• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تقبّل النقد ورفضُه

أسرة البلاغ

تقبّل النقد ورفضُه

◄لماذا يقبل البعضُ النقد – وهم قلّة – ولماذا يرفضه البعض الآخر وهم كثرة؟

من البداهة بمكان أنّ الإنسان إذا أخطأ أو أُصيب بعيب أو نقص ما، لا يحب أن يطلع على خطأه وعيبه ونقصه أحد.. إنّه يريده مستوراً حتى لا يظهر في أعين الناس أدنى أو أصغر ممّا عرفوه.. تلك طبيعة الإنسان ونفسيّته.

ولأجل تفادي هذه الحالة، يتخذ الإنسان أحد طريقين: إمّا أن يحاول التستر على العيوب والأخطاء والنقائص ما أمكن، وإمّا أن يربّي ويروّض نفسه على تقليص الأخطاء ما أمكن، وهو الأفضل. ففي الحالة الأولى، كما يقول الشاعر:

ومهما تكن عند امرئٍ من خَلِيقةٍ***وإن خالَها تخفى على الناسِ تُعلَمِ

وأمّا الثانية، فالذي ليس لديه في السرّ ما يخافه في العلن هو في حالة أمن وسلام نفسي مستتبّة.

التهرّب من النقد – والحالُ هذه – لا يمكن أن يطول، فهل يُعقل أن لا ترى وجهك في المرآة لعدّة أيام، وحتى لو أجلت النظر فيها، فإنّ ذلك سوف لن يُلغي أو يُعطّل وظيفتها في الكشف عن محاسنك ومساوئك، وقد يستغني الإنسان – ذات يوم – عن أشياء كثيرة، لكنّه لن يستغني عن المرآة، فهي ليست صديقة المرأة فقط، بل رفيقة الرجل أيضاً.

إنّ نظرة الآخرين إلينا هي محطّ اعتبارنا وموضعُ اهتمامنا لأنّنا كثيراً ما نستمدّ نظراتنا إلى أنفسنا من خلال نظرة الآخرين إلينا، وهذا هو السبب في الطلب منهم أن يعطونا رأيهم فيما نعمل ونُنتج ونكتب ونمارس من نشاطات ونقيم من علاقات.

ونحن إذ نطالب بالنقد نريد المنصف المتوازن منه، أي ما يُبيِّن الإيجابي ويكشف السلبي في الوقت ذاته، لأنّه ذو أهميّة بالغة في بناء شخصياتنا وتطوير أدائنا. فإذا تغيّرت النظرة إلى النقد على أنّه "علاقة حب" وإرادة خير، وتغيّرت النظرة إلى الناقد على أنّه "محبّ مخلص" مريد للإصلاح، وليس معنّفاً أو مؤنّباً أو طالب ثأر أو متسقّطاً للعثرات أو هاوياً للملاحظات، عندها نتقبّل النقد ونُقبل عليه، بل هناك مَن يستفيد من نقد الناقد حتى ولو لم يكن قاصداً الإصلاح لأنّه لا يبرّئ نفسه من العيب، ولعلّ في ذلك النقد ما يهديه إلى الصواب وسواء السبيل.

ليستحضر كلٌّ منّا الحالات التي انتقد فيها بحبّ وإخلاص، ويرى مدى تأثيرها فيما تلا ذلك النقد من محاولات وإبداعات ومواقف. هذا على صعيد التقبّل الذاتي للنقد.

أمّا على صعيد الآخر الذي انتقده فهناك أربع أسئلة يمكن أن أطرحها على نفسي قبل أن أنقده:

1-    هل أنا عارٍ عن الخطأ الذي انتقده عليه، أم أنّني متلبِّس به؟

2-    لماذا أنتقده؟ لشفاء غيظ والحطّ من شأنه، أم للإصلاح والتقويم؟

3-    كيف يمكنني أن أساعده على تغيير ما هو فيه أو عليه؟

4-    بأيّ أسلوب أقدِّم له نقدي، وعلى أيّ طبق؟

فعلى مدى الصدقِ في الإجابة عن هذه الأسئلة الأربع يمكن تحديد استجابة الآخر للنقد. يقول (إبراهام لنكولن): "الشخص الوحيد الذي يحقّ له أن ينتقد، هو الشخص الذي لديه قلب للمساعدة"، فهو لا يشخِّص (المرض) بل يصف (الدواء) أيضاً.

وبالتالي، فإنّك إذا اعتبرتَ أنّ من (حقّك) أن تنقد الآخر، فلِمَ لا تعطيه (الحقّ) نفسه أو مثله في أن ينقدك لتحقّق المعادل الموضوعي وتُحدث التوازن النقدي المطلوب؟!

إنّ اعترافي وإقراري أنّ نفسي ليست مقدّسة ولا معصومة ولا بريئة ولا نزيهة ولا مزكّاة، لا يخلق لي المبرِّر في ارتكاب الأخطاء، بل يجعلني حريصاً على عدم الوقوع في الخطأ ما استطعت، وعلى تفاديه، وعلى الإفادة من أخطائي السابقة، بل وتقبّل ما يُسدى ويُهدى إليَّ من نقد، لأنّ ذلك هو طريقي للارتقاء بنفسي، ونقلها نقلة نوعيّة وليكون غدي وما بعده أفضل من ساعتي ويومي.►

ارسال التعليق

Top