• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التوبة لجوء إلى رحمة الخالق

عمار كاظم

التوبة لجوء إلى رحمة الخالق

قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) (التحريم/ 8)، وقال أيضاً: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الحجر/ 49). وفي الآية الثانية خطاب للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعنوان نبوّته ورسوليّته، وعبره إلى كلِّ حامل للإسلام أن يعلِّموا الناس أنّ الله غفور، يغفر الذنوب جميعاً، ورحيم في معاملتهم في كلا الدارين، وقد أشار إلى أنّه تعالى يُعاهد الناس بل كلّ المخلوقات أن يعاملهم بالرحمة قائلاً: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ). (الأنعام/ 54).

وزيادة في بثّ روح الأمل في نفوس البشر خصوصاً المذنبين منهم قال لهم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر/ 53). ولأنّ المذنبين بذنوبهم يشعرون بأنّهم بعيدون عن ساحة رحمة الله ومستحقّون لعقوبات الآجلة منها بل والعاجلة، قد يظنّون وهم على هذه الحال أنّهم ممنوعون من مخاطبته تعالى وطلب العفو والمغفرة، وهذه من حيل إبليس. وحتى لا يستبدّ المرض الخطير وهو اليأس من رحمة الله بالعباد، فلابدّ من باب يلجأ به الإنسان إلى كنف مغفرته تعالى من سطوات جبروته وقاهريّته، لابدّ من باب يفضي إلى دار أمنه وأمانه من خوف عقابه وانتقامه، فكان الباب هو التوبة التي اقتضتها رحمته تعالى، فبالتوبة يلجأ العبد إلى رحمته تعالى ليعالج أمراض الذنوب وليتحوّل من مبغوضه إلى محبوبه تعالى.

وفي مقدّمة لسلوك الطريق الموصل إلى التوبة هو الاستيقاظ من الغفلة، إذ بلا يقظة وانتباه جديّين كيف يتوب الإنسان؟ ولذا عدّها علماء السلوك أُولى خطوات السالكين إليه، وعنها قال الإمام السجّاد (عليه السلام): «حتى إذا انفتح له بصر الهدى وتقشّعت عنه سحائب العمى»، لكنّ هذه اليقظة مقدّمتها الاعتراف والإقرار التي تشكّل محفّزاً على اليقظة، ولكن لتنفع اليقظة ولا يعود المذنب إلى غفلته يجب إحصاء الذنوب، وفيه قال (عليه السلام): «أحصى ما ظلم به نفسه» ذلك أن مَن يريد إصلاح ما أفسد عليه أن يحصي أخطاءه ليخرج منها جميعاً، والتفكّر بالحال التي هو عليها والذنوب التي اقترفها، فليس من إحصاء الذنوب هو عدّها، بل المقصود أن يعرف الإنسان أوّلاً سوء الحال التي هو عليها.

ختاماً، إنّ الفضل في اللجوء إلى التوبة  يعود إلى الله تعالى، كما في إشارة الإمام السجّاد (عليه السلام) في قوله: «فها أنا ذا قد جئتك مُطيعاً لأمرِكِ فيما أمرت به من الدُّعاءِ، متنجّزاً وعدك فيما وعدتَ به من الإجابةِ إذ تقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)». على أنّه لابدّ من تأكيد العزم على التوبة، وهذا ما لَفَتَ إليه (عليه السلام) بقوله: «اللّهُمّ إنّي أتوب إليك... توبة مَن لا يحدِّثُ نفسه بمعصيةٍ، ولا يضمرُ أن يعودَ في خطيئةٍ...».

ارسال التعليق

Top