• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إشعاع التلفون المحمول والسرطان

إشعاع التلفون المحمول والسرطان

◄نعيش في بيئة تحتوي على كثير من الملوثات التي يمكن لحواسنا اكتشاف بعضها ولا يمكنها اكتشاف البعض الآخر. ويعتبر التلوث الإشعاعي من أخطر الملوثات التي لا يمكن لحوسانا اكتشافها، ويمكن اكتشاف وقياس هذه الملوثات بواسطة كواشف خاصّة.

والإشعاع شكل من أشكال الطاقة وله أنواع كثيرة، أهمّها وأشهرها الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي ينتج معظمه من حركة الإلكترونات المتسارعة. يتغير تردد وبالتالي طاقة هذا الإشعاع بصورة كبيرة جدّاً وسوف نتحدّث في هذا المقال عن إشعاعات الطاقة المنخفضة.

يمكن تقسيم الإشعاع من حيث تأثيره على الخلايا الحيّة، أو المادّة بصورة عامّة، إلى نوعين: إشعاع مؤين (إشعاع الطاقة العالية) مثل الأشعة السينية والإشعاع النووي، والنوع الثاني هو الإشعاع غير المؤين (إشعاع الطاقة المنخفضة) مثل أمواج الراديو والميكروويف والأشعة تحت الحمراء والضوء العادي.

لقد ازداد استخدام الإشعاع غير المؤين مع تطور تكنولوجيا الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة جدّاً.

 

- طبيعة الإشعاع غير المؤين:

الإشعاع غير المؤين إشعاع كهرومغناطيسي ذو طبيعة موجية، يتكوّن من مجالين متذبذبين متعامدين أحدهما كهربائي والآخر مغناطيسي. تنتشر هذه الإشعاعات في الفراغ بسرعة الضوء وهي أكبر السرعات المعروفة. وتمتص الموانع والحواجز المجال الكهربائي بسهولة، وبالتالي فإنّ تأثيره أو ضرره صغير جدّاً.

ويعتمد التأثير أو الضرر الناتج عن هذا الإشعاع على المجال المغناطيسي بصورة كبيرة، ويتناقص التأثير أو الضرر مع البُعد عن مصدر الإشعاعات.

 

- مصادر الإشعاع غير المؤين:

تعتبر الشمس من أهمّ المصادر الطبيعية للإشعاع غير المؤين. ويمكن أيضاً إنتاج بعض أنواعه من خلال تسخين أو رفع درجة حرارة الأجسام. وقد ازدادت المصادر الصناعية لهذه الإشعاعات بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية. فمحطات الإذاعة والتلفزيون وأجهزة ومحطات المحمول وأبراج التقوية وأفران الميكروويف تستخدم في عملها هذا الإشعاع.

وكذلك فإنّ أجهزة اللاسلكي المستخدمة بصورة واسعة في المؤسسات العامّة والخاصّة تنتج إشعاعاً غير مؤين. ويمكن القول ببساطة إنّ استخدام أي من الأجهزة الكهربائية في المنزل أو المصنع أو حتى الشارع (إشارة مرور) ينتج هذا النوع من الإشعاع ويزيد التلوث الإشعاعي في البيئة.

 

- إشعاع الأجهزة المنزلية:

لكلّ جهاز كهربائي مجالاته الكهربائية والمغناطيسية الخاصّة به، التي تعتمد على قدرته وطريقة صناعته. والمعروف الآن أنّ هذه المجالات لا تشكّل في الحالة العامّة أي خطورة على الصحّة.

إنّ المجال الكهربائي في جميع الحالات أصغر كثيراً من المجال المسموح التعرض له الذي حددته المؤسسة الدولية للحماية من الإشعاعات غير المؤينة. أمّا المجال المغناطيسي فهو كبر نسبياً؛ ولكنّه يبقى أصغر من القيمة المحددة من قبل الهيئة الدولية نفسها. وكمثال بسيط، فإنّ المجال الكهربائي لفرن عادي يعمل بالكهرباء وعلى بُعد حوالي 30 سم منه لا يشكّل سوى حوالي 2,0 في المائة من المجال المسموح التعرض له، بينما المجال المغناطيسي له قد يصل إلى حوالي نصف المجال المسموح التعرض له وهو بالتالي لا يشكل أي خطورة على الصحّة العامّة.

 

- إشعاع الموبايل وفرن الميكروويف:

تنتج هذه الإشعاعات عند استخدام الموبايل وأفران الميكروويف، وتنتج كذلك عن محطات الإرسال وأبراج التقوية وشبكات الإنترنت والتليفون اللاسلكي وغير ذلك من الأجهزة الحديثة.

إنّ التردد وبالتالي الطاقة في هذه الحالة أكبر من الحالة السابقة للأجهزة المنزلية العادية. وتنحصر تأثيرات هذه الإشعاعات في رفع درجة حرارة الخلايا (تأثيرات حرارية). ويمكن حساب التأثير من خلال ما يعرف بمعدل الامتصاص النوعي (SAR) وهو الطاقة التي يمتصها الكيلوغرام الواحد من الجسم في الثانية الواحدة ويقاس بوحدة (w/kg).

وتزداد خطورة إشعاعات الموبايل على الجزء العلوي من الجسم (الرأس والرقبة والجذع). وقد حددت الهيئة الدولية للحماية من الإشعاعات غير المؤينة الحد الأقصى لمعدل الامتصاص النوعي الذي يمكن تعريض هذه الأعضاء له بـ2 واط لكلّ كيلوجرام.. وبالطبع فإنّ لكلّ موبايل معامل امتصاص خاص به يعتمد على قدرته وطريقة صناعته، ومعامل امتصاص جميع الأجهزة المتوافرة أقل من ذلك. ويفضل أن يكون معامل امتصاص الجهاز أقل ما يمكن لتقليل التأثيرات الحرارية لإشعاعه.

 

- ارتفاع درجة حرارة الخلايا:

يمكن حساب ارتفاع درجة حرارة الخلايا القريبة من الموبايل باستخدام معادلة خاصّة ومعرفة معامل المتصاص وزمن المكالمة وبعض الثوابت الفيزيائية. فإذا كان معامل الامتصاص للجهاز 5 واط لكلّ كيلوجرام واستخدم الموبايل لمدة ساعة على الجهة نفسها من الرأس، فإنّ درجة حرارة الخلايا القريبة قد ترتفع حوالي 5,2 درجة مئوية. وهذا الارتفاع كبير وخطير وقد يسبب ضرراً للخلايا. أمّا إذا كان معامل الامتصاص يساوي 5,1 واط لكلّ كيلوجرام (معامل معظم الأجهزة أقل من ذلك) واستخدم الموبايل على الجهة نفسها من الرأس لمدة عشر دقائق، فإنّ الارتفاع في درجة الحرارة قد يصل إلى ربع درجة مئوية فقط، وهو ارتفاع صغير لا يمكن أن يسبب أي أضرار للخلايا. وإذا استخدم الموبايل نفسه لمدة 40 دقيقة، فإنّ الحرارة ترتفع درجة مئوية واحدة. وهكذا تظهر أهمية تقليل زمن المكالمة إلى الحدّ الأدنى، وأن يكون معامل امتصاص الموبايل صغيراً.

 

- الدراسات والأبحاث:

أجري على العلاقة بين التعرض لإشعاع الموبايل وظهور مرض السرطان في الإنسان عدد كبير جدّاً من الأبحاث والدراسات التي يصعب حصرها. ويمكن تقسيم هذه الدراسات والأبحاث إلى ثلاثة أنواع:

1- تجارب مخبرية على خلايا حيّة معزولة تعرض لإشعاعات مشابهة لإشعاعات الموبايل بصورة منتظمة وتحت السيطرة، ولا يمكن في الحقيقة تطبيق نتائج هذه الدراسات على الإنسان للاختلاف الكبير بين الحالتين، ومع ذلك فإنّ هذه الأبحاث يمكن أن تعطي مؤشراً على التأثير.

2- تجارب مخبرية على الفئران (منظومة حيّة) في ظروف تحت السيطرة يمكن التحكم بها بدقة. ومن أشهر وأحدث هذا النوع من الأبحاث دراسة برنامج السموم الأمريكي الوطني على الجرذان والفئران، وظهرت نتائجها الأوّلية عام 2016.

لقد وجدت الدراسة علاقة بين تعرض ذكور الجرذان للإشعاعات وظهور أورام السرطان. ومع ذلك، فإنّ هذه العلاقة غير موجودة في حالة الفئران الصغيرة. والأغرب من ذلك أنّ إناث الجرذان التي تعرضت للإشعاع عاشت فترة أطول من تلك التي لم تتعرض للإشعاع. وبرغم أنّ الدراسة دقّت ناقوس خطر حول التعرض للإشعاع، فإنّ بعض نتائجها غير مفهومة وهي بحاجة لمزيد من الدراسة والبحث.

3- إنّ معظم الدراسات هي دراسات إحصائية تحاول الربط بين تعرض مجموعة من الناس لإشعاعات الموبايل وزيادة حالات السرطان التي تظهر في المجموعة، مقارنة مع مجموعة عيارية ضابطة لم تتعرض للإشعاع. وجاءت نتائج الدراسات متناقضة، إذ إنّ الغالبية العظمى لم تجد أي علاقة سببية بين التعرض للإشعاع والسرطان. ومع ذلك، فإنّ عدداً قليلاً منها وجد احتمال زيادة حالات السرطان بسبب التعرض للإشعاع. وتتلخص مشكلة مثل هذه الدراسات في أنّ مرض السرطان يظهر عادة بعد فترة طويلة من التعرض للإشعاع. وهنالك عوامل أخرى غير الإشعاع لا يمكن السيطرة عليها، ولا يمكن بالتالي الجزم بأنّ السرطان قد ظهر بسبب الإشعاع. وسوف نستعرض بعض الدراسات المهمّة في هذا المجال.

تعتبر دراسة البروفيسور بارنت من دائرة الفيزياء الحيوية في أستراليا من أشهر وأقدم الدراسات التي تمت بتكليف من الحكومة الأسترالية عام 1994. قام بارنت بتحليل جميع الدراسات والأبحاث الصادرة عن المؤسسات الحكومية والدولية وتوصل إلى أنّ معظم الأضرار الناتجة هي حرارية في طبيعتها قد تؤدي إلى رفع درجة حرارة الخلايا درجة مئوية واحدة، ويمكن للجسم معالج هذه الزيادة في درجة الحرارة بسهولة ومن دون أضرار. أمّا التأثيرات الأخرى غير الحرارية، فهي متناقضة ولا يمكن الاعتماد عليها، وهي بحاجة لمزيد من البحث والدراسة.

* دراسة مهمة أشرفت عليها الهيئة الدولية للحماية من الإشعاعات غير المؤينة عام 2004، كانت نتيجتها أنّ معظم الدراسات التي تمّ تدقيقها عانت من نواقص وتناقض، وأنّها لم تجد دليلاً مترابطاً مقنعاً على وجود علاقة سببية بين التعرض للإشعاع الصادر من الموبايل وظهور أورام السرطان في الإنسان أو أي آثار مرضية أخرى. وطالبت الهيئة بمزيد من الدراسة والبحث حول هذا الموضوع.

* عقدت ورشة عمل في إيطاليا لدراسة الموضوع تحت إشراف منظمة الصحّة العالمية والهيئة الأوروبية للأبحاث، شارك فيها عدد كبير من الخبراء على مستوى العالم عام 2007. وتوصلت المناقشات إلى أنّ احتمال وجود ضرر بسبب التعرض للإشعاع غير كافٍ وغير مؤكّد، وأنّ الأمر بحاجة لمزيد من الدراسة العلمية.

* موَّل الاتحاد الأوروبي أكبر عمل بحثي علمي عالمي لدراسة تأثير الإشعاعات غير المؤينة على الخلايا الحية والإنسان. وضمّ العمل مشروع بحث بعنوان (Interphone) لدراسة العلاقة بين التعرض لإشعاع الموبايل وظهور أورام السرطان في الدماغ والرقبة والغدة النكافية في الإنسان. استمر المشروع عشر سنوات (2000 – 2010) وشارك فيه أكثر من 50 خبيراً من جامعات ومراكز أبحاث الدول المشاركة وعددها 13 دولة معظمها من دول أوروبا الغربية. وقامت الهيئة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحّة العالمية بالإشراف على المشروع. وتمت دراسة وفحص حالات السرطان في الدول المشاركة في الفترة العمرية (30 – 50) عاماً الذين استخدموا الموبايل لمدة 10 سنوات أو أكثر لفحص وجود أي علاقة بين استخدام الموبايل وظهور السرطان. ولم تجد معظم اللجان (لجان 10 دول) أي علاقة بين استخدام الموبايل والسرطان، بينما وجدت ثلاث لجان احتمال وجود علاقة بين سن مستخدم الموبايل وظهور السرطان. وقد بيّن التقرير النهائي للمشروع عدم وجود علاقة بين السرطان والاستخدام العادي للموبايل، واقترح أنّ الاستخدام الكثيف للموبايل على الجهة نفسها من الرأس قد يزيد احتمال ظهور سرطان الدماغ.

وطالب التقرير بمزيد من الدراسة والبحث في هذا المجال. وقد تمّ تحديث التقرير عام 2015 دون أي تغيير في النتيجة النهائية.

وهنالك دراسات أخرى كثيرة وصلت للنتيجة السابقة نفسها.

وعلى النقيض من ذلك، فإنّ عدداً من الدراسات وجد احتمال وجود علاقة بين استخدام الموبايل والسرطان. ومن أشهر الدراسات المنشورة دراسة للباحث هارديل منشورة في عام 2007، حيث قام هارديل بتحليل 18 دراسة وبحثاً منشوراً ووجد زيادة في حالات سرطان الدماغ والعصب السمعي لمن استخدم الموبايل لأكثر من عشر سنوات.

 

- التوصيات:

إنّ تكنولوجيا الاتصالات والموبايل والإنترنت وغيرها من الوسائل الحديثة تزداد انتشاراً مع الزمن وتطوّر الأجهزة وهي معنا لتبقى. لقد قدّر الاتحاد الدولي للاتصالات عدد مستخدمي الموبايل عام 2014 بحوالي 5 مليارات مستخدم. وبالتأكيد فإنّ طاقة هذه الإشعاعات غير قادرة على تأيين الخلايا ولا تسبب ضرراً للـ(دي.إن.أي). ومع ذلك، فلا يجوز استخدامها دون قيود أو ضوابط.

وللتقليل من آثار هذه التكنولوجيا، يمكن اتباع ما يلي:

1- استخدام الموبايل عند الضرورة القصوى فقط (في أثناء السفر مثلاً) واستخدام التليفون العادي أو اللاسلكي في المنزل ومكان العمل، لأنّ تأثيراته معدومة.

2- يجب اختصار زمن مكالمة الموبايل إلى الحد الأدنى وفي الأمور الضرورية التي لا يمكن تأجيلها.

3- استخدام السماعة (سماعة الأذن) لإبعاد الإشعاع عن الجسم وخاصّة الرأس.

4- استخدام الرسائل النصية قدر الإمكان.

5- استخدام الموبايل على جانبي الرأس بالتناوب للحد من ارتفاع درجة حرارة الخلية.

6- استخدام الموبايل قرب النوافذ في المباني على أن يكون الموبايل باتجاه النافذة.

7- عدم استخدام الموبايل عندما يكون الإرسال ضعيفاً، حيث يستخدم الموبايل قدرته القصوى في هذه الحالة ويكون تأثيره على الخلايا كبيراً.

8- عدم استخدام الأطفال للموبايل أو تقليل استخدامهم له، لأنّ للإشعاع خاصية التراكم على المدى الزمني وسوف يستخدمونه فترة طويلة خلال حياتهم ويزداد تأثيره عليهم مع مرور الزمن.►

ارسال التعليق

Top