• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ثورة الحسين (ع).. ثورة المسؤولية

ثورة الحسين (ع).. ثورة المسؤولية

◄الإسلام وحركة المسؤولية:

إنّ هناك روحاً إسلامياً يشعر بها كلّ من سمع بالحسين (ع) وعاش حركته وتعمَّق بثورته، بحيث يجد حركّية الإسلام في تلك الحركة، وفاعليته ومسؤوليته وإمكانية أن يبقى ليمدّ كلَّ جيل إسلامي بالجديد ممّا يمكن أن يحقِّق له الأهداف الكبيرة في الحياة. فالإسلام ليس مجرد فكر نختزنه في عقولنا، وليست مجرد كلمات نردّدها على ألسنتنا؛ ولكنّه يمثِّل بالإضافة إلى ذلك حركة في مسؤولية الحياة. والذي يعيش مسؤوليته هو الذي ينسى ذاته ويفكِّر أنّ علاقاته بالناس وبالأحداث، بل وحتى علاقاته بأهله الأقربين، تتحرّك سلباً أو إيجاباً في خطّ المسؤولية. وهذا ما عشناه في ما حدَّثنا الله سبحانه وتعالى عن النبي نوح (ع) عندما قال: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (هود/ 45-46).

إنّ من كان قريباً لرسالتك فهو أقرب الناس إليك، وأبعد الناس عنك هو من كان بعيداً عن رسالتك. وهذا المعنى بجسّده الشاعر أبو فراس الحمداني:

كانت مودةُ سلمان لهم رَحِماً *** ولم يكن بين نوحٍ وابنه رحمُ

هكذا يعيش الإنسان المسؤول مسؤوليته بحيث تتدخل في عمق علاقاته، وفي كلِّ مواقع الحركة في الحياة؛ بحيث يتقدّم عندما يجد أنّ مصلحة مسؤوليته الرسالية في أن يتقدّم حتى لو كانت الأخطار تواجهه، ويتأخّر عندما يرى أنّ المصلحة هي في أن يتأخّر حتى لو رماه الناس بالضعف والجبن.

 

المسؤولية في حركة الحسن والحسين (عليهما السلام):

هناك مَن يتحدَّث عن وجود فرق بين شخصية الإمام الحسن وبين شخصية الإمام الحسين (سلام الله عليهما)؛ فيعتبرون أنّ الإمام الحسن (ع) كان شخصيةً مسالمة، فيما كان العنف هو الذي يطبع شخصية الإمام الحسين (ع).

لقد كانت المسألة تماماً كما هي مسألة رسول الله (ص) قبل الهجرة وبعدها، وكما كانت قضية الإمام عليّ (ع) قبل الخلافة وبعدها.

لماذا لم يأذن رسول الله (ص) للمسلمين الذين كانوا يستطيعون التحرّك بصفةٍ فردية في مكّة ليواجهوا الضغط الذي كان يفرضه عليهم عتاة قريش. ربّما كان بعض المسلمين يعانون الضعف، لكن آخرين كانوا يملكون القوّة، وربّما كان بعضهم مرهوب الجانب لدى أهل مكة، ومع ذلك لم يأذن رسول الله (ص) لهم بالقتال، لأنّ المرحلة تطلبت أن يفتح الإسلام طريق الدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى – في العقول والقلوب في ساحة مكة، حيث كان (ص) لا يريد إثارة خلاف ليقال: إنّ محمّداً وقريشاً قد اختلفا، فتضيع الرسالة.

لقد كان (ص) يريد للرسالة – آنذاك – أن تكون الرسالة المضطهدة، حتى يتحرك الناس ليعيشوها من خلال طبيعة الاضطهاد الذي تعانيه، حتى إذا ما استطاعت أن تصل إلى آذان كلّ الناس الذين يأتون إلى مكة لأسباب تجارية أو ثقافية أو دينية؛ انطلق النبيّ (ص) ليواجه قريش، وليهدِّد مصالحها... فكانت واقعة (بدر) وكانت كلّ الحروب. لماذا؟ لأنّ المرحلة الثانية كانت مرحلة صنع القوة في المنطقة، باعتبار أنها لا تخضع إلّا للقوي. فالحقّ وحده لا يخضعها. لقد كانت المرحلة الأولى هي أن يسمع الناس الكلمة. وكانت المرحلة الثانية أن تخضع المنطقة للقوة التي تعمّق التزام الناس بها.

وهكذا فليس هناك خطأ في أنّ المسلمين لم يحاربوا في مكة أو في المدينة، ولكنها كانت مرحلة تهيّئ لمرحلة أخرى. ويتحرك في المرحلتين أسلوبان إسلاميّان: أسلوب اللين حيث يكون اللين هو مصلحة الإنسان في الحياة ومصلحة الرسالة في الحياة، وأسلوب العنف عندما يكون العنف في مصلحة الإنسان في الحياة ومصلحة الرسالة في الحياة.

إنّ العنف حالةٌ طبيعية يحتاجها الإنسان في بعض مواقعه، والرفق حالةٌ طبيعيةٌ كذلك يحتاجها الإنسان كذلك. فالكون يختزن الاثنين معاً. وفي الحياة الطبيعية نجد العواصف العاتية التي تدمّر الأشجار، وتهدد الديار؛ وبعد ذلك نجد النسيم العليل الذي ينعش الهواء والحياة. وفي ذلك كلّه تحتاج الحياة إلى العواصف، كما تحتاج إلى النسيم العليل. لأنّ لكلِّ فصل حاجاته في طبيعة ما يحيط به، فالمسألة ليست مسألة مزاج.

إنّ الإمام الحسن كان عنيفاً في رسائله التي كان يرسلها إلى معاوية. وعندما اندفع (ع) في الحرب، اندفع بعمق وأراد من الناس أن يتحركوا نحوها بجدية. لكن الأُمّة كانت قد تعبت منها ومن آثارها، في الوقت الذي كانت تعيش الفوضى في مشاعرها وأفكارها، حتى أنها خالفت رأيه على رأيه ومنعته من أن يستكمل خطبته، لأنها كانت تتحرَّك في أجواء غير سليمة.

وهكذا انطلق الإمام الحسن (ع) بعسكر لا يملك أيّة فرصة للثبات أو للانتصار. قد يقول بعض الناس: ليس من الضروري أن ينتصر الإمام الحسن، لماذا لم ينطلق في خط الاستشهاد كما انطلق الإمام الحسين (ع)؟

لو أنّ الإمام الحسن (ع) انطلق بالحرب لما بَقِيَ الإمامُ الحسين (ع)، ولما بقيت كلّ تلك المعارضة، ولأصبح الجو كلّه من خلال عنوان واحد وخط واحد.

إنّ صلح الإمام الحسين (ع) لم يكن حالة ضعف أو حالة هروب من الشهادة. لقد كانت القضية أن يفسح الإمام الحسن (ع) بهذا الصلح المجال للناس ليدرسوا الأمور على الطبيعة، لتتحرك المعارضة من خلال أنّ هناك واقعاً ينميها، وينمي قواعِدها مع إمكانية أن يسمح المستقبل بالحركة وهكذا كان إذا لم تمضِ سنون على ذلك إلّا وكانت هناك قاعدة تنقد، وتعترض، وتشير... وكانت انطلاقة الإمام الحسين (ع) هي الصدمة التي أراد (ع) من خلالها أن يصدم الواقع حتى يهزه هزة عنيفة من الأعماق، من أجل أن تؤثر تلك الصدمة في المستقبل عندما ينفتح الناس على قضية الحسين (ع) ليفكروا:

كيف انطلقت؟ وكيف عاشت؟ وكيف تحركت؟

لهذا: فإنّ أسلوب الإمام الحسن (ع) كان أسلوب المرحلة في حركة الإسلام وأسلوب الإمام الحسين (ع) كان أسلوب المرحلة أيضاً.

إذ ما قيمة أن يقف المرء ضد التيار دون الاستعداد الكافي لذلك؟►

ارسال التعليق

Top