنون باسمه في كل محفل وعلى كل لسان، يعيدون له الفضل -بعد الله- في ما وصلت إليه المقاومة من رقي وتطور ومهنية، ويعتبرونه مهندس عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وإخفائه خمس سنوات والمفاوض الرئيسي في صفقة تسليمه مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين من أصحاب المؤبدات.

وفود المتضامنين
من المشاهدات التي لا تخطئها عين الزائر ليل نهار كثرة الوفود العربية والأجنبية، وهذا غدا طبيعيا في عهد الرئيس المصري محمد مرسي بعد أن كان عسيرا للغاية وصول أي شخص إبان حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وفقا لتعليق مرافقي.
غزة ليست كلها سمن وعسل، فهناك ما يعكرها بالتأكيد، ولكن هذا التعكير في هذه الأيام في حدوده الدنيا، ولا يأخذ من حيوية أهلها وحبهم للحياة، فكأنما كانت الحرب الأخيرة والانتصار الذي حققوه فيها بمثابة ولادة جديدة وحياة جديدة.

ارسال التعليق

Top