◄تمر أيام رمضان – يوماً بعد يوم – حتى نُفاجأ بانتهاء الشهر الكريم، فلا تتبقى منه سوى ذكريات جميلة مؤثرة من أيام الطفولة والشباب، وهذ هجولة مع بعض الشخصيات وجزء من هذه الذكريات الطيبة.
"رمضان يحمل ذكريات ما زالت مؤثرة في نفسي إلى الآن منذ أن كنت طفلاً ألهو مع رفاقي، فقديماً كانت حياة الناس هادئة أكثر، وكنا ننام مبكراً، ونستيقظ قبل صلاة الفجر وكنا نتناول وجبة السحور على دقات المسحراتي".
في حنين إلى الماضي لا يخفى يتذكر الدكتور كمال الزيات – رئيس قسم علم الاجتماع سابق بكلية الآداب جامعة القاهرة – أول يوم صام فيه، فيقول: كان والدي يصطحبني معه لأداء صلاة الفجر، وكانت هذه بمثابة النواة الأساسية التي أنبتت بداخلي الشعور الديني منذ الطفولة، فهي صورة لا أنساها حتى وقتنا الحالي، ووجود القدوة والمثل الصالح في حياة الأبناء ضرورة.
أما أسوأ عادة لابدّ أن تتغير فينا جميعاً فهي الإنفاق المبالغ فيه في شهر رمضان؛ لأن هذا إسراف وبذخ لا حاجة لنا به. فالاعتدال مطلوب في الشهر الكريم، ولابدّ كذلك من الإحساس بالفقراء، وتعويد النفس التخلي عن شهواتها، وترويضها على تحمل أي مشقة تتعرض لها، والرضا بالقليل الذي قد لا يجده الكثير من الفقراء والمحتاجين.
- تجديد النية.. وإحياء رمضان:
وفي سياق متصل، يؤكد الدكتور عبده زايد – الأستاذ بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر – أن على المسلمين أن يغتنموا فرصة الصيام لكي يتخلوا عما إقترفوه من آثام وموبقات، مؤكداً أهمية تجديد النية والعزم على الإخلاص في الطاعة والعمل المستمر من أجل إعلاء صرح الإسلام، والإستمساك بأوامره والإنتهاء عما نهى الله عنه.
وقال الدكتور زايد: إن إحياء رمضان يجب أن يكون مستمراً طوال العام؛ لأن رب رمضان هو رب الشهور كلها، لذلك فإنّ المؤمن الحق هو من يتخذ الصيام موسماً لتجديد الطاعة، والإبتعاد عن رذائل الشيطان، ومن هنا يعرف أهل التقوى والمخلصون أنّ التفريط في هدية السماء إلى الأرض أعني شهر رمضان، والتقصير في صيامه، وعدم الإمتثال لأوامر الخالق سبحانه وتعالى، هو جحود لنعمة الله، ونكران لفضله على الإنسانية..
ويتذكر الدكتور عبده زايد أن أيامه الخوالي الأولى، أمدته (عندما كان يعيش في صعيد مصر) بالقرب من الله ومعايشة رمضان روحاً وجسداً، فكان ديدنه حفظ كتاب الله ومدارسة تفسيره وعلومه، فضلاً عن الإطلاع على السيرة النبوية وأصول الفقه، وآداب الصيام والأحاديث الشريفة، مشيراً إلى أن حياة الريف أمدته بزاد الروح وجعلته يلتقي مع رمضان ويتعرف إليه بعيداً عن مادية المدنية التي تركن إلى القشور وتهتم بالمظاهر، ومؤكداً أنّه يتذكر بشوق كبير تلك الليالي التي كان يقضيها مع أصحابه في صلاة التراويح والتهجد والقيام والقنوت.
- رمضان الحقيقي:
ومن جهته، يقول الدكتور مصطفى الشكعة أستاذ الدراسات العربية والإسلامية إنّه بدأ يتعرف الصيام في سن مبكرة، ويتعود على ممارسة الصوم في سن ست سنوات، لاسيما أن أسرته كانت تسمح له بأن يصوم ما دام استطاع ذلك، ولكي يدرب نفسه على الصيام، مؤكداً أنّه اكتشف جوهر شهر رمضان، وأنّه بمثابة الصديق الذي يزور صديقه مرة في العام، ليزيل حب الدنيا ومغرياتها من قلبه، ويحوله إلى كائن رباني، مفطور على مناجاة الله والتعبد والتصديق، وعمل الصالحات وفعل الخيرات والإحسان إلى الجيران والأهل والمسلمين.
وقال: إنّه قضى فترة شبابه أثناء رمضان في العبادة وصلاة التراويح وقراءة القرآن الكريم وتفسيره ليلاً، أما في النهار فكان مشغولاً بالدراسة والبحث العلمي، ومتابعة أطروحته لنيل درجة الدكتوراه، موضحاً أنّه كان حريصاً على صلاتي العشاء والتراويح كل يوم في الأزهر الشريف، كما كان يحرص على حضور الدروس الدينية من كبار علماء مصر في ذلك الوقت، للتزود بحصيلة لا غنى عنها من الزاد الديني والفكري والحضاري.
ويشدد د. الشكعة على ضرورة أن نحتفل برمضان الحقيقي، الذي هو صوم وخشوع وصلاة وزكاة وإبتهال إلى الله وتضرع وتواصل مع خلق الله، داعياً المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى التمسك بصحيح الإسلام، وفهم طبيعته الروحية، وإغتنام شهر الصيام في الرجوع إلى الله، وعدم الركون إلى المال أو الجاه أو المناصب، فهذه الأشياء كلها زائلة، أما رصيد الإنسان الإيماني فهو ذخيرته التي تنجيه يوم القيامة من أهوال النار وعذابها وشرورها.►
ارسال التعليق