• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الفراغ العاطفي.. النتائج والآثار

الفراغ العاطفي.. النتائج والآثار

ما الذي يحدث عندما يعاني الأبناء من نقص عاطفي حاد، وما الشعور الذي يعتريهم وماذا يمكن أن يحدث نتيجة ذلك الفراغ العاطفي؟

الواقع أن ما يمكن أن يحدث كارثي وصادم للأهل، وقد يحدث ما لا يخطر على بال الأهل.. ونشير هنا إلى بعض الآثار الناتجة عن مشكلة (الفراغ العاطفي):

 

الهروب من الواقع:

الفراغ لابدّ أن يُملأ وكأن تلك حكمة مطردة في كلّ الحقول والميادين.. السياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية، ولأن ما يعانيه المبتلون من نقص عاطفي أمر لا يطاق، فلابدّ من استجابة للواقع ولو حدث ذلك بطريقة خاطئة، فالكثير من الأبناء يبحثون عن حل لمشكلاتهم، ويلجأون إلى طرق ملتوية، إذ يبحث البعض عن عالم افتراضي يغدق عليه من العطف والمشاعر ويبادله الإعجاب والتقدير، ويجد ذلك بشكل مثالي في عالم (الشبكة العنكبوتية) حيث يتخاطب الناس مع بعضهم البعض، ويغدقون على بعضهم المشاعر، ويتبادلون الأفكار والآراء.

وتؤكد الوقائع الاجتماعية اليومية وقوع الكثير من الشباب ومن الجنسين في عملية نصب وخداع يدفعون على أثرها ضريبة باهظة الثمن أخلاقياً واجتماعياً.. أفلا نسمع عن هروب بعض الفتيات من أسرهن مع من أعجبن به ولو كان ذلك الآخر من بلاد بعيدة، وتكفي بعض كلمات معسولة للإيقاع بهن وخداعهن.

 

التعلق بالقدوات المزيفة:

ينظر الأبناء إلى آبائهم باحترام واجلال ويتخذونهم قدوات خصوصاً في أعمارهم المبكرة، بحكم إلتصاقهم اليومي ومعايشتهم الدائمة لهم، ولأنّ الآباء يوفرون لهم احتياجاتهم ومتطلبات حياتهم اليومية خصوصاً ما يتعلق بالجانب المادي، بيد أنّ الإنفصال النفسي المبكر بين الآباء وأبنائهم الناتج عن الإهمال يبقي الأبناء غرباء عن آبائهم نفسياً، ومع شعورهم بالحرمان العاطفي فإنهم سيتوجهون للتعويض عن ذلك بطرق كثيرة ومنها، البحث عن أشخاص يتعلقون بهم، ويصبحون مركز تفكيرهم، ومحور حياتهم، وفي بعض الأحيان يتعلق بعض الشباب من الجنسين بأبطال ورموز الفن.. خصوصاً أبطال المسلسلات التي تتحدث عن العلاقات الاجتماعية والأسرية والزوجية بشكل مثالي، حيث يتبادل أبطال المسلسلات تلك العلاقة الودية والمشاعر الحميمية، وهذا بالتحديد ما يجذب الشباب من الجنسين الذين يعيشون الحرمان العاطفي، لأنّه يوفر لهم بيئة مثالية يعوِّضون من خلالها هذا النقص (الحرمان) بالأشخاص الذين ينجذبون نحوهم ويتعلقون بهم باعتبارهم الأبطال المُخلِّصين لهم من تلك المآسي التي يعيشونها على أنهم يتعاطون مع عالم افتراضي اسمه (مسلسل) لكنهم يتعاملون معه على أنّه واقع ولو اطلعوا على حياة أبطاله الحقيقية والواقعية لأصابهم الذهول!! إذ أنّ هذه الرومانسية في حياتهم ليس لها وجود إلا في عالم التمثيل!

وإذا عدنا إلى الواقع اليومي فإنّ المشكلة الاجتماعية كبيرة في هذا الجانب... إذ قد ترى الكثير من الشباب (من الجنسين) يعيشون الحرمان العاطفي ولا يجدون من يبادلهم همومهم وأفكارهم ولا من يرجعون إليه في مشكلاتهم، ويفرغون إليه أحمالهم النفسية، ويصغي إليهم ويشاركهم همومهم.

 

الانحرافات السلوكية:

تنقص الشباب من الجنسين غالباً التجربة والخبرة الحياتية، فالبعض منهم عندما يعيش مشكلة ما لا يستفيد من تجارب غيره وخبرته، ويندفع نحو خياراته لحل المشكلة التي يعاني منها خصوصاً عندما لا يجد أحداً من أسرته حوله.

وكثير ما يخطأ الشباب الذين يعانون من الفراغ والحرمان العاطفي في خياراتهم ويندفعون بشكل مؤسف في الطريق الخطأ.. فكم من فتاة نسجت علاقات شخصية مع الغرباء عن طريق (النت) ثمّ بادلته صورها، ثمّ التقته، واتفقا على الزواج لكن بعد أن تلبي له طلبه!! وبعد طول مراوغة يختفي من حياتها ولا ترى له أثراً بعد عين بعد أن حصل منها على رغبته، وترك لها وعداً بالزواج مفتوحاً!

وكم من شاب تائه يبحث عن علاج للتخلص من معاناته وحرمانه وجد ضالته في رفقاء سوء فحطَّ رحاله معهم بين القضبان!

وتنشر الصحف اليومية عشرات القضايا المشابهة لشباب من الجنسين وقعوا ضحايا الحرمان العاطفي.

 

العزلة والانطواء:

قد تؤدي نتائج الحرمان العاطفي بالأفراد إلى الانسحاب من المجتمع واللجوء للعزلة والانطواء بعيداً عن الناس، وعدم الاختلاط بهم فيفقدون بذلك الزمالة والصداقة مع الأقران، على خلفية أنّ الآخرين لديهم علاقات واسعة ويتمتعون بعلاقات حسنة مع الآخرين، في حين يعجزون – هم – عن نسج علاقات مماثلة ولا يستطيعون مشاركة الآخرين في أحاديثهم وأنسهم.

وقد يحدث العكس للأفراد المحرومين عاطفياً إذ قد يفرطون ويبالغون في نسج علاقات واسعة، ويقضون أوقاتاً كثيرة في المسامرة والدردشة مع الآخرين بمختلف وسائل الاتصال كل ذلك تعويضاً عمّا يفقدونه من شعور بالنقص والحرمان العاطفي.

 

المصدر: كتاب أُريد حباً للكاتب "محمد العليوات"

ارسال التعليق

Top