قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة/ 177).
الإيمان هو أن يتحوّل الإنسان المسلم إلى شخصية إسلامية: بفكرٍ إسلامي، وعاطفة إسلامية، وسلوك إسلامي، وعلاقات إسلامية، ومواقف منسجمة مع الدِّين الذي هو عماد هذه الشخصية.
البرُّ هنا يرتبط بالجانب العملي للحياة، والبرّ العملي (وهو التوسّع في فعل الخير)، برٌّ فكري وعقيدي، فالعقيدة الإسلامية هي التي تعطي العمل دوافعه، فلا يكتفي المؤمن بالإيمان دون العمل. والإسلام ينظر إلى الخير من خلال نموذجه المجسّد له، والمؤمن الذي يعيش الجفاء والجفاف والسلبية هو في غفلة من إيمانه.
الإيمان كلُّ يتجزّأ، والشخصية الإسلامية تُمثِّل منظومة قيمية: إيمان بالله ورسالاته ورسله، والانفتاح على حاجات الناس، والصِّلة بالله من خلال (الصلاة)، لتتفجّر معاني الخير والشعور بالمسؤولية، والعطاء العملي (الزكاة)، و(الوفاء بالعهد)، تعبيراً عن الصِّدق الداخلي، ومراعاةً لسلامة المجتمع في علاقاته، و(الصِّدق) في المواقف العملية كونه يُجسِّد الحقيقة، و(التقوى) التي غايتها رضا الله دائماً.
تلك هي الأُسس التي ننطلق منها نحو حياة خيِّرة. وقال عزّوجلّ: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت/ 2-3).
الإيمان عملٌ كلّه، وفكرٌ يتحرّك في العقل والقلب والحياة، فلابدّ من دليل يدلّ عليه، فهل يكفي أن يقول شخص عن نفسه إنّه بَطَل ونُصدِّقُ ادِّعاءه، أم أنّنا نطالبه بإثبات حقيقة بطولته؟!
التجربة الحيّة تُظهر الجانب الخفيّ من شخصية الإنسان، وعند الامتحان يُكرَم المرءُ أو يُهان، وكلّ امتحان تقوية للإيمان، وإبراز لأفضل ما هو موجود من خصال داخل الإنسان المؤمن. إنّ النار تُنَقِّي الذهب ليكون خالصاً من الشوائب، فيغدو معدناً نفيساً، والماس أصله فحم، ولكنّه من شدّة الضغط والحرارة يتحوّل إلى ألماس غالي الثمن، وكذلك المؤمن المُبتلى.
إنّ الابتلاءات والامتحانات التي نتعرّض لها، تُبَيِّنُ (الإيمان الشكلي) من (الإيمان الحقيقي) والسباحة ضدّ التيار شأن الأقوياء، وأمّا الضعفاء فيسبحونَ في المياه الهادئة، ومع مجرى التيار.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق