خالد إبراهيم
◄الوصول إلى القلوب غاية عظيمة.. تتحقق بآداب بسيطة
الإنسان مدني بطبعه، لابدّ له من الناس، ولابدّ لهم منه، وحتى يكون متكاملاً في جميع شؤونه فإنّه محتاج إلى إتقان فن التعامل مع الناس من عدو أو محب أو بعيد أو قريب.. فإن كسب قلوب الناس مهمة ليست باليسيرة إلا لمن يسرها الله له، والشاب الملتزم بحاجة ماسة لتعرف طرق وأساليب معاملة الناس حتى يحب الناس هذا الدين وأهله والملتزمين به.
هذه الطرق والأساليب المشار إليها عبارة عن أخلاق وآداب حث عليها المصطفى (ص) إذ ورد قوله: "إنّ المؤمن بحسن خلقه يبلغ درجة قائم الليل وصائم النهار" وقوله أيضاً: "المؤمن يألف ويؤالف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس"، ويقول (ص) كذلك: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
والأمر هكذا، هذه بعض الوسائل التي يمكن أن نستعين بها على حسن التعامل مع الناس من أجل كسب ودهم، والوصول إلى قلوبهم:
1- الاهتمام بمشاعر الآخرين: بمقابلتهم بصدر رحب والتودد في الحديث معهم والسؤال عن حالهم، وأخبارهم، والنظر في وجوههم في أثناء الحديث فلا تتشاغل عنهم، فهذا الرسول (ص): "كان لا ينزع يده إلا أن ينزعها صاحبه" وكان من صفاته (ص) أنّه إذا كلمه أحد أقبل عليه بوجهه، ومن الاهتمام بمشاعر الآخرين ملاقاتهم بوجه طلق فهذا الرسول (ص) يقول: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق".
هكذا: إستمع جيِّداً لهموم الناس وقدّر مشاعرهم وحثهم في قضاياهم يقول عبدالله بن الحارث: "ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله (ص).
2- تجنب أسلوب الأوامر: كثير من الناس لا يحب أن يأمره أحد بشيء أن يفعله.
وحياة الرسول (ص) خير دليل على ذلك، وفي الحادثة التالية ما يبين ذلك: "جاء وفد من الفقراء من مُضر، فرأى الرسول حالهم فقام فخطب في الناس ثمّ قال: "تصدق رجل بدرهمه، تصدق رجل بديناره.. بماله بصاعه".
لم يقل الرسول: أيها الناس: قوموا فتصدقوا على هؤلاء، ولكن قال: تصدق رجل!.
إستعمل أسلوب التشويق: فهذا الرسول (ص) يشجع الصحابة بقوله: "لأعطين الراية غداً لرجل يحبه الله ورسوله" أي يجب أن تستعمل أسلوب إعطاء الثقة في الآخرين.
3- حسن الكلام والإستماع: حث النبي (ص) على طيب القول وحسن الكلام كما في قوله (ص): "الكلمة الطيبة صدقة" لما لها من أثر في تأليف القلوب وتطييب النفوس.. فليس المهم توصيل الحقيقة إلى الناس فقط ولكن الأهم الوعاء الذي سيحمل تلك الحقيقة إليهم.
4- النظر إلى العيوب وترك الحسنات: يقول الرسول (ص): "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر"، ويقول أحدهم:
بكيت على عمروٍ فلما تركته **** وجوربت أقواماً بكيتُ على عمرو
هكذا نحتاج إلى النظرة الشمولية إلى الناس في إنصافهم.
يقول مؤلف لمحات في فن القيادة: "هناك طريقتان في الحياة:
1- النظر إلى مساوئ الناس ومحاولة إذلالهم بهذه المساوئ.
2- النظر إلى محاسن ومساوئ الناس ومحاولة تحسين المساوئ".
5- الشكر وتقدير الصنيع: التقدير يكون في بداية العمل كما يكون في نهايته، وتقدير الصنيع لا يكون مادياً فحسب بل يتم ولو بكلمة، فلقد ورد في الحديث عنه (ص) أنّه قال: "من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه".
6- لا تهتك سر أخيك: يقول الرسول (ص): "من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة"، ويقول تعالى: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) (آل عمران/ 134).
7- قضاء الحوائج: جُبلت النفوس على حب من أحسن إليها، والميل إلى من يسعى في قضاء حاجاتها، لذلك قيل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم **** فطالما استعبد الإنسان إحسان
وأولى الناس بالخدمة وقضاء الحوائج، الأهل.
يقول (ص): "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
وكذلك من الأفضلية في كسب الناس الجيران لقوله (ص): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره".
لذلك ينبغي أن نتحبب إلى الجار فنبدأه بالسلام، ونعوده في المرض، ونعزيه في المصيبة، ونهنئه في الفرح، ونصفح عن زلالته.
ومن أصناف الناس الذين ينبغي أن نكسبهم من نقابلهم في العمل، والدراسة.. إلخ.
وفي الحديث: "ولئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف شهراً في المسجد".
8- التأنيب والتوبيخ في غير محله: قبل الحكم على الشخص الغائب اسأله: أين كان أوّلاً؟
9- المداراة في التعامل مع الآخرين: الصراحة التامة مع كل أحد لا تنفع دائماً.
قال ابن حجر – رحمه الله – نقلاً عن القرطبي: "وفي الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى".
10- لا تنسب الفضل إليك: في رسالة من سيد قطب باسم "أفراح الروح" إلى أخته يقول: "التجار وحدهم هم الذين يحرصون على العلاقات التجارية لبضائعهم كي لا يستغلها الآخرون ويسلبونهم حقوقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها لحد أنهم ينسبونها إلى أنفسهم لا إلى أصحابهم الأوّلين".
11- أنزلوا الناس منازلهم: فقد كان (ص) يجل من يدخل عليه ويكرمه، وربما بسط له ثوبه، وقصة إسلام عدي بن حاتم الطائي دليل على ذلك، ويقول المصطفى (ص): "ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه".
- إحترم من خالفك في الرأي مما فيه مجال للإختلاف، ومتسع للنظر، مع عدم إنتقاصه، ورميه بالجهل.
- إحترم المتحدث ولا تقاطعه، قال الحسن بن علي (ع): "يا بني إذا جالست العلماء، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الإستماع كما تتعلم حسن الصمت، ولا تقطع على أحد حديثاً وإن طال حتى يمسك".
12- المزاح مع الناس: قد يظن البعض أن من كان فرحه كثيراً مع الآخرين هو أحسنهم تعاملاً معهم، أو يظن بعضهم الآخر أن التزمت وعدم الانبساط مع الناس وممازحتهم هو السبيل للحفاظ على الشخصية الجادة.
فهذا الرسول (ص) يضرب أروع الأمثلة في المزاح، وإدخال السرور على الناس، فكان ينبسط مع الصغير والكبير، ويلاطفهم، ويداعبهم، ويمازحهم، وكان لا يقول إلا حقاً.
- ضوابط المزاح:
1- هناك مزاح محمود، وهو الذي لا يشوبه ما كره الله عزّ وجلّ ولا يكون بإثم أو قطيعة رحم.
2- ومزاح مذموم: يثير العداوة، ويذهب الحياء، ويقطع الصداقة.
13- تقديم الهدية للآخرين: ففي الحديث "تهادوا تحابوا".►
تعليقات
محمود ابنالشيخ
حسب رأيي يتنزل هذا المقال في مجال تصحيح مفاهيم كثير من الناس لمطالب الإسلام من المتدينين به، فإن كثيراً منهم فهم أن الإسلام مقتصر على العبادات، غافلاً أو مهملاً المقاصد الاجتماعية، التي يقع ضمنها هذا المقال، كما أهملوا غيرها. و يدخل هذا المقال في سد الفراغ في ثقافة المسلم، و من هنا اكتسب أهميته و جاء في ساعة الحاجة إليه.