• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التكريمُ لونٌ من ألوان الشُّكر

التكريمُ لونٌ من ألوان الشُّكر

التكريمُ لونٌ من ألوان الشُّكر كونه إشادة بالجهود، وتثميناً للمنجزات، ومكافأة للإبداعات، وتقديراً للمواقف البطولية أو المُشرِّفة، وهو (تكريمان):

1- تكريمٌ في الحياة.

2- تكريمٌ بعد الوفاة.

والثاني - كما يُعبِّر مرتضى المطهّري - هو من سمات الأُمم الميِّتة أو المتخلِّفة، التي تنتظر موت كبارها، ورحيل عباقرتها، وغياب مُبدعيها، وانطواء صفحات العاملين المُصلحين، أو المفكِّرين المُجيدين، حتى تقيم لهم (حفلات التأبين) بدل (حفلات التكريم)، وتنصب لهم (تمثالاً) حديدياً أو برونزياً، وهي قلّما اكترثت بحياتهم، وبعطائهم أبّان حياتهم.. وهذا النوع من التكريم وإن مَثَّل حالةً من رفع العتب، هو تكريم في الوقت الضائع، أو حيث لا ينتفع به المُكرَّم إلّا أنّ مُذكَّرَ الأحياءُ به وبمنجزاته وآثاره.

وقد لا يحتاج المُصلح المُخلص، والعامل المُجتهد، والمُبدع المُجيد، والفنّان الماهر، والأديب البارع، إلى حفلات تكريم يُقدَّم له فيها وسام أو درع، أو كلمات ثناء وإطراء، إلّا أنّ الذين يُكرِّمون يتحمّلون مسؤولية الإشادة بالإنجاز العظيم، والافتخار بالعطاء الكريم، أي إنّهم - بتكريمهم للمُكرَّم أيّاً كان - إنّما يشكرون الله تعالى على أن أنعم عليهم برجلٍ أو امرأةٍ قدَّما لها الأفضل والأروع والأنفع لحياتهم، مثلما يشكرون عطاء المُبدع على طريقة (ردّ السلام) أو (مقابلة الإحسان بالإحسان)!

إنّ وردة تُقدَّم لحيّ أكرم الحياة بعطاياه، خيرٌ من باقات الزُّهور تحوط قبره.. وإنّ كتاباً يُهدى إليه، أفضل من كلِّ كُتُب الشُّكر والتكريم بعد حياته.. وإنّ كلمة طيِّبة تُقال له تثميناً لمواقفه وعطاءاته، قد يكون لها من التأثير الفاعل في مزيد من العطاء، أكثر من كلِّ قصائد الإشادة والتمجيد بعد رحيله. يقول الشاعر:

لا ألفِيَنَّكَ بَعدَ الموت تَندُبُني      وفي حياتي ما زَوَّدتَني زادي!

إنّ تكريم الأحياء للأحياء هو بعضٌ من الشعور الحيّ بالحياة وبمن يثري الحياة، بل هو تكريمٌ للمُكرِّمين أنفُسهم، على طريقة (أُهنِّأ ذاتي) أو (نُهنِّئ أنفُسنا) لأنّنا حظينا برجل عظيم مثلك!

وحفلة تكريم الحيّ يُفترض أن لا تكون على طريقة الشاعر:

أَتَت وحياض المَوتِ بيني وَبَينهَا      وجادت بوصلٍ حيث لَا ينفعُ الوَصلُ!

أي ينبغي أن لا يُكرَّم المُبدع والمُصلح والعامل وهو قاب قوسين من القبرِ وأدنى، لأنّ هذا والتكريم بعد الموت شبيهان أو متقاربان، إذ ما يمنع تكريم الشاب أو الشابّة في ريعان شبابهما على تميّزهما في أيّ من مجالات العطاء والإبداع، دفعاً للحماسة، ودفعاً لعطاء أعلى وأرقى، ما يمنع أن يُكرَّم الإنسان الذي كَرَّس حياته في خدمة وطنه وأبناء وطنه أكثر من تكريم، ما يمنع أن تتحوَّل (ثقافة التكريم) إلى عُرف اجتماعي يُكرَّم فيه كلّ عطاء وإبداع وإنجاز ومفخرة إنسانية.

ولو لاحظنا كيف أنّ المُبدعين أو العاملين المُخلصين يحتفظون بأوسمة التكريم ودُروعه وكُتُبه في أماكن بارزة من واجهات مكتباتهم وغرفهم الخاصّة، أو في عياداتهم، أو في معارضهم الشخصية، لعرفنا أنّ المُكرَّمَ في حياته، كما يعتز بأساتذته وبكُتُبه التي تَعلَّم منها، وكُتُبه التي ألَّفها، أو لوحاته التي أبدعها، أو فعّالياته الكبيرة التي أنتجها، يفتخر بهذه الألوان التكريمية التي تعتبر (شهادات فخريّة) من لدن أُناس أوفياء، انتفعوا بعطاء القائد، أو المربِّي، أو المعلِّم، أو العالم، أو الكاتب، أو المُصلح، أو القائد، أو العامل، أو الشهيد.. إنّها تُذكِّره أنّ (جميلَه) قُوبِلَ ذات يوم بـ(جميل)، وأنّ قومه كُرماء عُرفاء يعرفون قيمة العطاء والمُعطي فيُكرِّمونهما.

ارسال التعليق

Top