• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كرامات رسول الله (ص)

كرامات رسول الله (ص)

◄يقول الله تعالى في محكم كتابه:

(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال/ 33)

 

تمهيد:

لا شكّ أنّ لكلّ نبي من أنبياء الله سبحانه كرامة اختصّه الله سبحانه بها، إلّا أنّ خاتم النبيّين محمّد بن عبدالله (ص) قد اختصّه الله سبحانه وتعالى بكرامات عدّة حال وجوده المقدّس بين الناس، وحتّى بعد وفاته، ونحن ذاكرون في هذا الدرس أبرز كراماته (ص) ومسلّطون الضوء عليها مجتمعة بعد أن تقدّمت الإشارة إلى بعضها في طيّات الدروس السابقة.

 

1-    الأسوة الحسنة:

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21).

وهذه من أهمّ الكرامات للنبيّ الأكرم (ص) حيث اعتبره الله أسوة وقدوة لجميع الناس إلى يوم القيامة، ووصف الله سبحانه هذه الأسوة بأنها حسنة، لأنّه كثيراً ما يتّبع الناس بعض القادة والزعماء والملوك ويقتدون بهم، أو بآبائهم، وقد ذمّ الله سبحانه هذا النحو من الاتّباع بقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة/ 170).

لكن اتّباع الرسول (ص) أمر مطلوب، حيث عدّه الله سبحانه أسوة حسنة واختصّه بمكارم الأخلاق، ففي الرواية عن الإمام ابي عبدالله (ع) :" إنّ الله خصّ رسوله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله عزّ وجلّ وارغبوا إليه في الزيادة منها، فذكرها عشرة... الحديث".

وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "إنّي لأكره للرجل أن يموت وقد بقي خلّة من خلال رسول الله (ص) لم يأتِ بها".

وفي حديث مستفيض: "إنّ أحسن السنن سنّة الأنبياء".

وفي حديث آخر: "خير السنن سنّة محمّد (ص).

وطريقة فهم هذه الأحاديث تعطي النتيجة التالية:

إنّ خير السنن هي سنّة الأنبياء وخيرهم سنّة سنّة نبيّنا محمّد (ص)، وعلى الإنسان أن يتبع ويقتدي بسنّته وسيرته وصفاته وخلاله، وهذه كرامة اختصّه الله بها (ص) على سائر العالمين.

 

2-    رحمة للعالمين:

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107)، فهو (ص) ليس رحمة لأهل مكّة أو أهل المدينة فقط وليس رحمة للمسلمين الذين كانوا معه، ولا للمسلمين عامّة، وإنّما هو بنصّ الآية القرآنية رحمة للعالمين جميعاً، في الدنيا والآخرة.

 

3-    أمان من العذاب:

فقد ورد في النهج الشريف أنّه [أي أمير المؤمنين (ع)] قال: "كان في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رُفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسّكوا به، أمّا الأمان الذي رفع فهو رسول الله (ص) وأمّا الأمان الباقي فالاستغفار؛ قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال/ 33)". فهو (ص) قد اختُصّ بهذه الكرامة أنّه أمان لأهل الأرض، فرفع الله سبحانه العذاب أي عذاب الاستئصال عن أمّة النبيّ (ص) ببركة وجوده بينما كانت الأمم السابقة مهدّدة ومعذّبة بهذا العذاب.

 

4-5- اتّباعه يوجب محبّة الله ومغفرة الذنوب:

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران/ 31)، فالآية القرآنية صريحة بأنّ اتّباع النبيّ (ص) له ثمرة عظيمة وكرامة اختصّه الله بها ألا وهي محبّة الله للعبد الذي يتّبع النبيّ (ص)، والله إذا أحبّ عبداً قرّبه منه وأدخله الجنّة، ولا يدخل الجنّة مذنب وصاحب ذنوب، لذلك يترتّب على هذه المحبة أن يغفر الله سبحانه ذنوب العبد أيضاً وهذه كرامة أخرى للنبيّ (ص).

ومن الطبيعي جدّاً أنّ الحب لابدّ أن يستتبع عملاً "إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع".

 

6- اتّباعه هداية ورشاد:

(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف/ 158).

إنّ اتّباع النبيّ (ص) له ثمرة على صعيد الهداية للإنسان وهو ما يرتبط بحياة الإنسان المتَّبع للنبيّ (ص)، حيث يوصله النبيّ (ص) بهذا الاتّباع إلى الهداية وإلى الرشاد.

 

7- واسطة في المغفرة:

(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) (النساء/ 64). إنّ هذه الآية تشير إلى أنّ الاستغفار بالنسبة إلى المنافقين – سواء استغفر لهم الرسول أم لا – لم يكن ليجديهم نفعاً:

(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (المنافقون/ 6)، لأنّ حقيقة الاستغفار هو الاعتذار إلى الله عزّ وجلّ وطلب المغفرة والرضوان منه ليتوب على العاصي ويعفو عن سوء صنيعه، وهذا المعنى يلحق المؤمنين الذين عملوا السوء بجهالة ثمّ ندموا عن قريب فاعتذروا إلى الله ليتوب عليهم بالمغفرة، فكانت كرامة النبيّ (ص) أنّه واسطة للمغرفة لهؤلاء المؤمنين المذنبين، فيعطف عليهم تحنّناً وإشفاقاً ويستغفر لهم الله وعندها تظهر كرامة هذا النبيّ العظيم (ص) فيغفر الله لهم.

 

8- الوسيلة إلى الله سبحانه:

روى الشيخ الطوسي أنّه يُستحبّ إذا سمع المؤذِّن يؤذِّن أن يقول: "... اللّهمّ ربّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والشفاعة والفضيلة وارزقه المقام المحمود الذي وعدته...".

وفي حديث عن رسول الله (ص) أنّه قال: "نحن الوسيلة إلى الله والوصلة إلى رضوان الله".

وفي هذا المضمون روايات عديدة تشير إلى أنّ النبي الأكرم (ص) أُختص بكرامة من الله هو وأهل بيته – عليهم السلام – ألا وهي أنّهم كانوا الوسيلة إليه سبحانه، فهم الهادون إليه والدّالّون عليه والمرشدون إلى سبيله. وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه أن نبتغي الوسيلة إليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة/ 35).

 

9- طاعتهُ مقرونة بطاعة الله:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (محمد/ 33)، وكذلك في سورة التغابن الآية 12، وسورة النساء الآية 95، وسورة المائدة الآية 92، وسورة النور الآية 54.

نلاحظ أنّه سبحانه قرن بين طاعته وطاعة النبيّ (ص)، وهذه كرامة أخرى يُفهم من خلالها أنّ من أراد التقرُّب إلى الله تعالى عليه أن يتقرّب بالنبيّ (ص) ولا فرق بين طاعة الله وطاعة النبيّ (ص) فطاعته طاعة الله وغضبه غضب الله، وأذيّته أذى الله، وبذلك تمثّل هذه الكرامة في وجوده المقدّس أنّه المعيار والميزان في الأرض لمعرفة رضا الله سبحانه.

 

10- حكمة حكم الله:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) (النساء/ 59). ومن الواضح أنّ العطف بحرف الواو يفيد – كما قال أهل اللغة – التشريك في الحكم والمعنى: فردّوه أي النزاع إلى الله والرسول فالله والرسول مشتركان معاً في الحكم، فأيّهما يحكم يكون الحق والصواب، هذا يعني أنّ حكمه هو حكم الله، وقضاءه قضاء الله سبحانه، وهذه من أعظم الكرامات التي أختصّه الله بها.

 

11- خطاب الله له:

فنلاحظ أنّ الله سبحانه وتعالى كلّما أراد أن يُنادي النبيّ الأكرم (ص) ناداه بخطاب يا أيّها النبي أو يا أيّها الرسول ولم يناده باسمه أبداً في القرآن الكريم، بينما نجد هذه الكرامة غير ظاهرة مع سائر الأنبياء حيث ناداهم سبحانه بأسمائهم، يا آدم، يا نوح، يا موسى، يا عيسى، يا إبراهيم... وهكذا.

(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة/ 35-37)، (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ) (الصافات/ 104)، (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ) (المائدة/ 116).

 

12- الشفاعة:

عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: قال رسول الله (ص): "إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي".

وفي رواية يُوضّح فيها الإمام الصادق (ع) كيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر، حيث سأله ابن أبي عمير: يا بن رسول الله كيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالى يقول: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء/ 28)، فقال (ع): "يا أبا أحمد ما من مؤمن يذنب ذنباً إلّا ساءه ذلك وندم عليه، وقد قال رسول الله (ص): كفى بالندم توبة، وقال (ع): "من سرّته حسنته وساءته سيِّئته فهو مؤمن، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب الشفاعة له. إلى أن قال: قال النبيّ (ص): "لا كبير مع الاستغفار ولا صغير مع الإصرار".

والشفاعة لهذه الفئة من الناس مختصّة بالنبيّ الأكرم (ص) فهي كرامة عظيمة اختصّه الله بها.►

 

المصدر: كتاب إلا رحمة للعالمين/ سلسلة الدروس الثقافية (38)

ارسال التعليق

Top