• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

استمداد العون من الله تعالى بالدُّعاء

عمار كاظم

استمداد العون من الله تعالى بالدُّعاء

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الدُّعاء استجابة الكلّ منك للحقّ، وتذويب المهجة في مشاهدة الربّ، وترك الاختيار جميعاً وتسليم الأُمور كلّها ظاهراً وباطناً إلى الله تعالى». الدُّعاء واحدٌ من أجمل وأرقى التعابير عن العلاقة بين العبد ومولاه عزّوجلّ، فعندما يدعو الإنسان ربّه فهو يعبّر عن عبوديّته له تعالى ويعلن الخضوع أمامه والتسليم لقدرته. لذا جعل الله تعالى الدُّعاء عبادةً ووسيلةً شريفةً للاتصال والارتباط به كما أخبر بذلك إمامنا الصادق (عليه السلام) حيث قال: «ادعُ ولا تقل قد فرغ من الأمر، فإنّ الدُّعاء هو العبادة، إنّ الله عزّوجلّ يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾».‏ بل ومن أفضل العبادات أيضاً، فقد سُئِل الإمام الباقر (عليه السلام): أي العبادة أفضل؟ فقال: «ما من شيء أفضل عند الله عزّوجلّ من أن يُسأل ويُطلب ممّا عنده، وما أحد أبغض إلى الله عزّوجلّ ممّن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده».

وطالما أنّ الإنسان في هذه الدُّنيا فإنّه لا يخلو من حالة نقصٍ وعوزٍ يحتاج معها إلى استمداد العون من الله تعالى، وهنا لا يملك إلّا الدُّعاء الذي فيه مفاتيح الفلاح وقضاء الحاجات المعنوية والمادّية على حدٍّ سواء. فهو سلاح الأنبياء الذي ينجي من الأعداء ويغسل الذنوب ويورث الطمأنينة والسكينة ويدفع البلاء ويدرّ الأرزاق وفيه الشفاء من كلّ داء. فعن الإمام الرِّضا (عليه السلام) قال: «عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدُّعاء». وعن النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى، قال: تدعون ربّكم بالليل والنهار، فإنّ سلاح المؤمن الدُّعاء». وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الدُّعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح»، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «عليك بالدُّعاء فإنّه شفاء من كلّ داء». وعن الإمام الرِّضا (عليه السلام): «الدُّعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل».

إنّ الله سبحانه وتعالى يريد من عباده أن يدعوه وأن يتعلّقوا به وحده ويجعلوا رجاءهم عنده ويقصروا آمالهم عليه، وذلك لما للدُّعاء من تأثيرٍ بالغ في تعميق علاقة العبد بمولاه وتشديدٍ لعُرى الإيمان به تعالى. قال جلّ جلاله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60). فإنّ التجربة المعنوية التي يختبرها الإنسان خلال دعائه الصادق ولاحقاً حين ينال إجابة دعائه تجعله أكثر ثقةً بالله وأشدّ تعلّقاً به. والمولى عزّوجلّ أقرب إلى عباده من حبل الوريد، لا يحول بينه وبين عبده حائل، ولا يحتاج الإنسان إلى واسطة توصل صوته ونداءه وسؤاله إليه تعالى. فحتى لو أضمر الإنسان في قلبه سؤاله فإنّه جلّ جلاله عليمٌ به وقد وعد عباده بإجابة دعواتهم فقال في كتابه العزيز: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186). وهذا يعني أنّه وعد بالإجابة بشكلٍ مطلق طالما أنّ الداعي يدعوه حقيقةً، وطالما أنّ لسانه ينطق بما في قلبه، عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن فُتح له باب في الدُّعاء فُتحت له أبواب الإجابة». وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن أُعطي الدُّعاء أُعطي الإجابة»، فما أعظمها من بشرى تنطق بها الآية الكريمة وأحاديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث إنّ مَن يُعطى الدُّعاء فقد أُعطي الإجابة حتماً. خلاصة القول، فُطر الإنسان على أساس الطلب والحاجة إلى خالقه كما فُطر على الدُّعاء.. فالدُّعاء هو الالتجاء إلى الله تعالى وطلب سدّ النقائص وقضاء الحاجات منه. فمنشأ الدُّعاء لدى الإنسان هو ضعفه واحتياجه الدائمان اللذان لا ينفكان عنه. وبمقدار ما يلتفت الإنسان إلى ضعفه ونقصه وحاجته يندفع إلى الدُّعاء مستمداً العون والقدرة والغِنى من مالكها بشكلٍ مطلق وهو الله تقدست أسماؤه. فما لم يلتفت الإنسان إلى عجزه وضعفه وضعف سائر المخلوقات من حوله لن يعلّق آماله على ربّ الأرباب ويقصر طلب حاجاته عليه، فالاعتراف بالعجز مقدّمة أساسية للدُّعاء.

ارسال التعليق

Top