◄تفيد المقدمات الآنفة الذكر في كشف وتعيين الدور الذي أداه العقل الغربي المتصل والمتواصل منذ ما قبل الحداثة إلى ما بعدها، لجهة ما انطوى عليه من رؤى وقوى إجتماعية إحتضنت فاعلية سياسية متميزة.
وتدفع المقدمات عينها باتجاه الأسئلة الآتية: ما الذي فعله العقل العربي في هذه المرحلة؟ وما الذي يمكن أن يفعله الآن في مرحلة ما بعد العولمة، مرحلة التفكيكية الحديثة؟ وكيف يمكن الكشف من موقعه ودوره في ما يجري من تبدلات وتحولات في عالم اليوم التذيري؟ وبعدما إنقلب المشهد العربي بدءاً من تونس ومصر.
هذه الأسئلة يستتبعها سؤال آخر هو: هل نعرِّض أنفسنا لأسئلة لا نستطيع الإجابة عنها؟
في مقاربة قضايا تتصل بالعقل العربي، أو في مقاربة العقل العربي بالتحديد، هل نحن أمام عقل أراد أن يقبع في الظلام الدامس، لكون الظلام في الأمثال العربية يستر العيوب؟ هل هو الخوف من المجهول؟ أم ماذا؟ وبالتحديد فإن هذه الأسئلة وغيرها تدور في أذهاننا بعدما حصل في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا وفلسطين ولبنان والسودان والأردن والعراق في سائر العالم العربي، مشاهد مغايرة بعضها عن بعض.
أمام هذا الواقع قد نندفع مثل غيرنا، باتجاه محاولة بلورة رؤية خاصة في مواجهة آراء الآخرين وطروحاتهم، ونوجه الإتهامات في كل الإتجاهات، أو قد نميل إلى إحدى وجهات النظر، وربما نذهب إلى حدود بعيدة وباتجاهٍ آخر في محاولة ترمي إلى التحرر من محددات مكانة العقل العربي الوجودية كافة.
ويترتب على ذلك مسؤوليات عامة وأخرى خاصة، وذلك لإعتبارات شتى، ولكن، قبلَ الدخول في هذا الإتجاه أو ذاك، أو حتى التوجه بطريقة مختلفة في مقاربة العقل العربي، ينبغي التنبه أولاً إلى أن ثمّة ناظماً للأشياء في حياة المجتمعات، يتوسع باطراد، إلى حدٍ يكاد ينظم أدقَّ التفاصيل في الحياة الفردية والجمعية.
إنّنا هنا أمام مشكلة تطال كل العقل الإنساني، في بنية المعرفة والثروة والسيطرة والسياسة والثقافة وعلاقات السلطة، فما يجري في عالمنا يدل على أخلاقية نفعية، مصلحية ومادية، هي مرآة التعاطي مع الآخر، أياً يكن دينه أو جنسه أو جنسيته.
كل ذلك يعيد وبدون تردد، الحديث عن دور الفكر في ما يجري وفي ما هي علاقتنا بالواقع، وحيلتنا لصنع حقيقتنا، فالفكر نطام، وممارسة نحتاج إلى إعادة تفكير، ونقد يتيح لنا مواجهة الواقع، بعيداً عن أوهامنا.
بموازاة هذا الكلام، أحياناً وبالتداخل معه أحياناً أخرى، نلحظ ولادة سياق جديد في المجتمع العربي، يحمل فرادته، باعتبار طبيعة القوى داخل هذا المجتمع من جهة، وعلاقاتنا بدورة الإجتماع العامة من جهة أخرى، ينطوي هذا السياق على حوافز ودلالات خاصة، تشير إلى عمق الفضاء الثقافي والأخلاقي على إختلاف أوجهه في مباني المجتمع، تجعله يتحرك بكل أطيافه في دول وأقطار العرب لتغيير واقعها المعيش.
يعيدنا هذا الكلام إلى طرق أبواب الخطاب، وما يحمله من إرادة خاصة، وما يهدف إليه من تعميم مفاهيمه وتوسيع سيطرته، في محاولة لحيازة مساحة أكبر وأوسع في مباني المجتمع العامة، قد تؤدي إلى الصدام والتصادم مع غيره من الخطابات التي ترمي إلى أغراض مماثلة.
إنّ ذلك يُظهر لنا بعض ما يجري في المجتمع العربي، الذي يستمر بالبحث في حقيقة ما يقال وفي أحقيته، بما يكشف أمامنا ما أصيب به نظام الدلالات المستخدم في لغة الخطاب – التي تحاول جاهدة إعادة إنتاج الأُمّة – من إنتكاسات، أدّت إلى ما أدَّت إليه من واقع الحال.
ليس سهلاً أن نخاطب أنفسنا بهذه اللغة، لكن ماذا حصدنا من كلامنا على مآثر وتواريخ وفتوحات سالفة، وقد توقفنا ومنذ أمد عن إنتاج دورة حياتنا، فيما الآخر يبني نظامه المعرفي القائم على السيطرة والتفرد والإستغلال، ونحن نسوق أنفسنا باتجاهه.
لا شك في أنّ الكشف عن خطايانا يساهم في تصحيح مسارنا، لكن كيف؟
هنا تنشأ إشكالية معرفية – فلسفية جديدة، قوامها الرهان على إستعدادنا الفكري، لكي نفكر؟؟؟...►
المصدر: كتاب (تدافع العقول)
ارسال التعليق